يتابع المغاربة الكرة الهولندية باهتمام كبير، وخاصة نادي أياكس أمستردام الذي يضم بين صفوفه 3 لاعبين من أبناء البلد، ونعني بهم نصير مزراوي ومتوسطي الميدان حكيم زياش وزكريا لبيض. لكن المباراة الأخيرة لأياكس في مسابقة كأس هولندا لكرة القدم كانت فرصة لاكتشاف مهاجم مغربي جديد ليس معروفاً لدى عامة الجماهير، ولا حتى لدى العديد من الملاحظين والنقاد الرياضيين.
وقد يصبح هذا "الاكتشاف الجديد" في المستقبل القريب لاعباً دولياً ضمن منتخب "أسود الأطلس"، وهو الذي كان، قبل الصيف الماضي فقط، لاعباً مغموراً ضمن ناد هاو من الدرجة الرابعة للدوري الهولندي، وكان قبل 4 سنوات ينشط في دوري الدرجة الثامنة.
لاعبنا هو رضا خرشوش الذي واجه، الأسبوع الماضي، رفقة فريقه "تلاستار"، نادي أياكس أمستردام، لحساب الدور السادس عشر لكأس هولندا لكرة القدم، وانتهت المباراة بفوز حامل اللقب بنتيجة أربعة أهداف لثلاثة، سجل منها رضا هدفاً واحداً في الدقيقة الـ88.
خرشوش، البالغ من العمر 24 عاماً، ينشط حالياً في دوري الدرجة الثانية الهولندية، بعدما انضم في يوليو/تموز الماضي لنادي تلاستار، في صفقة انتقال حر، قادماً من فريق كوستران المتواجد بدوري الدرجة الرابعة. وقد أكد المهاجم المغربي أنه كان عند حسن ظن إدارة فريقه الجديد بتعاقدها معه من خلال تسجيله 13 هدفاً وصناعته لثلاثة أهداف أخرى في 20 مباراة لبطولة الدرجة الثانية. ما جذب إليه اهتمام بعض أندية دوري الدرجة الأولى قصد ضمه لصفوفها، بداية من الموسم القادم ( 2020-2021).
من دوري الدرجة الثامنة إلى مواجهة أياكس "العملاق"
وفي حال تحقق هذه الفرضية الأخيرة، أي تعاقده مع نادٍ كبيرٍ من الدوري الهولندي الممتاز، فإنّ رضا خرشوش يكون قد نجح في تحديه الكبير الذي بدأه قبل 4 سنوات ويكون قد أكد أيضاً أنّ الإنسان الطموح لا يعرف كلمة "المستحيل"، وأنّه إذا ما أراد تحقيق شيء ما فإنه يمكنه ذلك، يكفي فقط الثقة بالنفس، بعد الثقة بالله تعالى، وعدم الاستسلام أمام العراقيل والفشل الظرفي.
وبعدما فشل رضا خرشوش، في صغره، في الالتحاق بمدارس أو أكاديميات الأندية الكبيرة، واكتفائه باللعب ضمن فريق الشباب لنادي "ديمن" الصغير، انضم في عام 2013 لنادي سبارتان الذي كان ينشط في دوري الدرجة الثامنة الهولندية، قبل أن يلتحق بنادي أياكس أمستردام الهاوي في الدرجة الرابعة حتى 1 يوليو/تموز 2015، ثم "كيك بويز" بالدرجة الثالثة في صيف 2017 فنادي كوستزان بالدرجة الرابعة في يوليو/تموز 2018، وأخيراً نادي تلاستار في صيف 2019.
وبحكم أنّه كان لا يزال لاعباً هاوياً، فإنّ رضا خرشوش كان، في العام الماضي، يمارس مهنته بصفة عادية كأستاذ في مادة التربية البدنية بإحدى المدارس الهولندية، وهاهم الآن تلامذته يشاهدونه من المدرجات ومن خلف الشاشات كلاعبٍ محترف ذي مستوى عال.
