لا تزال التدابير التي تتخذها إسرائيل لصد إطلاق الصواريخ والبالونات المحملة بالمتفجرات من قطاع غزة على مداخلها الجنوبية، محدودة النطاق. تقول صحيفة Haaretz الإسرائيلية إنه لا توجد حالة إعجاب في إسرائيل بالضربات "العقابية" التي يشنها الجيش الإسرائيلي، والتي تستهدف نوعين من الأهداف: مواقع حماس بالقرب من السياج الأمني، التي هوجمت مباشرة بالدبابات عقب وقوع حادث صاروخي، وأهداف البنية التحتية (الأنفاق ومستودعات الأسلحة وما إلى ذلك) التي تزعم إسرائيل أنها تُضرَب خلال غارات "انتقائية" لا يُتوقَّع أن تتسبب في تصعيد التوترات.
وفي الوقت نفسه، فُرِضَت عقوبات اقتصادية محدودة تتمثل في حظر تصدير إسرائيل الأسمنت إلى القطاع، وإلغاء تصاريح الدخول إلى إسرائيل لـ 500 تاجر وعامل، بالإضافة إلى الإجراء الأكثر إيلاماً؛ وهو تخفيض مساحة المنطقة المسموح فيها بالصيد قبالة شاطئ غزة من 24 كيلومتراً إلى 16 كيلومتراً.
نتنياهو يخشى من "ثمن باهظ للغاية"
تقول الصحيفة الإسرائيلية إن الأساس الذي تستند إليه حكومة نتنياهو في اتخاذ كل هذه الخطوات واضح. فلم يبقَ على موعد الانتخابات سوى ثلاثة أسابيع ونصف الأسبوع؛ لذا للوقت الحالي، طالما كانت هناك خسائر قليلة في إسرائيل، فستكون المخاطر المترتبة على تنفيذ عملية عسكرية في قطاع غزة أكثر من الفائدة المحتملة. تقول هآرتس: لقد كان الخيار المفضل لنتنياهو واضحاً منذ سنوات: فهو حذِر للغاية في تعامله مع القطاع وليس متلهفاً على الانخراط في حرب هناك من دون أهداف واضحة، خاصة عندما يكون من المؤكد أنَّ مثل هذا الصراع سيأتي مقابل ثمن باهظ للغاية.
لكن المشكلة هي أنَّ هذه السياسة لا يُصرَّح بها عادةً للجمهور، بما في ذلك المجتمعات الإسرائيلية المتاخمة لغزة، التي تتعرض لحرب نفسية مطولة وتواجه في كثير من الحالات خطراً قاتلاً. ولم يتحدث نتنياهو كثيراً عن الوضع في غزة مؤخراً. أما نفتالي بينيت، الذي تعهد بتغيير السياسات عندما تولى منصب وزير الدفاع، فكان مشغولاً بأول زيارة له إلى البنتاغون -وهي زيارة مهمة بلا شك بحد ذاتها- التي جرت يوم الأربعاء، 5 فبراير/شباط.
"لا مبالاة صارخة"
ويعتبر الكثيرون صمت الحكومة الإسرائيلية بشأن قطاع غزة أنه لا مبالاة صارخة تجاه محنة المواطنين. واستغل رئيس الوزراء هذا الأسبوع فرصة تقديم التهنئة للفائز في برنامج الواقع التلفزيوني "The Next Star" عبر وسائل التواصل الاجتماعي، للتشاحن مع أعضاء حزب "أبيض أزرق" بالإشارة إلى الذكرى الثالثة والعشرين لما يُعرَف باسم "كارثة المروحية" التي قُتِل فيها 73 جندياً إسرائيلياً، وللإعلان عن تعليمات أصدرها للباحثين في المعهد الإسرائيلي للبحوث البيولوجية للمساعدة في العثور على لقاح لفيروس كورونا الجديد.
ولم يجد نتنياهو وقتاً للتعامل مع مسألة قطاع غزة علناً إلا مساء يوم الأربعاء، 5 فبراير/شباط، خلال اجتماع مع رؤساء الحكومات المحلية من الجنوب. ولسبب ما، وفقاً للتقارير، لم يُدعَ للاجتماع سوى الممثلين المرتبطين بحزب الليكود، واستُثني رؤساء المجالس الإقليمية في ما يسمى بمستوطنة غلاف غزة (عوتيف غزة)، التي يميل معظم ناخبيها عادةً نحو تيار الوسط أو اليسار.
الاحتواء مهما كان الثمن
تقول هآرتس: هكذا تظل سياسة نتنياهو تجاه قطاع غزة كما هي: الاحتواء مهما كان الثمن، وهي استراتيجية أخفيت بالتناوب بين استخدام الخطاب العدائي أو الصمت الرهيب أو تدابير اتخذت بالفعل من قبل. لكن لم يمنع ذلك الصحفي وعضو الكنيست السابق عن البيت اليهودي، ينون مغال، أحد كبار مناصري رئيس الوزراء إعلامياً، من مهاجمة مجموعة من معلمي رياض الأطفال الذين، في رأيه، لم يعرضوا ما يكفي من أركان الوطنية خلال حادثة أخيرة.
إذ ظهروا في فيديو انتشر مؤخراً على الشبكات الاجتماعية وهم يصرخون على الأطفال لإخلاء فناء المدرسة بسرعة؛ لأنَّ بالونات حارقة شوهدت في السماء. تقول الصحيفة الإسرائيلية: من المؤسف حقاً أنَّ الأشخاص المقيمين في شارع بلفور -حيث يقع مقر رئاسة الوزراء- هم وحدهم القادرون على الحفاظ على برودة أعصاب مثالية في مثل هذه الحالات. ربما سيجد رئيس الوزراء الوقت في المستقبل لإعطاء بعض الدروس حول هذا الموضوع لسكان الجنوب، حتى لأولئك الذين لم يصوّتوا في الليكود في الانتخابات الأخيرة.