نعم تقود السيارة الآن، لكن من يساعد المرأة السعودية على تخطي نظرة المجتمع وتردد العائلات المحافظة واحتمالات التعامل مع ضابط المرور؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/25 الساعة 13:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/25 الساعة 13:07 بتوقيت غرينتش
Bahraini woman Eman Mohammed takes a selfie with her phone as she celebrates with Saudi and Bahraini women the lifting of the driving ban on women, in east Saudi Arabia, June 24, 2018. REUTERS/Hamad I Mohammed

أدمغة النساء أصغر من الرجال ولا تستطيع التعامل مع المعلومات المعقدة.

كما أنَّ الجلوس خلف عجلة قيادة السيارة قد يسبب مشكلات للجنين إذا كانت المرأة حامل؟.

على مدار عقود كانت مثل هذه الأفكار تتردد في المملكة العربية السعودية وتدرس بالمدارس والمساجد التي تديرها الحكومة، حسب تقرير صحيفة The New York Times الأميركية.

ثم فجأة عكست الحكومة مسارها؟، فهل يتوقع أن يستجيب الناس ببساطة ويتخلوا عما تلقنوه لمدة 40 عاماً.

مازال عليهم التأقلم مع الواقع الجديد

أعلن ولي العهد السعودي قبل تسعة أشهر أنَّه سيمنح المرأة الحق القانوني في قيادة السيارة.

لكن لا يزال العديد من السعوديين يحاولون التعامل مع واقعهم الجديد الذي بدأ يوم الأحد 24 يونيو/حزيران 2018، أول يوم تغير فيه ما كان أحد أكثر المحظورات المقدسة في النظام السعودي الملكي المطلق.

من غير الواضح كم عدد النساء السعوديات اللاتي خرجن إلى الشوارع للاحتفال بحرياتهن الجديدة، إذ أعلنت الحكومة حصول مئات السعوديات على تراخيصهن بحلول يوم الأحد.

وتسببت التأخيرات البيروقراطية في حرمان عشرات آلاف أخريات من الحصول على تصاريحهن في الموعد للاحتفال في هذا اليوم التاريخي.

وحتى العائلات الأكثر تحرراً قلقة

لا يزال الكثيرون في هذه الدولة البالغ عدد سكانها 33 مليون نسمة يعانون من القلق إزاء هذه الحرية الجديدة، سواء بين أولئك الذين يؤمنون بإخلاص بما تعلموه منذ الطفولة بشأن قصور النساء أو حتى داخل العائلات التي لم تؤمن أبداً بالقالب النمطي القائل بأنَّ النساء يجب أن ينزوين في المنزل.

هذا القلق النفسي موجود إلى حد كبير في عائلات الطبقة فوق المتوسطة، حيث ذهبت الشابات إلى الخارج للدراسة واغتنمن فرص العمل التي تُعتبر أمراً جديداً نسبياً في المملكة.

ولذا فإنه من اللافت على الرغم من كل هذه الضجة، فإن العديد من الشابات في الرياض وجدة، أكبر مدينتين في البلاد، لا يخططن لبدء قيادة السيارة، على الرغم من حصولهن على تراخيص من الولايات المتحدة أو الدول الأخرى التي عشن ودرسن فيها.

إنَّ الرسالة التي يسمعنها يوماً بعد يوم في المدرسة هي أنَّ الفتيات مثل الحلوى؛ يجب تغليفها لحماية حلاوتها. السماح بتواجد النساء في الشوارع، ناهيك عن التواجد مع رجال غرباء، يعني إزالة مفهوم طبقة الحماية الراسخة في عقول كلا الجنسين.

ولا أحد يعرف كيف يتصرف الضابط مع امرأة مخالِفة

لذا ليس من المفاجئ أن يتشارك الشباب القلق مع آبائهم: ماذا سيحدث إذا قام ضابط شرطة بتوقيف سائقة شابة؟ هل ستتعرض للمضايقات أو التحرش أو لشيء أسوأ؟

قالت نورا، وهي طالبة تدرس الكيمياء بالرياض تبلغ من العمر 20 عاماً: "لا أريد صنع التاريخ كأول شخص في السعودية يتعرض لهذا".

وأضافت: "عقلية الرجال هنا محدودة للغاية. أعني، فكر كيف جرى تعليمهم على مدى فترة طويلة".

