رغم المؤشرات الاقتصادية الواعدة ونسب النمو المرتفعة التي تعلنها الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولي، شريكها في برنامج الإصلاح الاقتصادي في السنوات الخمس الأخيرة، فإن المحللين يرون أن فقدان الأسهم في البورصة المصرية لجاذبيتها وتراجع القيمة الإجمالية للشركات المتداولة فيها مؤشر على الحالة الاقتصادية الحقيقية، فما القصة؟
نشرت وكالة رويترز، اليوم الأحد 15 ديسمبر/كانون الأول، تقريراً اقتصادياً بعنوان: "محللون: الأسهم المصرية لا تجد من يشتريها رغم رخصها"، تناوَلَ أوضاع البورصة المصرية بالتفصيل في السنوات الأخيرة، وأسباب تراجعها بنسب مقلقة.
غياب السيولة وعدم تنفيذ الحكومة لوعودها
فقدت الأسهم المصرية في الفترة الأخيرة الكثير من جاذبيتها لدى المستثمرين، رغم هبوط أغلبها بنسب كبيرة منذ بداية العام، لكنها لا تجد إقبالاً، وسط شح شديد في السيولة وغياب الطروح الحكومية الموعودة.
ووفقاً لبيانات بورصة مصر على موقعها الإلكتروني، بلغت أحجام التداول 46.254 مليار ورقة تداول منذ بداية العام، وحتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني، انخفاضاً من 60.771 مليار في 2018، ونحو 77.946 مليار في 2017.
وتراجع رأس المال السوقي للبورصة من 824.9 مليار جنيه في 2017 إلى 749.7 مليار جنيه في 2018، وإلى 705.1 مليار جنيه منذ بداية العام الحالي.
وكانت الحكومة قد كشفت، في مارس/آذار 2018، عن عزمها طرح حصص أقلية في 23 شركة بالبورصة، في إطار برنامج لجمع 80 مليار جنيه (4.98 مليار دولار) في غضون 24 إلى 30 شهراً، مر نحو 21 شهراً منها ولم تطرح الحكومة فيها سوى 4.5% من أسهم الشركة الشرقية للدخان في وقت سابق من العام الجاري.
منتجات قليلة وغير متنوعة
وقالت منى مصطفى، مدير التداول في "عربية أون لاين": "المنتجات عندنا قليلة، والتنوع بها قليل، والأسهم ذات السيولة قليلة. المستثمر المحلي فقد الثقة تماماً في البورصة أو القائمين على المنظومة بشكل عام".
"لدينا برنامج طروحات حكومي لا نفهمه ولا نعرف توقيته… عندنا آلية بيع على المكشوف لا أحد يعرف كيفية تطبيقها ولا كيف تعمل".
طبقت مصر في وقت سابق من الشهر آلية البيع على المكشوف، بما يتيح اقتراض الأوراق المالية بغرض البيع، لكن حتى الآن لم تتعد العمليات المنفذة العشرات، وسط عدم معرفة المتعاملين ولا حتى بعض العاملين بشركات السمسرة كيفية العمل بالآلية.
"فلوس الناس اتحرقت"
قال وائل عنبة، رئيس مجلس إدارة "رويال" لتداول الأوراق المالية "السوق اتحرق… وفلوس الناس اتحرقت… والاكتتابات أخذت فلوس الناس وأخرجتها من السوق".
"الحكومة نظرتها ضيقة لسوق المال، وفشلت في برنامج الطروحات. لا بد من إلغاء الضريبة على السوق لأنه لا توجد تداولات".
دخلت اثنتان من شركات القطاع الخاص سوق الأسهم هذا العام، إذ طرحت "فوري لتكنولوجيا البنوك والمدفوعات الإلكترونية"، أكبر شركة مدفوعات إلكترونية في مصر، 36% من أسهمها في البورصة، في أغسطس/آب الماضي، ولاقت إقبالاً كثيفاً من المستثمرين.
وطرحت "راميدا للأدوية" 49% من أسهمها في بورصة مصر الأسبوع الماضي، وتراجع سهمها نحو 10% عند التداول لينزل عن سعر الطرح، وجاء الطرحان من خلال تخارج مستثمرين من الشركات وليس زيادة رأسمال.
تراجع الأسهم الكبيرة بنسب مرتفعة
وقال إيهاب رشاد، نائب رئيس مجلس إدارة "مباشر كابيتال هولدنج" للاستثمارات المالية: "الأفراد هم المسيطرون على البورصة. وهم من تشبعوا بالخسائر في الفترة الماضية، وبالتالي لن يضخوا سيولة جديدة".
"السوق يحتاج لسيولة جديدة من مستثمرين جدد، وهو ما قد يحدث عندما تطرح الحكومة شركات جديدة، ويكسب الناس منها، ويكون هناك هامش ربح يوظفه المستثمر من جديد في السوق، لكن لا يوجد تركيز من الحكومة على أهمية دور البورصة في الاقتصاد".
ومنذ بداية العام وحتى نهاية الأسبوع الماضي شهد بعض أكبر الأسهم تراجعات كبيرة، فهبط سهم "حديد عز" نحو 38%، و "سيدي كرير للبتروكيماويات" أكثر من 44% و "بالم هيلز للتعمير" نحو 13% و "مدينة نصر للإسكان" نحو 18% و "السويدي إليكتريك" نحو 36% و "الشرقية للدخان" نحو 8%.
