من علي غزلان إلى الزعامة.. كيف تصبح مشهوراً على فيسبوك دون معلم؟

عدد القراءات
1,026
عربي بوست
تم النشر: 2020/02/03 الساعة 12:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/02/03 الساعة 14:43 بتوقيت غرينتش
"الزعامة" عادل شكل

في نهار يوم مشمس بصحراء الجزيرة العربية، الشمس تغطي كل شيء في طريقها، يبدأ أحد الرعاة يومه، في سيرِه يرى مجموعة من النخيل الشامخ، البلح الناضج متناثر أسفله، يجمع ما يكفيه له ولأولاده، ويزيد الغلة لحاجةٍ في نفس يعقوب، ينتهي يومه بخيره وشره، تنفد حصيلته، ولكن يتبقى القليل، يعمد إليه فيصنع منه العجوة، ثم منها يصنع صنماً يتعبد إليه بلا غضاضة، في الصباح يصحو جائعاً، ويكتشف نفاد ما لديه من طعامٍ، ينظر إلى الصنم الجديد، نظرة الجائع لا نظرة العابد، يتلذذ بتناوله، وربما لا ينسى أن يدعو لصنمه أثناء التهامه، على الأغلب كان يدعو له بالرحمة بعدما أصبح نسياً منسياً، لكن ما علاقة علي غزلان وعادل شكل بذلك الراعي؟

نحكي الحكاية من بدايتها، حتى نفهم كيف وصلنا لتلك النهاية المزرية، في السنوات الأخيرة، ومع كل دورة جديدة من معرض الكتاب، نتفاجأ بعناوين كتب لبعض مشاهير منصات التواصل الاجتماعي، وليس علي غزلان أولهم، ولن يكون الأخير بينهم، هو مفاجأة هذ العام، لذلك نتحدث عنه ولكن المقصود الظاهرة كلها وليس هو بعينه، وليس الحديث عن كتابه، لكن محاولة للإجابة عن كيف حوّلنا حدثاً ثقافياً راقياً كمعرض الكتاب لهذا الحال؟! وهل ستشهد السنوات القادمة كتباً لمشاهير الـ "تيك توك"؟!

على مدار الوقت، يظهر مَن يقدم محتوى ما، بكل الأشكال المتعارف عليها، خاصة مع حالة الانفجار اليوتيوبي (نسبة إلى يوتيوب) التي حدثت موخراً، وأصبح الجميع يدلو بدلوه، بلا نظرة لقدراته ولقيمة ما يقدمه، البحث عن الشهرة أمسى أولوية متقدمة لدى الملايين، خاصة مع وصول بعضهم للشهرة فعلاً، مما شجع البقية، فأصبحت الفكرة نفسها "تريند" -إن جاز التعبير- فهو تريند الوصول للتريند، الأزمة ليست بشكل كبير في هؤلاء، من وجهة نظري، بل في كثير ممن يتلقى، نحن وبدون أن ندري نصل بهؤلاء إلى غايتهم المنشودة، حتى بالسخرية والتنمر أحياناً، وليس "عادل شكل" منا ببعيد، والأخير فعلياً يقدم اللاشيء، لكن أصبح ضمن باقة المشاهير العجيبة، نحن من يصنع هؤلاء ودون بلح أو عجوة، ثم نتعجب من وصولهم لمنصات الإعلام والإعلان، نضع أصابعنا على زر "الشير" فيخرج أحدهم نجماً من الجانب الآخر، "الله عليك يا زعامة"، الزعامة أصبح نجماً بسخريتك منه، نحن الراعي يا صديقي، صنعنا من البلح مشاهير، وصنع غيرنا منه رؤساء.

