الآن وقد انتصر بشار الأسد، كيف يمثل «النفط» بؤرة صراع جديد السعودية أحد أطرافه؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/12/22 الساعة 11:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/12/22 الساعة 11:43 بتوقيت غرينتش
روسيا كانت تريد النفط السوري حصريا ولكن

يبدو أن سوريا ستظل تمثل المسرح الرئيسي الذي يجتذب كل أطراف الصراع في الشرق الأوسط سواء إقليميين أو قوى عالمية كبرى، وبعد أن حسمت روسيا المعركة لصالح بشار الأسد، أتت الآن مرحلة "صراع النفط" وظهرت أطراف أخرى بينها السعودية و "أثرياء الحرب" في الداخل، فما القصة؟

صحيفة هآرتس الإسرائيلية نشرت تقريراً بعنوان: "في سوريا، روسيا وإيران تراقبان دخول لاعبين جدد إلى الساحة"، ألقت فيه الضوء على الصراع الهادئ حول السيطرة على النفط السوري.

من هو حسام القاطرجي؟

سادت سوريا انتقادات واسعة هذا الأسبوع بعد نشر مقطع فيديو قصير يظهر حسام القاطرجي، عضو البرلمان وأحد رجال الأعمال البارزين في البلاد، وهو يترجل من طائرته الخاصة ويتجه إلى سيارة دفع رباعي مع مرافقيه المسلحين. واصطف على جانبي السيارة جنود سوريون يؤدون التحية العسكرية له.

القاطرجي

وكتب أحد الأشخاص في التعليقات أسفل المقطع: "حتى الرئيس لا يرافقه مثل هذا الموكب". وأضاف أحدهم: "هناك أعضاء في البرلمان لا يملكون حتى سيارة ويضطرون إلى الذهاب إلى العمل بالحافلة".

وامتد شعور الغضب إلى البرلمان أيضاً، إذ قال أحد النواب: "يحدث ذلك في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة اقتصادية، ويتعرض فيه الناس للقتل". وفهم القاطرجي الرسالة وأعلن أنه مستعد للاعتذار للأمة والرئيس والبرلمان.

أثرياء الحرب

وقاطرجي (37 عاماً) هو رئيس مجموعة قاطرجي التي تضم حوالي 12 شركة تعمل في مجالات مختلفة مثل البناء والمنسوجات والنفط. وتقدر ثروة قاطرجي، وهو نجل خياط فقير افتتح مصنعاً للنسيج في الرقة، بأكثر من مليار دولار.

ودخل اثنان من أبناء هذا الخياط، براء وحسام، إلى مجال العقارات، وبفضل علاقاتهما مع عائلة الأسد والعلاقات التي أقاموها مع زعماء العشائر حول الرقة (التي أصبحت فيما بعد "عاصمة" تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا)، ازدهرت تجارتهما. وتمكنا من وضع أيديهما على المواقع الأثرية والحصول على تصاريح غير قانونية للبناء عليها. كما استولوا على مبانٍ وأراضٍ باعوها لجني أرباح طائلة.

وحين بدأت الثورة المدنية في سوريا عام 2011 وازداد النقص في الطحين، انتهز الأخوة قاطرجي الفرصة ووقعوا صفقات لشراء القمح والطحين من الأكراد الذين سيطروا على المحافظات الشمالية التي تعتبر سلة الخبز في البلاد، وحين استولى تنظيم داعش على جزء من هذه المنطقة، واصلت مجموعة قاطرجي صفقاتها لشراء الحبوب، ولكن مع داعش هذه المرة. وفي وقت لاحق، تعاملت أيضاً مع التنظيم الإرهابي للحصول على النفط من الحقول الكبيرة التي كانت تحت سيطرة داعش.

وقبل ثلاث سنوات، فرضت الإدارة الأمريكية عقوبات على قاطرجي وشركاته، لكن هذا لم يمنع رجل الأعمال من مواصلة استيراد البضائع من تركيا ودول أخرى عبر تركيا، والآن وقد هُزم داعش وحلت الميليشيات الكردية مكانه في حقول النفط والمعابر الحدودية، اتجه قاطرجي إلى شراء النفط الكردي لصالح النظام السوري.

وأكد مظلوم عبدي، قائد الميليشيات الكردية، أن منظمته، التي تسيطر على حقول النفط الكبيرة التي منها حقل العمر، أكبر حقول سوريا النفطية، تبيع النفط للنظام رغم العقوبات الأمريكية التي تحظر تصدير النفط إلى سوريا، ومن الواضح أن الأمريكيين ليسوا منزعجين من الأكراد الذين يبيعون النفط إلى بشار الأسد، لأنه بإمكان القوات الأمريكية المتمركزة بالقرب من الحقول منع هذه التجارة، وهي مصدر رئيسي للدخل للأكراد، إذا أرادت ذلك.

