ما سر ذلك تميز ميسي و«الظاهرة» في المراوغة؟

عدد القراءات
13,393
عربي بوست
تم النشر: 2020/01/21 الساعة 15:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/01/21 الساعة 15:08 بتوقيت غرينتش

دوماً، إذا خطر ببالي تساؤل، أبحث جيداً حتى أجد رأي يوهان كرويف في الأمر. تلك المرة كان ما يبقيني يقظاً ليلاً هو التساؤل: لماذا أغلب لاعبي أمريكا الجنوبية وإفريقيا أكثر مهارة من أقرانهم الأوروبيين؟

الأساسيات دوماً هي الأهم، طفولة اللاعب هي من تحدد شخصيته في الملعب، أحد أكثر لاعبي العالم رفعاً لرأسه لرؤية أنحاء الملعب بشكل واسع هو فرانك لامبارد، عندما تم سؤاله عن ذلك الأمر، أجاب فقط بأن السبب وراء ذلك هو أن والده كان يوجهه ويصيح به أثناء اللعب "pictures pictures" ليوضح لولده أهمية التقاط صور لكافة أرجاء الملعب والمساحات أثناء اللعب بدون كرة وقبل تسلمها.

لنعُد إلى سؤالنا الأصلي: ما سر ذلك التميز اللاتيني في المراوغة؟

الإجابة بسيطة، إنها كرة الشوارع، يتحدث يوهان كرويف دائماً عن أهمية كرة الشوارع في تكوين شخصية اللاعب وتنمية خياله، يقول عراب كتالونيا الأول:

"لا شك أن أحد أهم أسباب غياب المهارات والفنيات عند عدد كبير من اللاعبين يتعلق بالمكان الذي تعلم فيه هؤلاء الشباب لعب الكرة، في زمني كان الشارع هو أكثر الأكاديميات شعبية".

ويكمل: "في طفولتي كل من كان يحب كرة القدم يتعلم ركلها في شوارع وميادين الأحياء التي كنا نسكن بها، ولكن الأمر لم يكن يتعلق بنا نحن فقط، بل بالشباب الأكبر سناً، لذا فبعد انتهاء دوام العمل أو الفصول الدراسية كان الجميع يخرج للشارع لممارسة رياضته المفضلة".

إذ "لم يكن الاحتراف قائماً ومنتشراً مثل الوقت الحالي وكان الجميع غالباً يتدرب في نفس الوقت، أنا أتحدث عن زمن آخر، يجب على سبيل المثال إدراك أنني كنت ثاني لاعب محترف لكرة القدم في تاريخ هولندا بعد صديقي بيت كيزر".

"هناك في هذه الشوارع التي تحولت إلى ملاعب تدريب مفتوحة كنا نتعلم كأطفال، كيف؟ برؤية وتقليد الذي كان يفعله من هم أكبر سناً، أنا واثق من أن هذا المشهد كان يتكرر في عدد كبير من المدن في كل الدول وكل القارات".

مهارات الكوباكابانا

"خلال السنوات الماضية حاولنا استعادة روح كرة الشوارع، أتذكر على سبيل المثال، بطولة كرة قدم للأطفال أقمناها في أمستردام بحضور جماهيري كبير، وسط تطلعات كثيرة، وفي الدقيقة الأخيرة لم نجد مرمى بسبب خطأ في التنظيم، لكن لم نتوقف أبداً. خرح أحد الأطفال بفكرة وضع شاحنتي إطفاء بدلاً من المرمى، وهو الأمر الذي خرج بصورة مثالية".

"كم من الأطفال استخدموا الحقائب، حافظات الأقلام بل وحتى سترات التدفئة بل وأيضاً بعض الأحجار الصغيرة للعب الكرة والتسديد على مرمى وهمي؟ هذا الشيء ليس فريداً، لكنه تكرر كثيراً في  كل أنحاء العالم، ويثبت لنا أن كل ما هو ناقص يمكن تعويضه عن طريق الخيال والشغف".

في البرازيل، والأرجنتين، وإفريقيا، قليلة هي الأكاديميات التي تعلم كرة القدم للأطفال، يتعلمونها بأنفسهم في شوارعهم، يعيش كل طفل متعته الخاصة في لعب كرة القدم حيث يراوغ ويمرر ويبحث عن المتعة بأي وسيلة كانت.

لنعُد مرة أخرى إلى أوروبا، قارة العجائب، التكتيك المعقد، البحث الدائم عن المعرفة، أطفالهم دائماً في الأكاديميات، يعلمهم مدربهم ما هو دفاع المنطقة؟ ما هو أساس التحرك ككتلة واحدة؟ كيف يتحرك بشكل مثالي؟ على صعيد العقلية، الأمر مميز، لكن خيال الطفل نفسه غائب، القدرة على الإبداع غائبة.

أسوأ أنواع مدربي الأكاديميات هو المدرب الذي يبحث عن النتيجة لا المستقبل!

لنضرب مثالاً أعمق بالدوري الإيطالي، أحد أفضل دوريات العالم، لكنه من الأضعف على مستوى المراوغات الفردية بين أكبر دوريات القارة، في إيطاليا دوماً يؤمن المدرب بالتمرير كحل فعال، أما المراوغة فهي نوع من العروض لا داعي له.

أحد أفضل أندية إيطاليا حالياً هو فريق أتالانتا "فريق غاسبريني" الذي يدك حصون الفرق الإيطالية دوماً، يسيطر علي كل أرجاء الملعب، لكن لنتذكر أن ذلك الفريق يعتمد بشكل أقرب ما يكون لدفاع رجل لرجل، أو ما يسمى بالـ  zona mista، يدافعون بكل عدوانية وينتشرون بكل أرجاء الملعب، كل لاعب مسؤول عن مطاردة لاعب من لاعبي الخصم.

يتم وضع هذه الاستراتيجية بعد دراسة دقيقة لكل الخصائص الفردية للاعبي الخصم. نجاح غاسبريني مرتبط نوعاً ما بطريقة تدريب الأكاديميات في إيطاليا، يعلمون أطفالهم كل ما هو معقد، وينسى المدرب أهم أساس في كرة القدم المراوغة أو الخيال الإبداعي للطفل، لاعب واحد مراوغ قادر على القضاء على أي تكتيك، كما قال عبقري التدريب بييلسا.

فليحيَ ميسي؛ لأنه مراوغ، فليحيَ الظاهرة؛ لأن كرة القدم بالنسبة له هي الحياة، فليحيَ كل من عاش طفولته باحثاً عن المتعة في الشوارع.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
محمد الزير
طالب بكلية الطب ومدون رياضي
طالب بكلية الطب ومدون رياضي
تحميل المزيد