صفعته فادية حامدي، منعته البلدية من بيع الخضراوات، اكتأب، فقد الأمل فانتحر حرقاً
للمرة الأولى التي يُحيي أمل مفقود شرارة أمل لدى الكثيرين
لم يتوقع البوعزيزي أن النار التي أكلت جسده في محاولة منه للاعتراض لبثّ يأسه الخاص أمام مقر البلدية في سيدي بوزيد، في السابع عشر من ديسمبر/كانون الأول عام 2010
أنها سَتُنبِت ثورة
قُضي البوعزيزي، لكن النار التي أشعلها تَشبثت بالقلوب، والحناجر، والغاضبين، وفاقدي الأمل، والعاطلين، وكل من هتف أنا مع الثورة
نار البوعزيزي هي من مَررت لمسامع جيل التسعينات
أفضل مقطوعة تونسية لعام 2010، حينما خرج تونسي للشارع
يصرخ "يا توانسة معدش خوف بن علي هرب من الشعب التونسي"
سيمفونية الثورة لُخِّصت في صرحة هذا الرجل في هذا المساء، حينما بُث المقطع على قناة الجزيرة
وكأن صوته كان يُوزِّع على الوطن العربي كافةً ياسمين من زوايا الثورة، هتاف الثوار، دموع الأمهات، الأمل المعلق بعيون المعتقلين والساحات التي عُطِّرت بدم الشهداء
رُوح الثورة كانت تسري هذه الليلة في قلوب الجميع، سعادة تنطوي على ترقب، سعادة تنطوي على صرخة فرح كفيلة بملء فراغات الكوكب والأفق
المذيعة على قناة الجزيرة كانت تقرأ الخبر كالآتي
الأخبار الواردة من تونس تقول إن الرئيس بن علي قد غادر البلاد
لم تَكن قراءة عادية، كان صوت المذيعة ينطوي على نغم به سعادة
كنت أنا مدهوشاً أمام الشاشة للمرة الأولى التي نرى فيها رئيساً يهرب، نظاماً يُهدم، هتافاً يُسقط الأجنحة، ثواراً يحتفلون
تغيَّرت مصطلحاتنا في هذه الليلة
لم تكن نشاطاتنا الحزبية والسياسية في مصر في هذا العام بعيدة عن الحركة وفكرة التغيير
في تلك الليلة تماماً صُدرت الثورة لمنازلنا، أحاديثنا على فيسبوك، كتبنا على الأرفف، وسادتنا التي تشهد على أحلامنا
لقاءاتنا في الجامعة، جدران المدينة، عيون المتحمسين.
اجتمعنا في قهوة أندريا، طبعنا مزيداً من صور خالد سعيد، كثيراً من لا للطوارئ، صورتين متوسطتي الحجم للبوعزيزي
كرَّرنا الاجتماع في حزب التجمع
اجتماع ثالث في الجمعية الوطنية للتغيير، اجتماع رابع في الحزب العربي الناصري
كنا نَضج بهتاف الثورة، بالأمل القادم على عَجلِ من تونس
كنا نرتب لوقفات احتجاجية اعتراضاً على ممارسات الداخلية وفساد مبارك وذمرته المحتضره
وقفنا على كورنيش النيل حاملين صور خالد سعيد ولا للطوارئ والبوعزيزي
كنا نشير بالثورة للجميع، للأمن، للعابرين على الكورنيش، المتابعين لنا من سيارات الأجرة
للضاحكين المتندرين على هروبنا من مطاردة الأمن في الشوارع الجانبية
كنا نحمل شرارة غضب البوعزيزي في أرواحنا، وعِنادنا، واجتماعاتنا السريعة للتنسيق للوقفات الاحتجاجية
وإصرارنا الأكبر على أننا على خطِّ الثورة
البوعزيزي شدَّ الفتيل ومازالت الثورة باقية
منتصرة بهدوء في تونس
على منحنى الهزيمة في مصر
تناضل رغم القصف في سوريا
تبحث عن مخرج في اليمن
تهتف حرية سلام عدالة الثورة خيار الشعب في السودان
ترفض العهدة الخامسة ورجالها الجدد في الحكم بالجزائر
سلام على البوعزيزي ومن معه
سلام على الثورة ومن قضى في رحابها
تسع سنوات من غياب البوعزيزي وثبات صوت الثورة
مرة أخرى سلام على البوعزيزي وكافة من قال
أنا مع الثورة
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.