دخلت صفقة تصدير إسرائيل الغاز إلى مصر حيز التنفيذ بعد أن تم التوقيع من جانب وزير الطاقة الإسرائيلي، وبعد أن كانت مصر تصدر الغاز لإسرائيل انقلبت الآية، فما قصة الغاز، وما أهمية الصفقة للطرفين، ولماذا تراها تل أبيب أهم تعاون اقتصادي منذ توقيع كامب ديفيد؟
ماذا حدث؟
أعلنت متحدثة رسمية إسرائيلية، أمس الثلاثاء، 17 ديسمبر/كانون الأول، موافقة الحكومة على تصدير الغاز من احتياطاتها البحرية إلى مصر على أن يبدأ العمل في الخزان الرئيسي على الفور.
وتعتبر موافقة وزير الطاقة يوفال شتاينتز جزءاً من عملية طويلة ستتحول إسرائيل بموجبها من مستورد للغاز الطبيعي من مصر إلى مصدر له، ولاعب محتمل في مجال الطاقة في المنطقة.
وأكدت متحدثة باسم شركة "ديليك" لوكالة فرانس برس، أنه من المتوقع أن يتم تشغيل حقل لفيتيان في غضون "أيام"، في حين سيبدأ التصدير إلى مصر في الأول من يناير/كانون الثاني.
ما خلفية هذا الاتفاق؟
هذه هي المرة الأولى التي تستورد فيها مصر الغاز من إسرائيل، حيث كانت مصر هي التي تصدر الغاز لإسرائيل وذلك قبل اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 والتي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك، وتعد الأنابيب الأرضية في سيناء لتصدير الغاز إلى إسرائيل هدفاً متكرراً لعمليات تخريب وتحول تصدير الغاز لإسرائيل إلى قضية رأي عام في مصر، وتم رفع دعاوى قضائية أمام المحاكم المصرية لوقف ذلك ومحاكمة المسؤولين المصريين الذين أبرموا الصفقة.
وبالفعل توقفت مصر عن تصدير الغاز لإسرائيل التي رفعت قضايا تعويض أمام محاكم دولية وصدرت بالفعل أحكام لصالحها بالحصول على تعويض قدره 1.76 مليار دولار.
وفي عهد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي شهدت العلاقات بين القاهرة وتل أبيب تحسناً كبيراً لم تشهده منذ توقيع البلدين اتفاق سلام بينهما عام 1979 يعرف باسم "كامب ديفيد" نسبة للمنتجع الأمريكي الذي شهد حفل التوقيع، وتعتبر صفقة استيراد مصر الغاز من إسرائيل إحدى أبرز ثمار العلاقات القوية بين البلدين في عهد السيسي، إضافة للتعاون الأمني غير المسبوق، بحسب تصريحات المسؤولين في البلدين.
كيف تنعكس الصفقة على المصريين؟
مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلنت شركات الطاقة الإسرائيلية أن إسرائيل سترفع كمية الغاز الطبيعي التي تعتزم تصديرها إلى مصر بما قيمته 15 مليار دولار على مدى عشر سنوات إلى 19.5 مليار دولار، تستوردها شركة دولفينيوس المصرية، وذلك من حقلي لوثيان – المملوك لنوبل إنرجي، ومقرها تكساس وديليك للحفر الإسرائيلية وريشيو أويل – وتمار – المملوك لنوبل وديليك للحفر وإسرامكو وتمار بتروليوم.
دولفينوس القابضة، بموجب الاتفاق، تعتزم توريد الغاز الإسرائيلي إلى مستهلكين صناعيين وتجاريين كبار في مصر، كما توصلت القاهرة بموجب الصفقة لتخفيض الغرامة المالية لصالح الشركات الإسرائيلية من 1.67 مليار دولار إلى نحو 470 مليوناً تُدفع على عشر سنوات.
أما عن انعكاس ذلك على أسعار الغاز الحالية للمستهلكين في مصر فلا يوجد أي تصريح رسمي أو إشارة على أن ذلك وارد أو محتمل.
وخلال السنوات القليلة الماضية قامت الحكومة المصرية برفع أسعار المواد البترولية بعد أن رفعت الدعم عنها بصورة شبه تامة، فوصل سعر أسطوانة الغاز المنزلية من نحو 5 جنيهات إلى 75 جنيهاً، وذلك في إطار البرنامج الاقتصادي الذي طبقته بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي وانعكس بشكل موجع على أسعار السلع الأساسية والظروف المعيشية في البلاد.
لماذا تعتبرها تل أبيب الصفقة الأهم منذ كامب ديفيد؟
وزير الطاقة الإسرائيلي شتاينتز قال إن "تصدير الغاز إلى مصر من حقول لفيتيان وتمار يمثل أهم تعاون اقتصادي بين إسرائيل ومصر منذ توقيع معاهدة السلام بين البلدين".
فالحجم الكبير للصفقة مع مصر، بحسب الوزير، سيجعل إسرائيل "شريكاً مهماً في الاقتصاد الإقليمي للطاقة"، مضيفاً: "ثورة الغاز الطبيعي (…) ستدر دخلاً كبيراً على الدولة وستخفض من تلوث الهواء".
لكن الجانب الاقتصادي ليس كل القصة بالنسبة لتل أبيب التي تسعى أن تساعدها احتياطاتها من الغاز على تقوية الروابط الاستراتيجية في المنطقة وإقامة علاقات جديدة.
والواضح هنا أن الصفقة تصب في إطار رؤية الرئيس المصري للعلاقات مع تل أبيب ومحاولة دمجها في المنطقة، وهو ما أسماه السيسي في مايو/أيار عام 2016 "بالسلام الدافئ"، داعياً إسرائيل لاستغلال الفرصة التاريخية وحل الصراع مع الفلسطينيين.
صفقة الغاز الضخمة إذن تعني الكثير للجانب الإسرائيلي، فمن خلالها اشترت إسرائيل جزءاً من خط أنابيب مصري لنقل الغاز البحري وهو خط أنابيب شرق المتوسط – خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي المصري من العريش بمصر إلى عسقلان بإسرائيل داخل المياه الإقليمية المصرية ثم الإسرائيلية في البحر المتوسط بطول 100 كم – وهو ما يقوي موقف تل أبيب كلاعب إقليمي أساسي في مجال الطاقة.