يوم الإثنين الماضي 9 مارس/آذار 2020، نشر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تغريدة حاول من خلالها التقليل من أهمية انتشار فيروس كورونا في الولايات المتحدة عبر مقارنته بفيروس الإنفلونزا.
يبدو أن ترامب مُصِرّ على أن يتجاهل الحقائق العلمية، ويعتمد على تلك النظرة السطحية للأمور بما يلائم مصالحه، وهو ما ظهر في تصريحه الأشهر منذ سنوات بأن الصين هي التي تتسبب في الاحتباس الحراري لمصلحتها.
ترامب ذكر في تغريدته أن 37 ألف أمريكي ماتوا العام الماضي نتيجة إصابتهم بالإنفلونزا، وأن هذا الأمر يتكرر كل عام بمتوسط وفيات بين 27 و70 ألف حالة، دون الحاجة لإغلاق المتاجر أو تعليق الأنشطة والفعاليات، مؤكداً أن الحياة تستمر والاقتصاد لا يتأثر.
وقارن ترامب الأعداد السابقة بعدد وفيات كورونا في الولايات المتحدة الذي بلغ 22 حالة فقط، خاتماً تغريدته بجملة: "فكروا في هذا"، كدلالة على أنه يرى أن خطر كورونا أقل بكثير من خطر الإنفلونزا.
لكن هذا الرأي ليس صحيحاً علمياً يا ترامب!
يقلل البعض من خطر فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19) ويستدلون على هذا بمقارنته بفيروس الإنفلونزا الذي يقتل سنوياً مئات الآلاف دون أن ينتشر كل هذا الذعر في العالم. أحد مسؤولي الحكومة الأمريكية قال: "هذا الفيروس يشبه الفيروسات الأخرى. يجب أن يعامل بنفس الطريقة. لدينا مواسم الإنفلونزا التي تحدث بشكل متكرر".
عندما يقارن البعض بين الإنفلونزا وكورونا، كثير من الناس ينظرون فقط إلى إجمالي عدد حالات الإصابة وإجمالي عدد الوفيات، وهو ما يعطيهم استنتاجاً ليس دقيقاً. تشير الدراسات إلى أن الاختلافات بين الإنفلونزا وفيروس كورونا الجديد أكثر من النظرة السطحية التي ينظر بها البعض.
معدل الوفيات في الإنفلونزا وكورونا
يبلغ معدل الوفيات الناجمة عن الإنفلونزا الموسمية حوالي 0.1% (حالة وفاة لكل 1000 حالة إصابة)، طبقاً لبيانات منظمة الصحة العالمية.
لكن معدل وفيات فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19) أعلى من معدل وفيات الإنفلونزا بشكل واضح.
يبلغ أحدث معدل وفاة عالمي لفيروس كورونا الجديد 3.4% (34 حالة وفاة لكل 1000 إصابة)، وهو أعلى من الأرقام السابقة التي كانت تصل إلى 2% خلال شهر فبراير/شباط. هذا يعني أن معدل الوفيات الناجم عن كورونا يبلغ أكثر من 30 ضعف مثيله في الإنفلونزا.
انتقال الفيروس في الإنفلونزا وكورونا
المقياس الذي يستخدمه العلماء لتحديد مدى سهولة انتشار الفيروس يعرف باسم "رقم التكاثر الأساسي" أو R0. هذا المقياس هو تقدير لمتوسط عدد الأشخاص الذين يصابون بالفيروس من شخص واحد مصاب.
تبلغ قيمة رقم التكاثر الأساسي للإنفلونزا حوالي 1.3.
في المقابل، ورغم أن الباحثين لا يزالون يعملون على تحديد R0 لفيروس كورونا الجديد، قدرت الدراسات الأولية أن قيمة R0 تتراوح ما بين 2 و3، وفقاً لدراسة منشورة في 28 فبراير/شباط. وهذا يعني أن كل شخص مصاب قد نشر الفيروس إلى 2-3 أشخاص في المتوسط.
من المهم ملاحظة أن R0 ليس بالضرورة رقماً ثابتاً. قد تختلف التقديرات حسب الموقع، اعتماداً على عوامل مثل عدد المرات التي يتواصل فيها الأشخاص مع بعضهم البعض، والجهود المبذولة للحد من الانتشار الفيروسي.
الوقاية
على عكس الإنفلونزا الموسمية، التي يوجد لها لقاح للحماية من العدوى، لا يوجد لقاح لفيروس كورونا الجديد.
يأتي هذا في وقت يتسابق فيه الكثير من المراكز والشركات المتخصصة بالولايات المتحدة وغيرها لإنتاج لقاح للمرض، لكنهم لا يزالون في المراحل الأولى.
وطبقاً لتصريحات سابقة فالبشرية عليها أن تنتظر ما لا يقل عن عام ونصف حتى توفير لقاح فعال بعد إنهاء كافة التجارب السريرية.
هناك فرق بين الإنفلونزا الموسمية والوبائية
ربما ما لا يعرفه الرئيس ترامب هو أن هناك فرقاً كبيراً بين الإنفلونزا الموسمية، التي تسبب تفشٍّ للمرض كل عام، وبين الإنفلونزا الوبائية، أو تفشي فيروس إنفلونزا عالمي جديد يختلف تماماً عن السلالات التي تنتشر عادةً.
حدث هذا الاجتياح العالمي سابقاً عام 2009 مع وباء إنفلونزا الخنازير، الذي يقدَّر بأنه قتل ما بين 151 و575 ألف شخص في جميع أنحاء العالم. في ذلك الوقت كانت هناك معايير وإجراءات قوية اتخذتها غالبية دول العالم من أجل الحد من الانتشار ومن بينها الولايات المتحدة.
لكن الآن لا يوجد وباء إنفلونزا يحدث.
ربما يحتاج ترامب إلى مراجعة وفهم بعض المصطلحات بشكل جيد، قبل أن يُلقي هذه النوعية من التصريحات التي -للأسف- يتبناها البعض كمسلَّمات صادرة من رأس الحكومة الأمريكية.
علاء الدين السيد هو صحفي مصري مهتم بالعلوم والصحة. حصل على شهادة البكالريوس في العلوم الصيدلية من جامعة الأسكندرية. يعمل في مجال الصحافة العلمية منذ 2010 وله العديد من الكتابات والتقارير المنشورة في المواقع والصحف العربية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.