أفقدت المظاهرات الضخمة والاحتجاجات العارمة على قانون الجنسية، الذي يرى فيه كثيرون تمييزاً ضد المسلمين في الهند، رئيس الوزراء ناريندرا مودي توازنه، وجعلت حزبه الهندوسي القومي يهرول لإخماد النار وإطفاء الغضب.
وفي أكبر تحد يواجهه مودي منذ توليه المنصب في 2014، احتشد مئات الآلاف لإبداء اعتراضهم على القانون الذي يمنح الجنسية للمهاجرين من الأقليات غير المسلمة الذين فروا من أفغانستان وبنغلاديش وباكستان.
ولقي 21 شخصاً على الأقل حتفهم في الاشتباكات مع الشرطة.
قرار اتخذ بعيداً عن باقي أعضاء الحزب
وقال بعض أعضاء حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم لرويترز إنهم فوجئوا برد الفعل العنيف.
وقالت المصادر إنهم يتلمسون السبل ويجرون الاتصالات حالياً مع الحلفاء والخصوم، الذين نحّوهم جانباً عند إقرار مشروع القانون في وقت سابق من الشهر، طلباً للمساعدة في نزع فتيل الأزمة.
وقال سانجيف باليان، وهو عضو في البرلمان من الحزب الحاكم ووزير دولة في مجلس الوزراء، لرويترز: "في الحقيقة لم أكن أتوقع الاحتجاجات.. لست أنا الوحيد.. فالأعضاء الآخرون في حزب بهاراتيا جاناتا لم يتوقعوا أيضاً مثل هذا الغضب".
وعلى الرغم من عدم وجود خطر يهدد أغلبيته الكبيرة في البرلمان، إلا أن صورة مودي (69 عاماً)، كرجل ذي رؤية استراتيجية ثاقبة يشعر بنبض الشعب، تعرضت لضربة قاسية.
وفي العلن، تعطي حكومته الأولوية للتنمية والسعي إلى جعل الهند اقتصاداً بقيمة 5 تريليونات دولار بحلول عام 2025.
لكن برنامج مودي الضخم المؤيد للهندوس تراجع كثيراً أيضاً في دولة يمثل الهندوس نسبة تفوق 80% من سكانها وفاز فيها مودي بالانتخابات الوطنية المتعاقبة بأغلبية ساحقة.
وسكب الاستياء من الحكومة وأجندة الأكثرية التي تنتهجها، بدلاً من معالجة التباطؤ الاقتصادي وزيادة البطالة، المزيد من الوقود على نار الغضب من قانون الجنسية.
المدن المحبطة
وقال ثلاثة أعضاء آخرين في البرلمان من حزب بهاراتيا جاناتا ووزيران اتحاديان، تحدثوا لرويترز طالبين عدم الكشف عن هويتهم، إنهم يحشدون أنصار الحزب من جميع الطبقات والفئات لبدء حوارات مجتمعية وتبديد الاستياء من القانون.
وأضافوا أنهم كانوا يتحسبون لبعض الغضب من المسلمين، لكنهم لم يتصوروا خروج الاحتجاجات الواسعة التي تهز معظم المدن الكبرى منذ ما يقرب من أسبوعين.
وقال أحد الوزيرين، في إشارة واضحة إلى عدم التشاور مع الحلفاء وأحزاب المعارضة: "أعتقد أن الحسابات السياسية لما بعد صدور هذا القانون لم تؤخذ في الاعتبار".
وفي دولة ذات تاريخ من العنف الطائفي، تخشى الأقلية المسلمة من أن القانون الجديد ونظاماً مزمعاً للتسجيل من أجل إثبات النسب قد يجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية.
وخرج طلاب وسياسيون ونشطاء حقوقيون من المسلمين والهندوس إلى الشوارع قائلين إن مودي يعرض الدستور العلماني للخطر.
وتنفي الحكومة أن تسجيل الجنسية وشيك وتقول إنه لن يطرأ تغيير على وضع المواطنين الحاليين.
