من المعروف أن عملية إطلاق الصاروخ تتم من رقعة معينة على الأرض اختارها مهندسو الفضاء بدقة لتصل إلى هدف معين في الفضاء.
أي أن هذا الصاروخ ينطلق من كوكب الأرض المتحرك بحركتين -يدور حول نفسه وحول الشمس أيضاً- إلى الهدف المراد وصول الصاروخ إليه والذي يتحرك أيضاً بمدار معين وليس ثابتاً في مكانه؛ وذلك لأن كل الأجسام في الفضاء في حالة حركة مستمرة، فكل جسم يتأثر بجاذبية جسم آخر ويدور حوله بطريقة ما أو بأخرى.
وإطلاق الصاروخ من مكان متحرك لآخر متحرك أيضاً أمر صعب للغاية ويحتاج لحسابات هندسية، لذلك فإن اختيار المكان المناسب لإطلاق المركبات الفضائية أو الصواريخ يتم وفقاً لحسابات دقيقة تعتمد على حركة الأرض والوقت والمكان وحالة الطقس. نستعرض فيما يلي كيف تتحكم هذه العوامل في إطلاق الصاروخ الفضائي:
المواقع المثالية لإطلاق الصواريخ إلى الفضاء
الاستفادة من حركة الأرض لإطلاق الصاروخ
تدور الأرض حول محورها باتجاه الشرق كل 24 ساعةً تقريباً بسرعةٍ تبلغ 1600 كيلومترٍ في الساعة، كما تدور أيضاً حول الشمس كل 365 يوماً بسرعةٍ تبلغ 108 آلاف كيلومتر في الساعة تقريباً.
استغل العلماء هذا الأمر لإضافة قوة دفع إضافية للصاروخ المتجه للفضاء، لذلك قاموا بإطلاق الصاروخ باتجاه الشرق، ما يضيف للصاروخ قوة دفعٍ ناتجةً عن حركة الأرض حول نفسها باتجاه الشرق كذلك سيعطي إطلاق الصاروخ في نفس اتجاه حركة الأرض حول الشمس قوةً إضافيةً أيضاً تساعده على الانفلات من الجاذبية الأرضية بفاعلية أكبر.
توقيت إطلاق الصاروخ الفضائي ليس عشوائياً
يختلف موقع الأرض بالنسبة إلى الشمس من وقتٍ إلى آخر خلال السنة أثناء دورانها حول الشمس، لذلك يختار مهندسو الفضاء التوقيت المناسب من العام والذي تكون به الأرض في أقرب مكان لها من الهدف المراد الوصول إليه.
كلما كانت قاعدة الإطلاق أقرب إلى خط الاستواء ازدادت فاعليتها
كلما اقترب موقع الصاروخ الفضائي من خط الاستواء زادت كمية السرعة التي يتلقاها. هذا يقلل من كمية الطاقة اللازمة للوصول إلى الفضاء ويعني أن هناك حاجةً إلى وقود أقل. ويحدث ذلك لأسبابٍ فيزيائية، فسرعة دوران الأرض حول نفسها تقلّ كلما اتجهنا نحو القطبين لأن دوائر العرض يتناقص محيطها، لتصبح صفر عند نقطة القطب.
وهذا ما دفع الباحثين إلى اختيار مواقع قريبةٍ من المناطق الاستوائية للاستفادة القصوى من سرعة دوران الأرض حول نفسها.
تقوم وكالة الفضاء الأوروبية بإطلاق الصواريخ الفضائية من مركز جويانا للفضاء وهو مركز فضائي فرنسي بالقرب من كورو في غويانا الفرنسية على ساحل المحيط الأطلسي بأمريكا الجنوبية التي تقع على بعد 5 درجات شمال خط الاستواء.
وتبحر المنصة العائمة لإطلاق الصواريخ "Sea Launch" على بعد حوالي 5000 كيلومتر من لونغ بيتش في لوس أنجلوس، حيث يتم تجميع الصواريخ، إلى موقع يقع بالفعل على خط الاستواء حيث تحدث الإطلاقات.
