الصراع في ليبيا وعليها وحولها يشتد إقليمياً ودولياً ومحلياً، من اتفاقية أنقرة وطرابلس التي أقامت الدنيا ولم تقعدها طوال الأسابيع الماضية إلى البرومو أو الإعلان المكرر لخليفة حفتر عن ساعة الصفر الرابعة أو الخامسة، لدخول طرابلس المستعصية عليه منذ بدء المعارك هناك في أبريل/نيسان الماضي.
لا
شيء جديد سوى أن الأزمة زادت، وكلما اقترب حلها
وكلما أعلن عن مؤتمر حولها للحلحلتها ظهر الخليفة الحالم بوراثة القذافي أو شيء من
السيسي، كما يحلو للبعض تسميته، معلناً تسخين الأجواء.
فلم تهدأ أجواء المناطق والمدن الليبية منذ ظهور حفتر متزعماً عملية الكرامة التي أطلقها من طبرق تلك المدينة المحاذية لمصر..
منذ ذلك الزحف والوضع يزداد سوءاً هناك والعيون الطامعة في نفط ليبيا تراقب وتتحين الفرص،
فتحرك الخليفة الجنرال نحو بنغازي يومها بالتزامن مع مؤتمر دولي حول ليبيا في روما، ثم زحف باتجاه مدينة درنة والدول الإقليمية تعد لمؤتمر باريس وخرق اتفاق الصخيرات الأممي والعالم يراقب في صمت، بل ويصفق البعض له ويدعمه، وحتى عند تحركه الأخير إلى طرابلس كانت الأمم المتحدة وبعثتها والأطراف الليبية تعد لمؤتمر ليبي جامع في مدينة غدامس الليبية، وكان الحل يومها قادماً لا محالة لإنهاء كثير من الصراع.
جمعته أبو ظبي بالسراج قبيل أسابيع من مفاجأة طرابلس غير السارة، واتفق الرجلان فأخلف الجنرال وعده وأخلفت راعية الحوار وعدها، وبدأت معركة طرابلس التي كلفت الليبيين كثيراً إلى يومنا هذا.
والآن وهم على أعتاب التحضير لمؤتمر برلين حول الأزمة هناك، خرج حفتر يحمل أصفار الساعة معه، معلناً معركة جديدة في خطوة لها العديد من التفسيرات.
أولها: إن حفتر يناور من أجل تحقيق مكاسب سياسية خلال مؤتمر برلين القادم فيظهر أنه الأقوى على الميدان عسكرياً، والأقوى في السياسة من يفرض شروطه.
ثانيها: الصراع مع تركيا بدعم إقليمي، فبعد أزمة حجز الرهائن الأتراك قبيل أشهر واستفزاز حفتر لتركيا جاء التحرك الأخير بعد توقيع اتفاق بين أنقرة وطرابلس حول التنقيب عن الغاز في المياه الليبية، فكانت ردة الفعل الأخيرة كنوع من تعبير عن الغضب على توقيع الاتفاق.
ثالث الاحتمالات: وهو الأقرب أن حفتر أصبح ضعيفاً ومهزوماً وأصبح يخشى أن يتخلى عنه داعموه، خاصة بعد خسارته في غريان وحسم بعض الميادين العسكرية لصالح حكومة الوفاق المعترف بها دولياً.
أما رابع الاحتمالات: فهو اللاعب الإقليمي الذي يحرك حفتر سواء كان فرنسياً أو إيطالياً أو روسياً أو إماراتياً سعودياً فهو يريد إرسال رسائل لأنقرة من خلال خليفة حفتر مفادها أن ليبيا تخصهم هم فقط، وغير مسموح بلاعب آخر من اللاعبين الدوليين.
ذلك خليفة حفتر وتلك ليبيا التي تحولت إلى سوريا أخرى فبكت بنغازي جرح درنة وتألمت مصراتة وترهونة والزاوية وزنتان لما ألمَّ بطرابلس من حروب وصراعات يخسر فيها الجميع ليكسب السياسيون فقط، ففي ملاعب الدم تنتصر سياسة المصالح فقط واسألوا حلب وإدلب إن كنتم لا تعلمون.
هذه هي ليبيا اليوم ببرقة وطبرق وسبها وأجدابيا وزليتن وسرت الصامدة تبكي حالها ويبكي أشقاؤها ما ألمَّ بها من جروح، فكلما نزفت تلك الجراح جاء من يفتح الجرح من جديد.
وأما الصراع الدولي هناك، فانتقل من ثنائية الدولتين الفاعلتين والتاريخيتين فرنسا وإيطاليا المستعمرة السابقة للبلاد إلى صراع أمريكي روسي بعد التواجد العسكري الروسي مؤخراً، والذي بدأ يتزايد هناك دعماً لكل عسكري عربي منقلب على إرادة شعبه.
ناهيك عن الصراع الخليجي بين الإمارات والسعودية من جهة الداعمين لخليفة حفتر وقطر التي تدعم الشرعية الدولية هناك ممثلة في حكومة فائز السراج.
ضف إلى ذلك صراع مياه البحر الأبيض المتوسط بين مصر واليونان، الأقرب لحفتر وبين أنقرة المقربة من حكومة الوفاق، وكل يهدد بالتدخل العسكري.
فسيسي مصر خرج من الدعم السري للجهري، فأعلن تأييده الواضح لجيش حفتر، وهاجم حكومة الوفاق صراحة والرئيس التركي الذي يبدو أقرب لإرسال قوة عسكرية إلى طرابلس دعماً لحكومة الوفاق ووفقاً للاتفاقية الأمنية والعسكرية بين الطرفين.
وبين هذا وذاك وأولئك المتصارعين تبقى ليبيا بين المؤتمرات الدولية غير الموفقة في حل أزمتها وجمع أطراف النزاع فيها وبين المؤامرات الإقليمية عليها التي تضع عينها على نفط البريقة وخليج سرت وثروات المواطن المهجر من أرضه بحثاً عن حياة كريمة في مناطق أخرى،
إنها ليبيا اليوم تبحث عن حل وحلول وترضى بأنصافها، فقد نزفت كثيراً من الدماء وقدمت الكثير من التضحيات ولا حل للحرب إلا السلام وطاولات المفاوضات.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.