وكرّر وزير الداخلية الهندي أميت شاه، الذي يُنظر له على نطاق واسع باعتباره ثاني أقوى رجل في البلاد، في مقابلة تلفزيونية الثلاثاء أنه ليس هناك ما يُثير قلق المسلمين.
وأضاف الوزير الاتحادي الآخر: "كلنا في وضع سيئ للغاية"، مردفاً أن حزب بهاراتيا جاناتا وحلفاءه من الهندوس المتشددين دشنوا حملة لتوضيح أن القانون ليس تمييزياً.
كما أطلقت حركة راشتريا سوايامسيفاك سانغ، الأب الأيديولوجي لحزب بهاراتيا جاناتا الحاكم في الهند، تحركاً في الأحياء الفقيرة لمكافحة المعارضة لمشروع القانون.
وقال مانموهان فيديا، القيادي الكبير في الحركة لرويترز: "الاحتجاجات العنيفة ليس سببها عدم إبلاغ الناس بشكل مناسب بشأن القانون الجديد لكن لأنهم تلقوا معلومات خاطئة من قوى لها مصالح خاصة".
"أسلوب استبدادي"
يقول محللون إن أسباب استياء مختلفة تجمعت معاً.
قال سانجاي كومار، مدير مركز دراسات المجتمعات النامية، وهو معهد أبحاث: "واضح أن الناس يحتجون على القانون ويعبرون عن غضبهم أيضاً على أسلوب مودي الاستبدادي في القيادة".
"الأزمة الاقتصادية تقدم حافزاً آخر.. لا أرى أن هذه الاحتجاجات ستتلاشى قريباً جداً".
وكان مودي، وهو سياسي مخضرم وابن بائع شاي، قد وعد عندما وصل إلى السلطة قبل خمسة أعوام ونصف بأن يحقق النمو ويوفر فرص عمل ويطور البلاد. لكنه تعرض لانتقادات لقيامه بإصلاح ضريبي عشوائي وصدمة وقف تداول العملات الورقية ذات القيمة العالية في فترة ولايته الأولى، الأمر الذي ساهم في حدوث تباطؤ اقتصادي، إضافة لعدم التسامح مع المعارضة وتجاهله لجرائم الكراهية ضد المسلمين.
ومع ذلك أُعيد انتخابه بأغلبية أقوى أوائل العام الحالي بعد رد قوي على مواجهة أمنية مع باكستان، العدو القديم للهند.
وفي أغسطس/آب ألغت حكومة مودي الوضع الخاص لإقليم جامو وكشمير في مسعى لدمج منطقتها الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة مع بقية أجزاء البلاد.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني قضت المحكمة العليا بأنه يمكن بناء معبد هندوسي في موقع هدم فيه غوغاء من الهندوس المتشددين عام 1992 مسجد بابري الذي كان مقاماً عليه منذ القرن السادس عشر مثيرين نزاعاً مريراً في الهند. ورحبت الحكومة بقرار المحكمة.
وقال غانشيام تيواري، وهو طالب كان يشارك في احتجاج بمدينة لوكناو الأسبوع الماضي: "أشعر بأنهم لا يستطيعون توفير وظائف وبالتالي يصدرون مثل هذا القانون المزعج".
وأيَد حزب المؤتمر المعارض الاحتجاجات. وكان حزب المؤتمر يهيمن على السياسة في الهند لأكثر من 72 عاماً منذ الاستقلال قبل أن يتعرض لهزيمة مدوية في آخر مرتين أُجريت فيهما انتخابات عامة بالبلاد. وقال الحزب إن هناك انفصالاً بين الهند العلمانية وجدول الأعمال المتشدد الهندوسي لمودي.
وقال بريثفيراج تشافان القيادي الكبير في حزب المؤتمر لرويترز: "لأول مرة في تاريخ الهند يُسن قانون على أساس ديني. استراتيجية الحزب الحاكم لجعل الهند أمة هندوسية أولا تأتي بنتائج عكسية".