التقى رئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج، أمس الإثنين، في الجزائر، الرئيس الجديد عبدالمجيد تبون، وتباحث معه تطورات الأزمة الليبية وتداعياتها على المنطقة.. زيارة السراج تزامنت وزيارة رئيس الدبلوماسية التركية مولود تشاويش أوغلو تزامناً لا يبدو أنه وليد الصدفة.
زيارة تأخر موعدها لكن أن تتأخر أحسن من ألا تأتي أبداً، فالسراج يتوجه لجارته الكبرى سعياً للحصول على الدعم الكامل والعلني لحكومته وجهودها لمواجهة عدوان ميليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على العاصمة طرابلس بدعم معلن مصري إماراتي.. حكومة الوفاق تحمّل هاتين الدولتين مسؤولية إراقة الدماء الليبية، وتتطلع لدور جزائري إيجابي لردع تدخلات القاهرة وأبوظبي. وتطمح لتجنيب البلاد حمام دماء يحولها إلى سوريا مغاربية.
وصول تشاويش أوغلو إلى الجزائر في اليوم نفسه مع الرئيس الليبي يدفع للاعتقاد بأن دراسة الملف الليبي ستكون ثلاثية الأطراف بعد حديث متواتر عن رفض جزائري سابق استقبال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد زيارته الأخيرة إلى ليبيا وتونس.
يأتي لقاء رئيس حكومة الوفاق الليبية مع الرئيس الجزائري المنتخب الجديد عبدالمجيد تبون في ظل احتجاجات التغيير في الجزائر ومحاولة السلطة السياسية هناك الصمود في وجه الحراك، ولكن هل يمكن أن يكون الحل اليوم من الجزائر؟ هل يمكن أن يترجم رفض الجزائر أي تدخل أجنبي في ليبيا لاقتراح حل ينهي الصراع؟
الجزائر التي تعي جيداً أن طبول الحرب تقرع على أحد بوابات إفريقيا، ربما تنتظر ليبيا مصيراً مجهولاً يسوده الدم من أجل استغلال ثروات البلاد ومكانتها الاستراتيجية.. لذلك فالجزائر أكبر دولة في منطقة شمال إفريقيا يهمها استقرار ليبيا بالأساس لأن الطوفان لو حل فسيكون وبالاً على الكل دون استثناء.
الوقت، حسب كثير من المحللين، مازال سانحاً لتجاوز الأزمة وتحكيم خطاب المنطق عوض السلاح والصراع أو تدخل قوى إقليمية لإنهاء الجدل الحاصل واقتراح توافق يجمع كل الأطراف.
منذ الثورة الليبية في فبراير 2012 كان السؤال: لماذا ثار الليبيون على القذافي؟
هل هو بنفس جحد وظلم الرئيس التونسي والمصري والسوري؟
كنا دائماً نقول إن القذافي منح لليبيين حياة مرفهة رغم غياب أسس الدولة المدنية التي تضمن الحرية والمساواة وتعلي مكانة الثقافة والتعليم.
لكن بما أن الأشقاء الليبيين أرادوها ثورة على نظام يرفضونه فلا يحق لأحد أن يقول لهم لا.
لكن منذ الثورة لم ينجحوا لليوم في فرض نظام هم يختارونه رغم قرار الأمم المتحدة بتشكيل حكومة توافقية تسيّر دواليب الدولة وترسم خارطة سياسية للبلاد.. اللواء المتقاعد خليفة حفتر المدعوم إقليمياً ودولياً ظل عقبة كأداء تمنع حلحلة الأزمة في ليبيا وتعطل مساعي الأمم المتحدة.
وسط مشهد سياسي مفتت ومفكك، تحاول حكومة الوفاق الليبية المنبثقة عن اتفاق الصخيرات في ديسمبر 2015، بزعامة فايز السراج الوقوف رغم ضربات حفتر وتخلي المجتمع الدولي عنها بصمته على تجاوزات قوات حفتر وداعميه القادمين من الإمارات ومصر.
لكن الاتفاق التركي الليبي الأخير الذي أجج الوضع أكثر مكن حكومة السراج من التحرك في الساحة بأريحية أكثر وحرك السواكن وأجبر المجتمع الدولي على الاهتمام بالأزمة ليس من أجل سلامة الليبيين الابرياء بل من أجل مصالح دول أصبحت مهددة وانزعاجهم من الطموح التركي المتزايد في المنطقة.
هذا الاتفاق الذي كشف أن بعض القوى في المنطقة ربما تقبل بتواجد الشيطان في المنطقة ولكن تركيا لا.. هذه القوى نفسها قبلت بالتدخل المصري والإماراتي ورفضته مع ليبيا. قبلت بتدخل شركة أمنية استخباراتية روسية وهي شركة -فاغنر- ولكن رفضت أن تتواجد دولة كتركيا في الإقليم.
لكن مع كل هذا تعتبر تركيا تدخلها شرعياً وفق اتفاقيات دولية بين البلدين وبناء على طلب من حكومة السراج وبموافقة برلمانها على مذكرات التفاهم لذلك فإنها لا تكترث بما يحاك.
ليبيا بلد مغر لكل عدو ولكل طموح.. يغيب صوت التعقل والمنطق على قادته، لكنهم هم من عليهم اليوم إيجاد حل لأزمتهم وإلا فسيجبر الليبيون على التعامل مع قوى أجنبية تختلف نواياهم وأهدافهم.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.