في وقت يتنبأ فيه المتابعون والمحللون باكتساح المحافظين والمتشددين للانتخابات البرلمانية الإيرانية التي جرت يوم 21 فبراير/شباط 2020، تظهر تساؤلات حول معنى سيطرة التيار المحافظ على المؤسسة التشريعية في البلاد على الملفات الداخلية والخارجية.
وأجريت هذه الانتخابات بعد عدة أسابيع من الجدل المثار حول مستقبل البرلمان الإيراني الحادي عشر، وبعد حملة انتخابية لم يلتفت لها أغلب الإيرانيين، وبعد استبعاد مجلس صيانة الدستور، المؤسسة المخول لها فحص أوراق جميع الراغبين للترشح فى جميع الانتخابات الايرانية، الآلاف من المرشحين الإصلاحيين والمعتدلين، بحجة عدم ولائهم للدين الإسلامي، أو مبادئ الثورة الإسلامية، بحسب المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور.
وتجري الانتخابات وسط أحداث درامية مرت بها إيران في الآونة الأخيرة، بداية من حملة القمع المميتة التى قوبلت بها الاحتجاجات المناهضة للحكومة على إثر إعلان الأخيرة تقنين البنزين ورفع الأسعار، في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وقتل المئات واعتقال الآلاف من المحتجين، وصولاً للمعالجة السيئة للحكومة، لحادثة إسقاط الدفاعات الجوية الإيرانية لطائرة ركاب أوكرانية عن طريق الخطأ، في يناير/كانون الثاني، مما أسفر عن مقتل 176 شخصاً، أغلبهم من الإيرانيين.
ومن المفترض، وبحسب صحفي إيراني يقوم بتغطية الانتخابات فى العاصمة طهران، رافضاً الكشف عن هويته، أن يتم إعلان النتائج الرسمية للانتخابات البرلمانية فى نهاية يوم السبت، أو في الصباح الباكر من يوم الأحد 23 فبراير/شباط.
وبحسب الصحفي الإيراني، فان التقديرات الأولية لفرز الأصوات تشير إلى تصدر قائمة "الوحدة الوطنية"، التابعة للتيار المحافظ، والتي يترأسها محمد باقر قاليباف رئيس بلدية طهران السابق، وسط توقعات بسيطرة المحافظين على غالبية المقاعد الـ290 للبرلمان.
لكن ماذا تعني سيطرة المحافظين على البرلمان؟
تعاني إيران من أزمات سياسية سواء داخلية أو خارجية، وأزمة اقتصادية خانقة، وتراجع في الحريات المدنية والسياسية، بجانب الرد العنيف من الدولة على أي احتجاجات كما ذكرنا من قبل.
يعتقد البعض أن الأمور ستزداد سوءاً، إذا سيطر المحافظون المتشددون على البرلمان، لأن الأمر سيكون بداية لعهد جديد من العزلة الإيرانية، يشبه إلى حد ما عهد الرئيس المتشدد السابق محمود أحمدي نجاد.
من المحتمل أن يصبح السياسي المحافظ والقائد السابق في الحرس الثوري، محمد باقر قاليباف رئيساً للبرلمان الجديد، بعد أن رفض علي لاريجاني الذي تولى المنصب منذ عام 2008 الترشح للانتخابات مرة أخرى.
ويتوقع المحللون داخل إيران، أن قاليباف سيقود البرلمان بأجندة متشددة، تتعارض مع سياسات روحاني المعتدلة خاصة في التعامل مع الغرب.
نهاية الاتفاق النووي
منذ أن جاء الرئيس حسن روحاني رئيساً للبلاد في عام 2013، وأقدم على إجراء مفاوضات نووية مع القوى العالمية، والتيار المحافظ يعارض بشدة أي محادثات مع الغرب، أو التفاوض على البرنامج النووي للبلاد.
