جلس مُستشار القصر الملكي السعودي فهد تونسي يلعب بمسبحته، قبل أن يميل إلى الأمام في كرسيه ليروي لـوكالة Bloomberg الأمريكية، قصةً نادرة من الدائرة الداخلية لولي العهد. مع استعداد المملكة لبدء عامٍ من الظهور في دائرة الضوء الدولية باعتبارها البلد المُضيف لاجتماعات مجموعة العشرين، رفض الأمير محمد بن سلمان شعارات القمة التي صمّمتها بعض أفضل الوكالات في العالم سعياً إلى تقديم شعارات سعودية التصميم. ولم يكُن هناك ما يكفي من الوقت بحسب تصريحات تونسي أمام كبار الصحفيين السعوديين، لكن الأمير لم يتراجع عن قراره.
ووقع اختيارهم في نهاية المطاف على رمزٍ يلعب على فكرة الشكل التقليدي للنسيج من أعمال المُصمّم المحلي محمد الهواس (28 عاماً). وأوضح تونسي، الذي يرأس أمانة مجموعة العشرين في المملكة، أنّ قيادة المؤتمر "هي أمرٌ يستدعي الكثير من الفخر منّا بوصفنا سعوديين".
بن سلمان يهتم بأدق تفاصيل القمة
تقول وكالة بلومبيرغ إن الاهتمام بالتفاصيل على أعلى المستويات يعكس مدى أهمية الحدث بالنسبة للمملكة العربية السعودية، بالتزامن مع ترحيبها بقادة أكبر الاقتصادات العالمية بعد فترةٍ خفتت خلالها حماسة الإصلاح لدى الأمير محمد بسبب الغضب من تبعات مقتل الصحفي السعودي الناقد جمال خاشقجي، وحملة قمع المُعارضة التي أدانتها جماعات حقوق الإنسان، ودور المملكة القيادي في الحرب الطاحنة المُستمرة منذ خمس سنوات في اليمن.
وفي حين أنّ الكثيرين سيشعرون على الأرجح بسخرية أن تستضيف السعودية اجتماعات عالمية تُركّز على تغيّر المناخ وتمكين المرأة -إذ إنّ المملكة الإسلامية المُحافظة هي قوةٌ نفطية لم يُسمح للنساء فيها بالقيادة أو ارتداء أزياء شبه عادية إلّا مؤخراً- لكنّ المسؤولين السعوديين يرون الكثير من الفرص.
بالنسبة للسعودية، فإن ترؤس القمة التي تمثّل الدول الأعضاء بها 80% على الأقل من الناتج الاقتصادي العالمي يُمثّل فرصةً لتحسين السمعة الدولية المُشوّهة والترويج لجهود تثبيت أقدام المملكة بوصفها وجهةً للأعمال والسياحة، وهي الركائز الأساسية لدفعة الأمير محمد في اتّجاه تنويع الاقتصاد.
الأضواء مسلطة على المملكة
ويوم السبت الـ22 من فبراير/شباط، سيصل وزراء المالية ومُحافظو البنوك المركزية إلى الرياض من أجل حضور أول اجتماعٍ وزاري في قمة العشرين، قبل أن تُتوّج الأحداث بقمة الزعماء في نوفمبر/تشرين الثاني.
إذ قال وزير الإعلام السعودي تركي الشبانة، على المنصة إلى جوار تونسي خلال حدثٍ في الرياض هذا الأسبوع: "الأضواء مُسلّطةٌ على المملكة. فكيف نستطيع استغلال هذه الفرصة لرواية قصتنا والحديث عنها بطريقةٍ إيجابية؟".
وليست المهمة سهلةً بعد عامين هيمنت عليهما الأخبار حول مقتل الصحفي جمال خاشقجي على العملاء السعوديين، واحتجاز النشطاء، ومزاعم مالك Amazon جيف بيزوس مُؤخراً بأنّ الأمير محمد اخترق هاتفه شخصياً، وهي المزاعم التي أنكرها المسؤولون السعوديون.
تقول دوروثي شميد، رئيسة برنامج تركيا والشرق الأوسط في منظمة Ifri الفرنسية الرائدة: "هناك حوادث خطيرة تُعطي انطباعاً بأنّ البلاد في حالةٍ من الارتباك الداخلي الكامل، ولا تحترم قواعد الكياسة في الدبلوماسية الدولية. وهناك مخاطرةٌ كبيرة تتعلّق بالصورة والمصداقية في قمة العشرين المُنتظرة".
ولم تلق العديد من تلك الحوادث حلاً، إذ ما تزال ناشطة حقوق الإنسان لجين الهذلول تُحاكم بالتزامن مع بقاء الأخريات المُعتقلات بجوارها في مآزق قانونية أو داخل السجن، فضلاً عن أنّ حملة قصف التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن ما تزال مُستمرةً رغم جهود إنهاء الحرب، كما لا يزال الخلاف مع الجارة قطر بدون حل، ولم تعُد العلاقات الدبلوماسية مع كندا منذ النزاع الذي اندلع عام 2018.