وقد أشار خرشوش لهذا التغير الفجائي في حياته الرياضية، عندما صرح لصحيفة هولندية أنّه كان معتاداً في السابق على خوض 3 حصص تدريبية في الأسبوع، لكنه أصبح يتدرب مع فريقه الجديد 8 مرات أسبوعياً، معترفاً في نفس السياق: "في الأشهر الأربعة الأولى تدربت بحجم ساعي يساوي ما تدربت فيه خلال الـ15 سنة الماضية كاملة، وقد كنت مطالباً بالتأقلم مع ذلك، وأنا الآن قادر على القيام بذلك وخوض 90 دقيقة كاملة خلال المباريات".
وقد ظهر واضحاً طموح خرشوش وثقته بنفسه وقدراته عندما صرح لصحيفة het parool ، الهولندية، قبل مباراة أياكس أمستردام، قائلاً: "لم يسبق لي أن واجهت أي صعوبات لتسجيل الأهداف أمام كل الفرق التي لعبت ضدها من قبل، فأنا أجيد التسجيل في مرمى أي فريق، ولهذا فإني كنت أقول دائماً أنه يمكنني اللعب في أعلى مستوى".
السير على درب جيمي فاردي
المستوى الأعلى، إذاً، بالنسبة لرضا خرشوش هو الدوري الهولندي الممتاز ولمَ لا! دوري أوروبي كبير، لتكون نهاية القصة الجميلة بأفضل سيناريو ممكن، على غرار قصص شبيهة للعديد من نجوم الرياضية العالمية، كتلك التي عاشها اللاعب الدولي الإنجليزي جيمي فاردي.
وكان فاردي قد بدأ ممارسة رياضة كرة القدم في عام 2002، وهو في الـ15 من عمره، ضمن مدرسة شيفيلد وانزداي، لكن النادي الإنجليزي لم يحتفظ به في الموسم الموالي بسبب قصر قامته وضعف بنيته الجسدية.
لكن الفتى جيمي لم يستسلم للإحباط وجرب حظه مع فريق الشباب لنادي ستوك بريدج الذي ينشط بالدرجة الخامسة الإنجليزية، وبقي معه إلى غاية 2007، ثم مع الفريق الأول لنفس النادي إلى صيف 2010، لينضم بعدها لنادي "هاليفاكس تاون" بدوري الدرجة السادسة، ثم رحل إلى نادي "فليتوود تاون" الذي قاده للتتويج بلقب الدوري الإنجليزي للدرجة الخامسة لموسم 2011- 2012، والصعود إلى الدرجة الرابعة، بعدما سجل 34 هدفاً في 40 مباراة.
وفتح هذا التألق المميز الباب أمام جيمي فاردي ليرتقي بمشواره الرياضي نحو مستوى أفضل، حيث جلب اهتمام بعض أندية دوري الدرجة الأولى "الشامبيونشيب"، على غرار ليستر سيتي الذي كان الأكثر إقناعاً لضمه في صيف 2012.. وبقية "القصة المجنونة" معروفة، حيث صعد اللاعب مع ليستر إلى الدوري الممتاز في عام 2014، ثم تُوّج رفقته بلقب "البريميرليغ" في موسم 2015-2016، بعدما سجل 24 هدفاً في 36 مباراة.
وتواصلت الأحداث السعيدة لقصة فاردي بالمشاركة، في صيف 2016، رفقة منتخب إنجلترا في نهائيات يورو 2016، بعدما تلقى أول دعوة للانضمام لمنتخب بلاده في مايو/أيار 2015، وهو في سن الـ28.
وقد تنتهي أيضاً القصة الجميلة لرضا خرشوش بالانضمام لمنتخب بلده الأصلي المغرب، بحيث أنّ اللاعب المولود يوم 27 آب/أغسطس 1995 بأمستردام من أبوين مغربيين، يملك الجنسيتين الهولندية والمغربية على غرار معظم اللاعبين الدوليين المغاربة الناشطين حالياً بهولندا.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.