لماذا أثار اعتقال مواطن مصري كل هذه الضجة في إيطاليا؟ الإجابة: “ريجيني”

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/02/23 الساعة 07:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/02/23 الساعة 07:12 بتوقيت غرينتش
الباحث المصري باتريك زكي

اعتقال أجهزة الأمن المصرية أكاديماً أو ناشطاً حقوقياً لا يعتبر حدثاً استثنائياً، فتلك هي القاعدة في ظل حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي، فلماذا أثار اعتقال أكاديمي مصري -يدعى باتريك زكي- ضجة كبيرة في إيطاليا بالتحديد وأوروبا بشكل عام؟

صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: "اعتقال مصري يحيي صدمة إيطالية"، ألقى الضوء على حالة باتريك زكي التي نكأت جرحاً لم يندمل بعد في وجدان الإيطاليين.

تذكير بمقتل ريجيني

حين اعتُقِل طالب مصري في مطار القاهرة مؤخراً، لم تكن هذه الواقعة استثنائية تماماً، إذ تعتقل الأجهزة الأمنية المصرية باستمرارٍ الأكاديميين والمحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان وغيرهم من معارضي الحكومة، الذين يختفي بعضهم خلف القضبان سنوات، وكثيرٌ منهم يشكو من التعرض للتعذيب.

لكن محنة المعتقل باتريك زكي، البالغ من العمر 27 عاماً، والذي يعمل لدى جماعة حقوقية مصرية بارزة، حظيت بتدقيق دولي غير عادي بفضل نقطة اختلاف مهمة، وهو أنَّ باتريك كان عائداً من إيطاليا.

وأخذت جامعة بولونيا، حيث يدرس زكي، على عاتقها قضيته التي تصدرت الصفحات الأولى من الأخبار، واندلعت احتجاجات طلابية في مدن عدة، وأصدر مسؤولون إيطاليون مطالب. ويُعزى جزء كبير من هذا الحراك الإيطالي إلى تشابه قضية باتريك زكي مع جوليو ريجيني، الطالب الإيطالي الذي اختفى بالقاهرة في يناير/كانون الثاني 2016، ثم عُثِر على جثمانه بعدها بعشرة أيام وعليه آثار تعذيب شديد. 

جوليو ريجيني

وعصف مصير ريجيني، الذي توفي عن عمر يناهز 28 عاماً والذي كان مرشحاً لنيل الدكتوراه من جامعة كامبريدج، بالإيطاليين، وأصبح شغلهم الشاغل المطالبة بكشف حقيقة وفاته، التي يلقي كثيرون باللوم فيها على رجال الأمن المصريين. وعزز من هذا الاهتمام الوطني بالقضية الشعور بالإحباط من المسؤولين المصريين، الذين يتهمهم الادعاء الإيطالي بالتستر على جريمة القتل.      

الجرح لا يزال ينزف

وأشعل اعتقال باتريك زكي فتيل الصدمة التي كانت قابعة في عقول الإيطاليين، وقال فرانسيسكو أوبرتيني، عميد جامعة بولونيا: "من وجهة نظر عاطفية، أعيد فتح جرح غائر في بلدنا".    

ووصلت الصيحات في إيطاليا إلى مسامع البرلمان الأوروبي، حيث ضم الرئيس ديفيد ساسولي صوته إليهم في المطالبة بإطلاق سراح زكي، وقال ساسولي الأسبوع الماضي: "أود أن أُذَكِّر السلطات المصرية بأن علاقات الاتحاد الأوروبي مع الدول الأخرى مرهونة باحترام حقوق الإنسان والحقوق المدنية".

وبالنسبة لكثير من الإيطاليين الذين أخذوا هذه القضية على عاتقهم، يعد ذلك فرصة للنجاح في الضغط على مصر بعدما فشلوا في فعل الشيء نفسه مع ريجيني. من جانبها، قالت باولا بينا، معلمة في المدرسة الثانوية، خلال وقفة بالشموع يوم الخميس 20 فبراير/شباط، أمام مبنى بانثيون في روما: "باتريك مُعرَّض لأن يواجه مصير جوليو نفسَه. نحن لا نريده أن يموت".