وفي غياب أيّ مؤشرات على مقاطعة أي من الحضور لقمة العشرين، كما جرى في الأحداث السابقة التي أُقيمت بالسعودية في أعقاب مقتل خاشقجي، فستشهد القمة بعض حالات الغياب البارزة في عطلة نهاية هذا الأسبوع. فحتى يوم الأربعاء الـ19 من يناير/كانون الثاني، لم تكُن المملكة المتحدة ستُرسل وفداً رفيع المستوى، كما هو الحال مع الصين وروسيا وتركيا. كما لم يكُن مُتوقّعاً حضور مُحافظي البنك المركزي الألماني والهندي، فضلاً عن وزير مالية جنوب إفريقيا.
حُمى تشييد عشرات الفنادق قُبيل القمة
تقول بلومبيرغ: سوف يتمتّع الحضور بنظرةٍ أولية على استثمارات البنية التحتية المُدرجة في مُخطط الأمير الاقتصادي داخل العاصمة الرياض، ويشمل ذلك الحواجز الخرسانية الحمراء والبيضاء التي أغلقت شوارع المدينة بالتزامن مع مُسارعة العُمّال لإنهاء مشروع قطار الأنفاق الضخم.
ويجري حالياً تشييد قرابة الـ60 فندقاً في الرياض فقط، بحسب شركة Lodging Econometrics الأمريكية للاستشارات العقارية. ويُمكن أن تصير ثمانية منها جاهزة بحلول وقت وصول زعماء قمة العشرين في نوفمبر/تشرين الثاني. ورغم أنّ ذلك سيُضيف قرابة الألف وحدةٍ فندقية إلى الـ17 ألف وحدة فندقية موجودة بالفعل، لكن توفير إقامةٍ مُناسبة لكافة الوفود قد يُمثّل تحدّياً؛ إذ خطّطت مدينة أوساكا اليابانية التي استضافت القمة العام الماضي لاستضافة 30 ألف زائر.
وتتوقّع السعودية حضور 10 آلاف شخص تقريباً للقمة الختامية، بحسب تونسي. وإلى جانب فعاليات قمة العشرين، أضاف تونسي أنّ المملكة تُخطّط لاستضافة أكثر من 50 مؤتمراً ومنتدى هذا العام، من شأنها أن تجذب "250 ألف زائر على الأقل".
ومن شأن هذه الطفرة في الإنشاءات أنّ تمنح الاقتصاد السعودي دفعة؛ إذ توقّعت شركة Jadwa Investment السعودية للاستثمارات أنّ قمة العشرين ستُؤدّي إلى نموٍ إضافي بنسبة 0.2% في الاقتصاد غير النفطي هذا العام، مع زيادةٍ في سياحة الأعمال التي تدعم الاستهلاك.
القمع يُهيمن على عناوين الأخبار
كان التركيز مُنصباً على تعزيز القوة الناعمة للمملكة خلال الحدث الذي شهد حديث تونسي، إذ ناقش المسؤولون سُبل تغيير الانطباعات العالمية عن المملكة العربية السعودية، بالتزامن مع توزيع الخدم بالصواني الذهبية لأكواب الشاي الصغيرة.
وقالت فاطمة القرني، عضوة مجلس الشورى الاستشاري: "هذه هي فرصتنا لنُلهم العالم بهويتنا ورؤيتنا"، حسب تعبيرها.
وشهد عهد الأمير محمد تخفيف الحكومة للقيود الاجتماعية برعاية الحفلات المُختلطة بين الجنسين، وإنهاء ممارسةٍ كنت تُلزِم النساء بالحصول على موافقة ولي الأمر الذكر قبل السفر. ويدعم العديد من السعوديين التوجهات الجديدة، ويرفضون الانتقادات لها بوصفها محاولات لتقويض التحوّل، تقول بلومبيرغ.
لكن حملة القمع السياسي المُوازية هي ما هيمنت على عناوين الأخبار العالمية منذ عام 2017، حين قاد الأمير محمد حملة مُكافحة فسادٍ مُثيرةً للجدل، باعتقال العشرات من أقوى رجال المملكة داخل فندق ريتز كارلتون الرياض، وهو نفس موقع عقد قمة العشرين المُنتظرة.
ويرغب المسؤولون السعوديون في تغيير هذه الرواية السائدة؛ إذ أشار تونسي إلى أنّ رئاسة السعوديين لقمة العشرين تتصادف مع فتح أبواب المملكة أمام السياحة. لذا ينوي المسؤولون بسط السجادة الحمراء للضيافة السعودية، وإظهار التغييرات التي تحدث في السعودية أمام الزوار.
وبنهاية الحدث، مرّر المُنظّمون دبابيس مزخرفة بالشعار الجديد، وهو عبارةٌ عن شريطٍ مطوي على شكل نسيجٍ بدوي. وقال وزير الإعلام شبانة: "هذه مُجرّد بداية".