بعد سحب الرئيس دونالد ترامب بلاده من الاتفاق النووي لعام 2015، في مايو/أيار 2018، وإعادة فرض العقوبات الاقتصادية على طهران، زادت حدة انتقادات المعسكر المحافظ للرئيس روحاني المعتدل وأنصاره من الإصلاحيين، وألقوا باللائمة عليه في الأزمات الاقتصادية التي مرت بها البلاد.
ارتفعت الأصوات المحافظة والمتشددة التي تطالب بإخراج إيران من الاتفاق النووي، والعودة إلى استكمال برنامجها النووي، لكن إلى الآن اتخذت إدارة حسن روحاني، خطوات لتقليل التزاماتها بموجب الاتفاق النووي، إلى أن وصلت إلى التحرر من كافة القيود المفروضة على تخصيب إيران لليورانيوم.
لكن أبقت ايران على التزامها بالسماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بزيارة منشآتها النووية كما هو منصوص عليه في خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015. وهذا ما يرفضه المحافظون بشدة، بل ويرغبون في خروج إيران من معاهدة انتشار الأسلحة النووية.
أديب يزدي، أحد المرشحين في الانتخابات البرلمانية الحالية، والمنتمي إلى التيار المحافظ يقول لـ "عربي بوست"، إن الصفقة النووية لم تجلب لهم سوى الخراب، ولم تفعل أوروبا لنا شيئاً، "ماذا فعلت لنا الصفقة؟، فقط تقييد منشآتنا النووية، لابد أن يحسم البرلمان القادم أمرها في أسرع وقت".
يرى المحلل السياسي أمير منتظري، أن الرئيس السابق للبرلمان الإيراني علي لاريجاني، هو من ساعد روحاني في تصويت البرلمان على الصفقة النووية، لكن الأمر سيكون مختلفاً في البرلمان القادم.
يقول منتظري لـ "عربي بوست"، "بنسبة كبيرة للغاية، ستكون مهمة البرلمان القادم إنهاء أمر الصفقة النووية، ولن يستطيع الإصلاحيون بعد الاستبعاد الكبير لهم، أن يعترضوا طريق المحافظين في البرلمان".
زيادة التوترات مع الولايات المتحدة
خاض الرئيس الإيراني حسن روحاني، وأنصاره معركة شاقة في الداخل، من أجل إخراج إيران من عزلتها، والانفتاح على الغرب، ستزداد مشقة المعركة في الفترة المتبقية من ولاية روحاني الثانية والأخيرة، في ظل وجود برلمان يسيطر عليه المحافظون المتشددون، الرافضون لأي شكل من أشكال التواصل مع الغرب.
يقول منتظري لـ "عربي بوست"، "البرلمان ليس له يد عليا في أمر السياسة الخارجية لإيران، لكن إغلاق المجال السياسي أمام التيار الإصلاحي، وسيطرة المحافظين على مقاليد الأمور في البلاد، والتي بدأها بالسيطرة على البرلمان، ستجعلنا نخوض تجربة العزلة مرة أخرى".
يجادل الخبراء داخل إيران، أن سيطرة المحافظين على البرلمان، ستقود إلى سيطرتهم إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2021، وفي مقابل عزل الإصلاحيين عن المشهد السياسي في إيران، فمن المتوقع أن يكون الرئيس الجديد من المعسكر المحافظ.
وفي حالة فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفترة رئاسية ثانية فى نوفمبر/تشرين الثاني القادم، ستزداد الأمور تعقيداً، وستشهد المنطقة سنوات التوتر بين إيران والولايات المتحدة، على غرار عهد أحمدي نجاد، خاصة بعد أن أقدم ترامب على اغتيال القائد العسكري الأبرز للجمهورية الإسلامية الجنرال قاسم سليماني، والذي يطالب المحافظون إلى الآن بالانتقام الشديد لمقتله.
حتى إنهم استخدموا مقتله في حملاتهم الانتخابية قبل عدة أيام.
