إذا هُزم دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، ستنتهي فترة رئاسته في 20 يناير/كانون الثاني 2021، وإذا أُعيد انتخابه، ستنتهي ولايته في نفس اليوم من عام 2025، لكن ماذا لو رفض ترامب التنازل عن السلطة؟.
وفقاً لمجلة The Atlantic الأمريكية، فإن هذا الاحتمال ليس مستحيلاً، وقد بدأ بعض أنصار ترامب يروجون له بالفعل، فبالرغم من التداول السلمي للسلطة في الولايات المتحدة على مدار 250 عاماً إلا أن ترامب قد يغير المعادلة.
وهنا نحن أما سيناريوهات تتراوح ما بين حل سريع للأزمة من قبل السلطات الأميركية، وما بين أعمال عنف قد تمتد في سائر الولايات وتسفر عن انتهاء عهد الديمقراطية الأميركية.
هل يهدم دونالد ترامب ما بناه أسلافه خلال 250 عاماً؟
وفقاً للدستور الأميركي، لا يحق لرئيس الولايات المتحدة أن يترشح لولاية ثالثة، وذلك وفقاً للتعديل 22 الذي أدخل على الدستور، على أن تكون مدة الولاية الواحدة 4 سنوات.
وعلى مدى ما يقرب من 250 عاماً، احترم جميع الرؤساء الأمريكيين الدستور، واعتادوا على تسليم السلطة بهدوء دون توترات، حتى عندما كانت تحدث هزيمة انتخابية مخزية وغير متوقعة.
فعلى سبيل المثال، تخلى جورج واشنطن عن السلطة لخليفته جون آدمز بعد أن أتم ولايته الثانية، واتخذ إجراءات تدل على احترامه لقوانين بلاده إذ حضر واشنطن حفل تنصيب خليفته وأصرَّ على السير خلف آدمز بعد الحفل لإظهار تبعيته للرئيس الجديد.
وفي العام 1993، ترك جورج بوش الأب بعد مغادرته منصبه رسالة ترحيب بخلفه في البيت الأبيض، بيل كلينتون وذلك بعد فوز الأخير بانتخابات رئاسية محتدمة.
وجاء في رسالة بوش الأب: "عندما تقرأ هذه الرسالة ستكون قد استلمت مهامك كرئيس للولايات المتحدة. أتمنى لك الخير والتوفيق، ولأسرتك أيضاً. نجاحك الآن هو نجاح بلادنا. لك كل دعمي. حظاً سعيداً".
لكن، وبالرغم من التاريخ الطويل للانتقال السلمي للسلطة في الولايات المتحدة، يبدو أن أنصار ترامب يروجون الآن لاحتمالية انتهاء هذا العهد.
بكل الأحوال يصعب أن نتخيل أن ترامب سيكتب رسالة طيبة لخلفه كتلك التي كتبها بوش الأب.
أنصار ترامب يتداولون احتمالية تشبثه بالسلطة
بالرغم من أن احتمالية عدم امتثال الرئيس لنتائج الانتخابات كانت غير واردة على الدوام، إلا أن أنصار ترامب باتوا يتداولون هذه الاحتمالية على سبيل المزاح تارة والاستفزاز لمعارضي ترامب تارة أخرى.
إذ كتب الحاكم السابق لولاية أركنساس، مايك هاكابي، تغريدة على موقع تويتر قال فيها إنَّ الرئيس ترامب "سيكون مؤهلاً لولاية ثالثة بسبب المحاولات غير القانونية التي نفّذها جيمس كومي والديمقراطيون ووسائل الإعلام وآخرون لعزله من منصبه".
ولم يكن هاكابي أول شخص يشير إلى أنَّ ترامب قد لا يغادر منصبه عندما تنتهي فترة رئاسته.
ففي شهر مايو/أيَّار، أشار الزعيم الإنجيلي، جيري فالويل الابن، بوضوح إلى تحقيق المستشار الخاص روبرت مولر في مزاعم التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، حيث كتب في تغريدة: "أنا الآن أؤيد التعويض. ينبغي إضافة عامين إلى الولاية الأولى لترامب مقابل الوقت المُهدر بسبب هذا الانقلاب الفاسد الفاشل".
وكان ترامب قد أعاد نشر تغريدة فالويل.
وفي السياق ذاته، أشار مايكل كوهين، المحامي الشخصي السابق للرئيس ترامب، إلى أنَّ الرئيس الأمريكي الحالي لن يغادر منصبه.
وقال كوهين، في شهادته أمام الكونغرس قبل دخوله السجن: "بالنظر إلى تجربتي في العمل مع ترامب، أخشى ألا تشهد الولايات المتحدة انتقالاً سلمياً للسلطة مطلقاً إذا خسر ترامب في انتخابات عام 2020".
ترامب نفسه طرح هذه الاحتمالية
كان ترامب نفسه قد مزح بشأن الاستمرار في منصبه بعد انتهاء فترة ولايته، بل حتى مدى الحياة.