والآن قد يجد الأكراد ومجموعة قاطرجي أنفسهم في منافسة مع عدة أطراف قوية أخرى تطمع في النفط السوري، إذ استضافت المملكة العربية السعودية مؤخراً وفداً من الأكراد في الرياض لحضور "اجتماع دعم وتعارف"، مثلما وصفته وسائل الإعلام السورية الكردية.

السعودية والأكراد

وفي الواقع لا يحتاج الأكراد والسعودية إلى التعرف على بعضهم البعض، ففي العام الماضي، أعلنت الرياض عن تبرعها بقرابة 100 مليون دولار للقوات الكردية، وفي السنوات القليلة الماضية، زار بعض كبار المسؤولين السعوديين المناطق الكردية، ولم تأتِ المساعدات السعودية بدافع خيري مفاجئ؛ بل كانت "مبادرة" بناءً على طلب إدارة ترامب، لكن يبدو الآن أنه استثمار مالي حكيم.

تمهيد طريق الرياض

تريد الإدارة، في إطار المساعدات الأمريكية المقدمة للأكراد، استكشاف إمكانية فتح شركة أرامكو السعودية لحقول نفط كردية، لكن حتى لو تولت أرامكو هذه المهمة، فما يزال يتعين عليها بيع النفط لجهة ما، والآن يبدو النظام السوري أكثر الزبائن واقعية، ففي النهاية، هي حقول سورية ستنتقل إلى النظام في اليوم الذي يتم فيه التوصل إلى حل دبلوماسي.

بوتين وولي العهد السعودي

ونظراً لأن مثل هذا الحل لا يبدو قريباً، خاصة أن اجتماعات اللجنة الدستورية السورية في جنيف لم تسفر إلا عن خلاف، تبحث السعودية عن طرق لإصلاح علاقاتها مع سوريا، ووفقاً لتقارير وسائل إعلامية (نفتها الرياض)، تعتزم السعودية إعادة فتح سفارتها في دمشق الآن بعد أن أعادت الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان العلاقات وأعادت فتح قنصلياتها في العاصمة السورية.

والتنقيب عن النفط السعودي في سوريا ليس الوعد الاقتصادي الأكبر الذي تتوق إليه المملكة، لكن وضع يدها على حقول النفط يمكن أن يمهد طريق الرياض إلى الساحة الدبلوماسية، حيث أصبحت تركيا وإيران وروسيا هم اللاعبون الوحيدون، ولم يكن من قبيل الصدفة أن أعلن الملك سلمان في نوفمبر/تشرين الثاني أن "تركيا تنتهك سيادة سوريا" وأن الحل في سوريا هو أن تغادرها جميع القوات الإيرانية. وقد زار حسام لوقا، رئيس المخابرات السورية، الرياض مؤخراً، وزار وفد من الصحفيين السوريين السعودية والتقى بصحفيين سعوديين، إلا أنه لم يلتقِ بأي مسؤول حكومي.

تعتبر السعودية، التي تعارض العمليات العسكرية التركية في الشمال السوري حيث مناطق الكردية، تركيا من أكبر الدول المعادية، خاصة بسبب علاقاتها الوثيقة مع قطر، التي تمتلك فيها تركيا قاعدة عسكرية، ومن ضمن شروط الرياض للمصالحة مع قطر، إلزامها بالتخلص من هذه القاعدة. وليس لدى قطر، التي تدين لتركيا بفضل إنقاذها بمساعدتها إياها قبل عامين حين حاصرتها ثلاث دول خليجية- السعودية والبحرين والإمارات- فضلاً عن مصر، أي نية للإضرار بعلاقاتها مع تركيا.

روسيا غير راضية عن التدخل السعودي

لكن محاولات المصالحة الأخيرة يمكن أن تحدد الثمن الدبلوماسي المطلوب من قطر، ولم تكن روسيا، التي تملك معظم امتيازات تطوير حقول النفط السورية، راضية عن التدخل السعودي، فهي تعتبر هذه الامتيازات جزء من مكافأتها لمساعدتها الضخمة التي قدمتها لسوريا والتي كانت حيوية في تمكين الأسد من استعادة السيطرة على معظم الأراضي التي استولت عليها قوات المعارضة.