لماذا كازاخستان وغويانا الفرنسية؟
يشرح العالم الفلكي روجر لونيس في مقالةٍ مع مجلة ساينتفيك أمريكان سر اختيار الولايات المتحدة لجزيرة متقلبة الأجواء لانطلاق الصاروخ الفضائي (مركز كينيدي للفضاء على جزيرة ميريت، شرق فلوريدا): "اختارت الولايات المتحدة هذه الجزيرة لأسباب عدة أهمها قربها من خط الاستواء وبعدها عن التجمعات السكانية حتى لا يتأذى أحد في حال حصول خلل في إطلاق المكوك (مكانٍ منعزلٍ)، كما أن الإطلاق يتم في الساحل الشرقي للاستفادة من سرعة دوران الأرض حول نفسها. الأمر الذي يوفر الطاقة والجهد والنفقات.
ولا أعتقد أن "ناسا" تخطط لتغيير هذا المكان في المستقبل القريب. الأمر الذي يكلف الوقت والجهد والمال. بالنسبة لروسيا فهي تملك الصواريخ الأكبر حجماً، لذلك فهي تحتاج إلى قوة دفعٍ أكبر لتتمكن من الإفلات من الجاذبية الأرضية، ويفترض أن يكون اختيارها لموقع إطلاق الصواريخ في كازاخستان أفضل لأنه أقرب لخط الاستواء. كذلك اعتقد أن الاتحاد السوفييتي أراد بقاء الأمر سرياً حينما شرع في بناء المحطة. وقد استطاعوا بالفعل الإبقاء على الموضوع سرياً حتى اكتشفت الولايات المتحدة الأمر عن طريق الأقمار الصناعية.
أيضاً هذا يجعل موقع إقلاع الصواريخ كورو Kourou بغينيا الفرنسية والتابع لوكالة الفضاء الأوروبية أفضل من موقع بايكنور Baïkonour الروسي في كازاخستان.
فموقع كورو يقع على بعد خمس درجات فقط شمال خطّ الاستواء وله سرعة دوران تقدّر بـ 1670 متراً في الساعة، في حين أن موقع بايكنور يبعد عن خط الاستواء بـ 45 درجة وبسرعة دوران 1160 متراً في الساعة.
موقع قواعد الفضاء وما يحيط بها
لا يجب أن ننسى أن خزانات الصاروخ تحمل عدة مئات من الأطنان من الوقود النفاث، والتي عند الاحتراق بدورها تولّد في بضع دقائق تفاعلاً كيميائياً انفجارياً هائلاً، لذلك ولأسباب أمنية (وبسبب الضوضاء أيضاً) من الأفضل تجنب تثبيت محطات الإقلاع بالقرب من المناطق المكتظة بالسكان.
كذلك يجب الحذر من الحطام الذي يمكن أن يسقط على الأرض، فباستثناء بعض شركات الفضاء ك SPACE X و BLUE ORIGIN التي تعمل على التخلّص من الطابق الأول من صواريخها بعد إقلاعها، فإن مختلف طوابق الصواريخ تسقط على الأرض بعد إنجاز مهماتها.
وفي هذه النقطة أيضاً تمتاز محطة كورو التي تطلق صواريخها فوق المحيط. في حين أنه في روسيا أو الصين تسقط طوابق الصواريخ في المناطق الصحراوية التي من الممكن أن تقع فيها حوادث إذا ما أصبحت مأهولة تدريجياً.
كما أن القاعدة التي حولها منطقة صحراوية شاسعة تكون قادرة على قذف صواريخها باتجاه الشرق (لبلوغ المدار الجغرافي الثابت)، أو إلى الشمال للوصول إلى مدار قطبي.
هكذا كلما كانت قاعدة الإطلاق أقرب من خط الاستواء استفاد الصاروخ أثناء إقلاعه أكثر من السرعة الإضافية من دوران الأرض، وهو ما يسمح بوضع حمولة أثقل لكمية الوقود نفسها.