كما أن هناك أسباباً فنية ومالية تنفر النساء من القيادة

وهناك أيضاً أسباب عملية لعدم بدء القيادة على الفور.

ففي جدة، وهي مدينة ساحلية على البحر الأحمر تنتشر فيها الحفر والمجاري بشكل كبير لدرجة جعلتها موضوعاً للنكات الوطنية.

وقالت مجموعة من الصديقات في العشرينيات من عمرهن، واللاتي يسافرن إلى الخارج ويعتبرن أنفسهن ليبراليات سياسياً، سيكون التنقل في هذه الطرق السيئة يومياً مهمة روتينية شاقة بدنياً.

على الجانب الآخر، تقول العائلات على الطرف الآخر من الطيف الاجتماعي والاقتصادي- تلك العائلات التي تكافح من أجل تغطية نفقاتها- إنَّ خيار القيادة ما زال بعيد المنال لأنهم لا يستطيعون تحمل تكاليفه.

قال مسلم الفالح، وهو رجل عاطل عن العمل يبلغ من العمر 22 عاماً، قضى مع ابن عمه الوقت بعد ظهر يوم السبت 23 يونيو/حزيران في مركز تجاري في الرياض، إنَّه لن تبدأ أي امرأة في دائرة عائلته المباشرة بقيادة السيارة.

جاءت عائلة الفالح إلى العاصمة قبل جيل من قريتهم، الخرمة، حيث كانوا يقتاتون من الأرض. وكما هو الحال في أي مجتمع زراعي، كان التعاون ضرورياً للحياة اليومية. اضطرت المرأة للخروج للضرورة، وكان ضباط الشرطة المحليون، (الذين كانوا أبناء عمومتهم أو نسبائهم)، يشيحون بصرهم لتجنب رؤية النساء.

في حياتهم الحالية في العاصمة السعودية، حيث المال شحيح ووقت الفراغ نادر، لا يوجد منطق كبير في السماح للنساء في عائلته بالقيادة. يتكلف تعليم القيادة، الذي هو أمرٌ ضروري قبل الحصول على رخصة قيادة، ما يقرب من 3000 ريال، أي حوالي 800 دولار، وهو متوسط ​​راتب معلّم مبتدئ.

سأل فالح: "من لديه هذا المال؟".

المحافظون يقبلون القرار ولكنهم سيحرمون نساءهم من القيادة

نشأ الجيل السعودي الحالي في وقت قام فيه الحكام السابقون بتمكين رجال الدين الذين درسوا التيار الإسلامي المتشدد المعروف باسم الوهابية، والذي لا يُمارس على نطاق واسع في البلدان العربية أو الإسلامية الأخرى، حسب وصف الصحيفة الأميركية.

وفي حين كانت هذه البلدان قد قبلت منذ فترة طويلة وجود النساء في أدوار بارزة في مجال السياسة والأعمال والمجتمع، لم يفعل العديد من السعوديين ذلك.

كما أنَّ الاعتقاد بوجوب قيام المواطنين السعوديين بتقديم فروض الولاء والطاعة المطلقة لحاكمهم دون مراجعة أو تشكيك في سلطته هو جانب آخر لهذا التيار الإسلامي المتشدد.

يعتمد الحاكم السعودي وابنه، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، على هذه العقلية للمساعدة في تحفيز دعم وقبول مراسيمهما الجديدة على الرغم من انفصالها الجذري عن قوانين الماضي القريب.

 وتشمل التغييرات الأخرى، التي اُدخلت في العام الماضي، الحق في إقامة الحفلات الموسيقية علناً وإلغاء الفصل بين الجنسين في الأحداث الرياضية والأماكن الترفيهية.

وقال عبد الله، وهو سائق سيارة أجرة في الرياض، يرتدي الثوب الخليجي الأبيض الطويل وعقال الرأس الذي يفضله المحافظون المتدينون، إنَّه سيقبل القانون الجديد الذي يسمح للنساء بقيادة السيارة لأنه صادرٌ عن الملك. لكنه أكدًّ أنَّه لن يمنح الإذن لنساء عائلته بقيادة السيارة، ولا هن سيردن منه ذلك.

وقال: "سأطيع ما تقوله حكومتنا". وأضاف: "أنا سعيد للآخرين أن أصبح لديهم هذا الخيار. لكن حياتنا كانت على ما يرام كما كانت في السابق".

 

 

تحميل المزيد