في شهر ديسمبر/كانون الأول، قال ترامب أمام تجمّع حاشد في ولاية بنسلفانيا أنَّه سيغادر منصبه في غضون "5 أعوام، أو 9 أعوام، أو 21 عاماً، أو 29 عاماً"، ثم أضاف إنَّه كان يمزح "لإثارة جنون" وسائل الإعلام فقط.
قبل ذلك ببضعة أيام، أشار ترامب إلى منتقديه في خطاب قائلاً: "يقول كثير منهم أنَّني لن أغادر المنصب.. لذا يتعيَّن علينا الآن أن نبدأ في التفكير بهذا الأمر لأنَّه ليس فكرة سيئة".
يرى البعض أن ترامب يروج لفكرة بقائه بهذا الأسلوب، يقول عبارات صادمة واستفزازية ويكررها كثيراً، إلى أن تصبح فيما بعد شيئاً مألوفاً لدى الجمهور الأميركي.
رؤساء سابقون رفضوا مغادرة مناصبهم
بالرغم من أن رفض الرؤساء لمغادرة مناصبهم هو أمر نادر الحدوث في الدول الديمقراطية، لكنَّه ليس مستحيلاً.
إذ رفض رؤساء دول ذات أنظمة حكم ديمقراطية مثل مولدوفا وسريلانكا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وغامبيا ترك السلطة خلال العقد الماضي، مما أدَّى في بعض الأحيان إلى العنف وإراقة الدماء.
في عام 2016، قرَّر الرئيس جوزيف كابيلا عدم التخلّي عن السلطة بعد ثلاث ولايات -مدة كل واحدة خمس سنوات- من توليه منصب رئيس جمهورية الكونغو، وأعلن أنَّه سيؤجل الانتخابات لمدة عامين حتى إجراء التعداد السكاني.
قوبل قرار كابيلا باحتجاجات حاشدة قُتل فيها 50 شخصاً على أيدي قوات الأمن الحكومية، ومع ذلك، مضى قدماً في تنفيذ قراره وعُقدت الانتخابات في عام 2018، ثم غادر منصبه بعد ذلك.
ماذا سيحدث لو رفض ترامب المغادرة بعد خسارته في الانتخابات الأميركية؟
بعيداً عن السيناريوهات العنيفة، إذا رفض ترامب تسليم الرئاسة في حال فشله في الانتخابات، فإنَّ أذرع السلطة في الولايات المتحدة ستطيح به بكل بساطة.
إذ يفقد الرئيس سلطته الدستورية بشكل تلقائي فور انتهاء ولايته أو بعد إقصائه بعزله من منصبه، ومن ثمَّ، يفتقر إلى سلطة إدارة جهاز الخدمة السرية المنوط به حماية الرئيس الأمريكي أو إصدار أوامر إلى عملاء اتحاديين آخرين من أجل حمايته.
كذلك، سيفقد سلطة إصدار أمر عسكري للدفاع عنه لأنَّه لم يعد القائد الأعلى للقوات المسلحة، وستنتقل جميع هذه السلطات الرئاسية إلى الرئيس الجديد المُنتخب حديثاً.
وإذا لزم الأمر، يستطيع خليفة ترامب تكليف العملاء الاتحاديين بإخراج ترامب قسراً من البيت الأبيض.
وبصفته مواطناً عادياً الآن، لن يكون ترامب محصناً من المقاضاة الجنائية، ويمكن اعتقاله وتوجيه إليه تهمة التعدي على ممتلكات الغير في البيت الأبيض.
سيناريو أكثر عنفاً
وعلى الرغم من أنَّ بقاء ترامب في منصبه يبدو أمراً غير مرجح، قد يحدث سيناريو منطقي أكثر رعباً في حال تسببت هزيمته في تحفيز مؤيدين متطرفين للمشاركة في أعمال عنف.
يمكن للمرء أن يتصوّر سيناريو يُهزم فيه ترامب في انتخابات عام 2020، ويبدأ على الفور في كتابة تغريدات عن تزوير الانتخابات، وستعمل حينها وسائل الإعلام اليمينية المتشددة على تضخيم رسالته.
وفي حال أثَّرت شكواه في الأمريكيين، قد تكون النتيجة أعمال عنف مميتة أو حتى تنفيذ هجمات إرهابية ضد الإدارة الأمريكية الجديدة.
باختصار، إذا فشل ترامب في أداء واجبه الرئاسي النهائي لنقل السلطة سلمياً، فإن قوانين الدولة وقواعدها ومؤسساتها ستكون مسؤولة عن تنفيذ إرادة الناخبين.
لكن في حال فشل هؤلاء أيضاً، فإنَّ التجربة الديمقراطية التي تعتبر أعظم إنجاز حققه الأميركيون، ستكون مهددة بالاندثار.