وغنى المحتجون في الوقفة أغنية "تخيل" -Imagine- للمغني الأمريكي جون ليجند، وأغنية المقاومة "وداعاً ايتها الجميلة" -Bella Ciao- وحملوا لافتات عليها عبارة "حرِّروا باتريك". وعلى مسافة قريبة منهم، رُسِمَت صورة لريجيني وهو يحتضن زكي، مع تعليق "هذه المرة، كل شيء سيُحَل".      

ما التهم الموجهة إلى باتريك؟

لكن في مصر بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي، هناك قليل من الضمانات على حدوث ذلك، وأُلقي القبض على زكي في 7 فبراير/شباط في أثناء عودته لقضاء عطلة قصيرة من بولونيا، حيث كان يدرس بمنحة دراسية للحصول على درجة الماجستير في الدراسات الجنسانية، وعَمِلَ زكي سابقاً باحثاً بمجال الحقوق الجنسانية في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وهي مجموعة حقوقية بارزة.

وقالت هدى نصر الله، إحدى محامي باتريك زكي، في حديث، إنَّ المسؤولين من جهاز الأمن الوطني المصري اصطحبوا باتريك إلى مركز اعتقال حيث تعرض للضرب والصعق، ثم نُقِل إلى سجن في مسقط رأسه المنصورة، التي تقع على بُعد 96.5 كيلومتر شمال القاهرة، حيث يقول المحققون إنهم واجهوه بنسخ مطبوعة من حسابه الشخصي على فيسبوك.

ويواجه زكي، الذي تم السبت 22 فبراير/شباط، تجديد حبسه 45 يوماً، 5 اتهامات، من بينها إثارة الفتن وتشجيع الإرهاب وتعطيل النظام العام، ومثلما حدث مع ريجيني، حاولت وسائل الإعلام المصرية الموالية للدولة تشويه سمعة زكي، وأدانت اهتمام روما بالقضية بوصفها مؤامرة لإيذاء مصر.

وهنا، رأى والدا جوليو، باولا وكلوديو ريجيني، أوجه تشابه مع قضية ابنهما، ووجها نداءً إلى الزعماء الإيطاليين والأوروبيين في 13 فبراير/شباط، قالا فيه: "باتريك، مثله مثل جوليو، طالب دولي بارع يهتم بشدة بحقوق الإنسان المقدسة"، وأضافا: "نأمل أن تتمكن المؤسسات الأوروبية والإيطالية هذه المرة من الوصول لطريقة تُمكِّنها من إنقاذ حياة هذا الباحث الدولي الشاب، وألا يسمحوا باستمرار الوضع حتى لساعة إضافية".

وفي جامعة بولونيا أقرَّ المجلس الأعلى قراراً ينادي بمساعدة زكي، واستند أوبرتيني، عميد الجامعة، فيه إلى مرسوم أصدره عام 1155 الإمبراطور الروماني المقدس فريدريك بارباروسا، المعروف أيضاً باسم فريدريك الأول، والذي ينص على حماية الطلاب الدارسين في بولونيا.

وحتى الجمعة 21 فبراير/شباط، جمعت عريضةٌ نشرتها منظمة العفو الدولية في إيطاليا على الإنترنت أكثر من 77 ألف توقيع، في حين جمعت أخرى منشورة على موقع change.org 186 ألف توقيع. 

ويرحب ناشطو الحقوق المصريون المضطهدون بالصخب الإيطالي باعتباره وسيلة لجذب انتباه جديد إلى القمع المتزايد في مصر، حيث يشيع إسكات قوات الأمن لوسائل الإعلام المحلية وإساءة معاملتها لدرجة أنها نادراً ما تُصدِّر أخبارها للخارج.

وفي هذا السياق، قال محمد لطفي من اللجنة المصرية للحقوق والحريات: "كثير من الناس اعتُقِلوا لدرجة يصعُب معها تتبُّع كل واحد منهم". واعتُقِلَت زوجة لطفي، أمل فتحي، 7 أشهر في عام 2018؛ بعدما نددت على فيسبوك بالتحرش الجنسي.

وتحدث عديد من الاعتقالات في مطار القاهرة، حيث يفاجأ المصريون الذين يدرسون بالخارج أو يسافرون بأنهم مطلوبون أمنياً. وفي الماضي، تعرَّض الباحثون لدى وصولهم من الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا للاعتقال، لكن حكومات تلك الدول لم تقدم سوى احتجاج صامت، هذا إن صدر عنها أي احتجاج على الإطلاق.