علي غزلان

 ما يعمّق الأزمة هو التفكير الخاطئ في مواجهة تلك الظواهر (المحتوى التافه، كُتَّاب الفيسبوك، البحث عن الشهرة)، الأغلبية تبحث عن الغريب وليس المفيد، مئات الآلاف نشروا وتحدثوا عن كتاب علي غزلان، ومن قبله الكثيرون، ولكن القليل جداً مَن تحدث عن المفيد، عن تلك الكتب التي تغير الإنسان، بل تغير الأمم ذاتها، ربما هذا لعدة أسباب، منها أننا نعمل وفق سياسة الفيسبوك.

الناس يتجمعون على الأشياء الغريبة أكثر من تلك المفيدة، السخرية والتنمر يجذبان الكثيرين عكس النقد البنّاء، وسبب آخر هام هو أن أعداد القراء ليست كبيرة للأسف، خاصة القراء الحقيقيين وليس قراء التريند، فليس بالضرورة كل مَن تناول كتاب علي غزلان بالسخرية قارئاً، ولكنها لعنة التريند يا صديقي، أصبحت معجزة أن يصمت أحدنا عن الإدلاء بدلوه في كل ما يحدث، ربما لو فعل لقام السيد مارك بإلغاء حسابه من فيسبوك.

"ده خريج طب ويوتيوبر يا عم"، هكذا يدافع صديقي عن علي غزلان، وهنا يكمن إشكال كبير، نخلط كثيراً بين الشهرة والنجاح، وبين خطوات ومراحل الحياة الطبيعية، أخبره في البداية أن التخرج في كلية الطب أو غيرها ليس هو قمة النجاح، لكن أن يكون طبيباً مميزاً، يؤدي مهنته الشاقة بإتقان، مثل بقية التخصصات والمهن، وبقية الإشكال هي أننا نتوه في حياتنا فلا نعرف مَن الناجح الحقيقي ومَن الفاشل، صناعة التريند أصبحت تتحكم في ذلك الآن، لو نظرت قليلاً لمنصات التواصل الاجتماعي، ستكتشف أن الناجح الأكبر في مصر هو حسن شاكوش صاحب المقطوعة الخالدة "وتجيني تلاقيني لسّه بخيري"، يتصدر كافة منصات التواصل نهاراً، ويحل ضيفاً على برامج التوك شو ليلاً، ويردد المصريون كلماته طيلة اليوم، أصبحنا نعتبر كل مشهور ناجحاً، بينما الحقيقة أن الكثير من هؤلاء شهرته قائمة على الفشل، أسطورة الخليل الكوميدي تلخص هذا، بينما تغيب عنا فكرة النجاح الجيد، وهو ما يتخطى فكرة الشهرة والأرقام، بل يسمو على تلك الحسابات الصغيرة، فربما ممثل شاب يقدم عملاً مسرحياً به قيمة ورسالة ويحضره أصدقاؤه وأقاربه أنجح من محمد رمضان، وكاتب مبدع لا يعرف أحد عن كتابه أنجح من علي غزلان وأصدقائه ".. فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ.." (سورة الرعد: 17).

أهم ما يميز مشاهير النجاح الزائف هو فرط ثقتهم بأنفسهم، وتصدّرهم للمشهد بلا خوف، على عكس الموهوب الحقيقي، يخاف النقد والسخرية، ينتظر الكمال لعمله، والكمال لا يأتي في الإبداع، فإن كان ثمة استفادة من هؤلاء، فهي تلك، وهذه رسالتي للموهوبين في الأرض، ماذا تنتظر حتى تعبّر لنا عن موهبتك؟

لو انتظرت أن يكتشفك أحد ربما تحتاج سبعة آلاف عامٍ مثل آثار الحضارة الفرعونية، يكفيك سخرية من هؤلاء بلا عمل. الفارس ينزل في الميدان، والميادين كثيرة، ليس ميدان التحرير فقط، فهناك ميادين تحرر الأفكار وتصنع التغيير، وإن فشلنا أن نكون كلنا خالد سعيد فعلى الأقل لا نتحول كلنا إلى "علي غزلان"!

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
بلال فتيان
مدون مصري
مدون مصري
تحميل المزيد