السياسية الخارجية الإيرانية
كما ذكرنا سابقاً، فإن البرلمان ليس له علاقة بالسياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية في إيران، فعندما قررت إيران خوض معاركها في سوريا، العراق، اليمن، لم يتم الأمر عبر البرلمان، ولكن عن طريق قائد قوة القدس قاسم سليماني قبل مقتله، والمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي.
وسواء كان ميل البرلمان إصلاحياً أو محافظاً، فمن المتوقع أن تستمر المؤسسة السياسية العليا في البلاد على نهجها في المنطقة، بل أصبح لديهم هدف جديد، بعد اغتيال الولايات المتحدة لقاسم سليماني، وهو كما طلب آية الله علي خامنئي، طرد القوات الأمريكية من منطقة الشرق الأوسط.
الملف الاقتصادي.. أسوأ المخاوف
تعتبر طهران المركز الرئيسي للسياسية في إيران، لذلك يهتم الناخبون في العاصمة بالبرامج السياسية للمرشحين، أما في باقي المحافظات، سيكون اهتمام الناخبين منصباً أكثر على القضايا المحلية وأهمها الاقتصاد.
في يوم 20 فبراير/شباط، قال محمد باقر قاليباف الذي يأتي على رأس القائمة الانتخابية الموحدة التيارات المحافظة في طهران "إن العقوبات الأمريكية مسؤولة عن 30% من الأزمات الاقتصادية، لكن تعود نسبة 70% من تلك الأزمات إلى سوء الإدارة في البلاد"، على حد تعبيره.
أثناء حملته الانتخابية، ركز قاليباف على الملف الاقتصادي، والخطط المستقبلية للبرلمان في حل الأزمات الاقتصادية في البلاد.
انتقد المحلل الاقتصادي سعيد منصوري تصريحات قاليباف، وقال لـ "عربي بوست"، "قاليباف الذي يتحدث عن سوء الإدارة والفساد، تورط أثناء رئاسته لبلدية طهران في قضية فساد كبيرة، تقدر بملايين الدولارات".
في فترة رئاسته لبلدية طهران، والتي استمرت لمدة 12 عاماً، تم اتهام قاليباف ببيع العقارات الرئيسية ومنها بعض العقارات الأثرية بأسعار زهيدة إلى زوجته، وعدد من أفراد أسرته.
يعاني الاقتصاد الإيراني بجانب الفساد وسوء الإدارة، والعقوبات الأمريكية، من سيطرة كبيرة للمنشآت التجارية التابعة للحرس الثوري الإيراني، على القطاع الخاص، مما يغلق المجال أمام المستثمرين والشركات التجارية للاستثمار في هذا القطاع.
وهذا ما عارضه روحاني مراراً وتكراراً، مطالباً الحرس الثوري برفع يده عن القطاع الخاص الإيراني، يقول منصوري لـ "عربي بوست"، "لابد أن يتخذ البرلمان الجديد، خطوات جادة لمساعدة القطاع الخاص، ومعالجة الفساد المستشري في أغلب القطاعات الإيرانية".
لا يتوقع منصوري، الكثير من التحسن في الاقتصاد الإيراني في ظل البرلمان الجديد، بالرغم من اهتمام أغلب المرشحين بالقضايا الاقتصادية في حملاتهم الانتخابية.
مخاوف داخلية من سيطرة المحافظين
يخشى البعض داخل إيران، من أن تؤدي سيطرة المحافظين على البرلمان، ومن بعدها على الانتخابات الرئاسية، إلى مزيد من قمع الاحتجاجات، الحريات الاجتماعية، والحركات المدنية، كما كان الحال في عهد الرئيس المتشدد السابق محمود أحمدي نجاد.
تقول إحدى الناشطات النسويات، رافضة الإفصاح عن هويتها لأسباب أمنية، لـ"عربي بوست"، "في البرلمان السابق الذي كان يسيطر عليه الإصلاحيون، لم تتمكن النائبات البرلمانيات من تمرير مشاريع قوانين تحمي المرأة من العنف، لذلك نتوقع الأسوأ في البرلمان القادم".