لكن إيطاليا أبدت معارضة أقوى من دول كثيرة غيرها بعد وفاة ريجيني، وسحبت سفيرها من القاهرة مدة 16 شهراً، وأرسلت محققين للمساعدة في التحقيق المصري، ووعد الرئيس السيسي مراراً القادة الإيطاليين بتقديم الجناة إلى العدالة، وكان آخرها خلال اجتماع مع رئيس الوزراء جوزيبي كونتي في 20 يناير/كانون الثاني.

يعارض المنتقدون بأن السيسي كان يمكنه معرفة الحقيقة بسرعة عن طريق التحري داخل أجهزته الأمنية، وفي أواخر عام 2018، قال مدعيان إيطاليان إنهما حددا 5 مصريين ينتمون إلى جهاز الأمن الوطني، كانوا متورطين في مقتل ريجيني. ولكن لم يخضع أي شخص في مصر للمحاكمة.

صمت غربي تجاه ملف حقوقي سيئ

تهرّب السيسي من اللوم القادم من الغرب إزاء سجل حقوق الإنسان لديه، عن طريق الاستفادة من قوته الاقتصادية والسياسية، وعقد السيسي صفقات أسلحة مع فرنسا بقيمة 15 مليار دولار أمريكي في عام 2018، وفقاً لبيانات الاتحاد الأوروبي، ويتعاون مع ألمانيا في التحكم بتدفقات الهجرة، ويدير واحداً من أكبر حقول الغاز في شرق البحر المتوسط مع شركة الطاقة العملاقة Eni التابعة للحكومة الإيطالية. 

السيسي وترامب / أرشيفية

بعد مدة قصيرة من وفاة ريجيني، حصلت الولايات المتحدة على معلوماتٍ استخباراتية ربطت بين عملية القتل والمخابرات المصرية، غير أن الرئيس ترامب، الذي نعت السيسي بـ "ديكتاتوري المُفضّل"، لم يُتابع القضية.

كان أحد الاستثناءات البسيطة بالنسبة للصمت الأمريكي عن الانتهاكات المصرية، متعلقاً بوفاة مصطفى قاسم داخل السجون المصرية في الشهر الماضي، وهو مواطن مصري أمريكي كان مُضرباً عن الطعام؛ احتجاجاً على ما أطلق عليه "إدانة غير عادلة".  قال مسؤول بوزارة الخارجية إن الوفاة كانت "غير ضرورية ومأساوية، وكان يمكن تجنبها".

رغم محدودية تأثيره، يُعدّ الضغط الأجنبي، وفقاً لبعض النشطاء، الأمل الوحيد غالباً لدى المعتقلين المصريين الذين يواجهون السجن لعهود طويلة دون محاكمات.

قال ريكاردو نوري، المتحدث الرسمي لمنظمة العفو الدولية في إيطاليا: "ما إن بدأت هذه المرحلة، تتمثل الخطورة في أنها ستستمر"، وأضاف: "وكلما استمر ذلك، زادت صعوبة تحقيق نتائج".

بالنسبة للإيطاليين، أعاد دمج القضيتين تجديد الأمل في إحياء التحقيقات المتوقفة بقضية ريجيني، وفي حديثه لصحيفة La Repubblica، قال وزير الخارجية الإيطالية لويجي دي مايو: "يمكنني أن أوكد لكم أننا في كل مرة نلتقي فيها السيسي، أنا وكونتي (رئيس الوزراء الإيطالي)، فإن أول سؤال نطرحه هو الحقيقة في قضية ريجيني".

في 15 يناير/كانون الثاني، قال النائب العام المصري حمادة الصاوي، إنه قد عيّن فريقاً جديداً للتحقيق في مقتل ريجيني، وقالت ريتا مونتيتشيللي، إحدى أساتذة باتريك زكي في جامعة بولونيا، إنها علمت أنه كان قلقاً بشأن احتمالية فقدان منحته الدراسية، وأضافت أنه لا ينبغي أن يقلق، وقالت: "أملنا هو أن يعود إلى هنا".

تحميل المزيد