تواصل ألسنة اللهب التهام الأخضر واليابس في جنوب شرق أستراليا دون مؤشرات على تراجع حرائق الغابات التي اندلعت منذ سبتمبر/أيلول الماضي، فما أسباب تلك الموجة من الحرائق؟ وكيف يمكن أن تتصدى لها السلطات؟ وكيف تم تجاهل تقرير يحذر من الكارثة قبل 12 عاما؟
متى ولماذا اندلعت الحرائق؟
قارة أستراليا تضم غابات إستوائية في الشمال وأجواء مدارية أكثر في الجنوب وصحاري في المنتصف، كما أنها تتوسط المحيط الهادي والمحيط الهندي، ما يجعل التقلبات المناخية على الجزيرة العملاقة عنيفة وصعب توقعها، هذا بشكل عام.
حرائق الغابات في فصل الصيف ليست حدثاً استثنائياً فهي تقع كل عام تقريباً، لكن ما تشهده أستراليا منذ سبتمبر/أيلول الماضي عندما اندلعت تلك الموجة المدمرة من الحرائق حدث غير مسبوق على الإطلاق، يرجعه علماء الطقس للارتفاعات القياسية في درجات الحرارة، حيث بلغت 40 درجة مئوية على الشواطئ و45 على اليابسة.
درجات الحرارة الأعلى على الإطلاق في تاريخ أستراليا، مصحوبة برياح قوية بلغت أحياناً 100 كلم في الساعة، جعلت الانتشار السريع للحرائق يسبق جهود الإطفاء المستمرة، واضطرت الحكومة هذا الأسبوع لإخلاء مدن بأكملها وإعلان حالة الطوارئ في ولاية نيو ساوث ويلز بجنوب شرق أستراليا.
هل هناك خسائر في الأرواح؟
حتى اليوم الإثنين 6 يناير/كانون الثاني فقد 20 شخصاً حياتهم وهناك أنباء عن وجود نحو 18 شخصاً مفقودين، وقد فر عشرات الآلاف الناس من البلدات الواقعة على الساحل الشرقي مع اقتراب حرائق الغابات بينما بدأت السفن وطائرات الهليكوبتر العسكرية إنقاذ الآلاف المحاصرين بسبب الحرائق.
وبلغ عدد الحرائق المستعرة في ولايتي نيو ساوث ويلز وفيكتوريا في الجنوب الشرقي أكثر من 200 حريق، وبحسب مكتب الأرصاد الوطني جاءت موجة حارة أخرى من الغرب السبت الماضي 4 يناير/كانون الثاني ما أدى لارتفاعات قياسية في درجات الحرارة وزاد من احتمالات اشتعال المزيد من الحرائق وانتشار التهديد لعدة مدن أخرى.
كما هلك أكثر من 480 مليون حيوان بسبب تلك الحرائق، بحسب تقرير لموقع فوكس الأمريكي، وتم تدمير أكثر من 900 منزل وإحراق أكثر من 14.8 مليون هكتار من الأرض الخضراء، وتحول لون السماء فوق سيدني العاصمة إلى اللون البرتقالي وأصبح الهواء ملوثاً بصورة خطيرة تعادل تدخين 37 سيجارة يومياً.
هل للتغير المناخي علاقة بتلك الحرائق؟
موجة الحرارة القياسية التي تشهدها أستراليا هذا الصيف (فصل الصيف في أستراليا ذروته ديسمبر ويناير) ليست مجرد تقلباً عابراً أو مفاجئاً، حيث إن الأنماط الفريدة في الأمطار ودرجات الحرارة والرياح كلها أمور حذر العلماء هناك من أنها ستؤدي إلى ما يحدث قبل أن يحدث فعلاً.
لكن قضية التغير المناخي في قلب الجدال السياسي في أستراليا، ورئيس الوزراء الحالي سكوت موريسون يرفض التزام بلاده بالمعاهدات الدولية بشأن الانبعاثات الحرارية – شأنه شأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب – بسبب التنجيم عن الفحم وهي صناعة قوية ونافذة في القارة.
وقد تعرض موريسون بالفعل لغضب من بعض المتضررين من الحرائق، حيث رفض أحد رجال الإطفاء مصافحته، كما رفضت أيضاً امرأة أن تصافحه وعندما نشرت محطة إس بي إس المقاطع على تويتر، جاءت جميع التعليقات تقريبا منتقدة لموريسون.
هل تجاهل موريسون تقريراً عمره 12 عاماً يحذر من الكارثة؟
الانتقادات العنيفة التي تعرض لها موريسون جاءت بسبب قضائه إجازة عائلية في هاواي في بداية اشتعال الحرائق، وأيضاً رفضه الربط بين التغير المناخي وتلك الحرائق، ويرى منتقدوه أن ذلك تسبب في تباطؤ حكومته في التعامل مع الكارثة بما يتناسب وحجمها ما أدى لكل تلك الخسائر في الأرواح والممتلكات.
لذلك أعلن موريسون السبت الماضي أنه لأول مرة في التاريخ الأسترالي، سيتم نشر 3000 من جنود الاحتياط بالجيش والبحرية والقوات الجوية في المعركة ضد الحرائق، كما خصص 14 مليون دولار لاستئجار طائرات إطفاء حرائق من الخارج.
لكن تقريراً مناخياً يرجع قبل 12 عاماً، أعيد نشره اليوم الثلاثاء 6، ربما يضع موريسون وحكومته تحت مزيد من الضغوط، حيث نشر موقع إس بي إس الأسترالي التقرير الذي أعده خبير الاقتصاد روس غارناوت عام 2008، محذراً فيه من كارثة الحرائق الجارية حالياً وكأنها نبوءة تحققت بحذافيرها.
التقرير الذي نشره الموقع بعنوان: "كيف حذرت دراسة عن التغير المناخي قبل 12 عاماً من كارثة حرائق اليوم"، أعده غارناوت بشكل مستقل وحذر فيه من انعكاسات التغير المناخي على الاقتصاد الأسترالي وكيف أن موسم حرائق الغابات في عام 2020 سيكون الأسوأ على الإطلاق، وهو ما حدث ويحدث بالفعل.