وأعلنت روسيا مؤخراً أنها تخطط لاستثمار 700 مليون دولار في سوريا على مدار السنوات الأربع المقبلة، منها 500 مليون دولار لتطوير وتوسيع ميناء طرطوس الذي تتخذ منه قاعدة بحرية روسية. أما المبلغ المتبقي، 200 مليون دولار، فسيُخصص لبناء مصنع للأسمدة. ويظهر استثمار بهذا الحجم أن موسكو تخطط للاستمرار في استخدام سوريا قاعدة أمامية في الشرق الأوسط ومنطقة البحر المتوسط، في حين يبدو أن توسيع الميناء يهدف أيضاً إلى تحويله إلى مركز لوجستي للتجارة الروسية.

ماذا عن إيران؟

ودفع الاستيلاء الاقتصادي الروسي على سوريا إيران إلى هامش المشاريع الاقتصادية التي كانت تأمل في المطالبة بها مقابل تضحياتها بأرواح مقاتليها بالإضافة إلى الاستثمار العسكري والمدني. ويُذكر أن سوريا تلقت من إيران تسهيلات ائتمانية إيرانية تصل قيمتها إلى 7 مليارات دولار، لكن ديونها الضخمة لطهران تقدر بـ 34 مليار دولار. والأمر لا يقتصر على عدم امتلاك سوريا أي وسيلة للسداد، بل إنها أيضاً أعطت وعوداً لإيران بتسليمها مشاريع مثل بناء شبكة خلوية ثالثة وشبكة كهرباء. وقد وُقعت عقود ومذكرات تفاهم بين البلدين خلال الحرب، ولكن لم يُنفذ سوى القليل منها.

وأبرمت إيران اتفاقيات لفتح فروع للبنوك الإيرانية في سوريا والتزمت سوريا بمنح الشركات الإيرانية الأراضي والتصاريح لبناء عشرات الآلاف من الشقق. وأمر الأسد وزاراته مؤخراً بمنح المشاريع للشركات الإيرانية دون تقديم العطاءات. لكن بالنظر إلى الوضع الاقتصادي المتردي في إيران، من المستبعد أن يكون لدى طهران ما يكفي لفتح بنوك إيرانية جديدة أو تنفيذ أعمال بناء ضخمة.

اجتذاب بكين

في هذه الأثناء، ظهر لاعب جديد في المشهد الاقتصادي السوري، إذ قال بشار الأسد هذا الأسبوع في حوار مع قناة فينيكس الصينية إنه عرض على الصين ستة مشاريع استثمارية ضمن مبادرة الحزام والطريق التي تتطلب إنفاق مليارات الدولارات في مشاريع البنية التحتية. ووفقاً للأسد، وعدت الصين بتحديد الاقتراح الذي يناسب استراتيجيتها، رغم أن سوريا ليست جغرافياً على خريطة الحزام والطريق.

وحضور الصين لا يتعدى مرحلة الاستكشاف، والصين عادة لا تستثمر في المناطق والبلدان التي في حالة حرب (باستثناء مبيعات الأسلحة)، لكن الدعاية التي قدمها الأسد لمحادثاته مع الصينيين تستهدف مسامع الروس والأمريكيين، فإذا كانت واشنطن تعتقد أنه بإمكانها معاقبة الأسد بفرض عقوبات عليه، فربما يكون لديه صديق لمساعدته على التغلب على هذه الإجراءات العقابية، وإذا كانت روسيا تعتقد أن الأسد يعتمد عليها بالكامل، حسناً، فها هو منافس قوي محتمل.

لكن قدرة الأسد على المناورة بين الصين وروسيا، وبين السعودية وإيران، قد يكبحها القانون الذي أقرّه مجلس الشيوخ الأمريكي يوم الثلاثاء (بعد موافقة مجلس النواب)، فقد تفرض الإدارة الآن عقوبات على أي جهة متورطة في إيذاء المدنيين السوريين.

يُعرف القانون باسم قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين، وهو يحمل الاسم الحركي لضابط شرطة سوري فرّ عام 2013 وكشف عن 50 ألف صورة تصور جرائم حرب في سوريا. ويسمح هذا القانون للإدارة بفرض عقوبات على الشركات الأجنبية والدول التي ساعدت النظام السوري في عملياته ضد المدنيين.

ومن المشوق الآن أن نرى كيف سيوّفق دونالد ترامب بين هذا القانون ومبيعات النفط الكردية لنظام الأسد، وما إذا كان سيواجه روسيا بشأن استثماراتها في سوريا أو سيطالب الصين بالتخلي عن دعمها للبلاد.

تحميل المزيد