وقال إبراهيم النمر، من "نعيم للوساطة في الأوراق المالية": "السوق عندما يكون رخيصاً من المفترض أن يكون عليه إقبال ورغبة في الشراء، لكن لدينا في الحقيقة غير هذا. السوق رخيص لأنه لا توجد رغبة في الشراء.
انخفاض أحجام وقيم التداول يعكس زهد المستثمر، وعدم رغبته في الشراء. ربحية السوق عندنا رخيصة مقارنة بأسواق المنطقة".
وبحسب محللين، يبلغ مضاعف الربحية بالسوق المصرية نحو تسعة أمثال، وهو مستوى من المفترض أن يكون مغرياً للشراء.
طرح أرامكو له دور أيضاً
عانت السوق المصرية أيضاً من توجيه المستثمرين العرب السيولة صوب طرح أرامكو في وقت سابق من الشهر الحالي، والذي شهد زخماً كبيراً.
وقال عمرو الألفي، رئيس البحوث في "شعاع لتداول الأوراق المالية": "الناس متخوفون منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، في ظل تغطية المراكز المكشوفة التي حدثت… طرح أرامكو أيضاً سحب سيولة المستثمرين العرب من بورصة مصر. السوق لا يعكس أي شيء إيجابي ولا حتى انخفاض الفائدة.
الأسهم رخيصة، وبعضها بعائد أكثر من 10%. لا بد من أسهم جديدة في قطاعات جديدة لكي نرى سيولة جديدة".
وتراجعت نسب تداولات العرب وفقاً لبيانات البورصة المصرية من 10.34% من إجمالي المعاملات في 2018، إلى 5.21% حالياً منذ بداية 2019 وحتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني. وانخفض عدد الشركات المقيدة بالسوق من 222 في 2017 إلى نحو 218 شركة حالياً.
وقالت رانيا يعقوب، رئيسة مجلس إدارة "ثري واي لتداول الأوراق المالية": "الضرائب والشائعات أدتا لعزوف المستثمرين عن السوق وعن دوران السيولة. غياب الطروحات الحكومية أيضاً وانخفاض الوعي للاستثمار بالبورصة لدى جموع الشعب، واتجاههم للاستثمار في الأوعية الادخارية أدى لضعف السوق".
وبعد تحرير مصر لسعر الصرف، في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، رفع البنك المركزي أسعار الفائدة بشكل كبير، مما دفع لسحب السيولة من سوق المال ومن الأسواق بشكل عام، في حين جمعت البنوك مئات المليارات.
وبدأ البنك المركزي خفض الفائدة هذا العام، في مسعى لتحفيز النمو الاقتصادي، لكن أثر ذلك لم يمتد إلى البورصة بشكل واضح بعد.
مؤشرات خادعة
وأقر هاني توفيق، الخبير الاقتصادي، أنّ "هناك شحاً شديداً في السيولة بالسوق… السيولة اتجهت إلى العقارات وشهادات الادخار نتيجة أسعار الفائدة المرتفعة… الرؤية غير متفائلة بشأن الاستثمار المباشر".
تابع: "هناك ضعف في الهيكل الخاص بالتداول. كانت هناك إعفاءات ضريبية وألغيت، وحوافز ضريبية للقيد بالسوق وألغيت. وتم فرض ضريبة حتى على توزيعات الأرباح… عدد الناشطين في السوق حالياً لا يتجاوز ثلاثة آلاف مستثمر… الحل في عودة الإعفاءات من جديد، ووضع حوافز للشركات من أجل القيد بالبورصة".
كانت مصر فرضت ضريبة على البائع والمشتري في معاملات البورصة، في مايو/أيار 2013، قبل أن توقف العمل بها وتفرض ضريبة بنسبة 10% على التوزيعات النقدية والأرباح الرأسمالية، في يوليو/تموز 2014، ثم توقف العمل بها في مايو/أيار 2015.
وأقرت الحكومة في 2017 فرض ضريبة دمغة متدرجة على معاملات البورصة، تبدأ بنسبة 1.25 في الألف على البائع والمشتري، في العام الأول من التطبيق، ثم 1.5 في الألف في العام الثاني لتصل إلى 1.75 في الألف في العام الثالث من بدء التنفيذ. وأوقفت العمل بالشريحة الثالثة في يوليو/تموز الماضي.
وقالت رضوى السويفي، رئيسة قسم البحوث ببنك الاستثمار فاروس: "أدوات العائد الثابت تنافس البورصة كاختيار استثماري… العائد منها لا يوازي الدخول في أسهم تداولها الحر ضعيف، وبناء مراكز مالية بها يحتاج لأكثر من يوم، وبالتالي الدخول والخروج من البورصة ليس سهلاً، باستثناء سهم البنك التجاري الدولي.
المؤشرات الاقتصادية تحسنت بشكل كبير، لكن لكي تنعكس على البورصة لا بد أن تنعكس أولاً على الاستثمار، وخلق فرص عمل، وتقوية القدرة الشرائية، وبعدها ستنعكس على السوق".
بلغت مكاسب سهم البنك التجاري الدولي أكثر من 30% منذ بداية العام وحتى نهاية الأسبوع الماضي، وهو الأكثر سيولة والأثقل على المؤشر الرئيسي للسوق.
النمو الإجمالي بسبب القروض مخاطره كبيرة
المؤشر المصري الرئيسي مرتفع 2.5% منذ بداية السنة، وزاد 0.25% بحلول الساعة 0912 بتوقيت غرينتش يوم الأحد.
قال توفيق إن المؤشرات الاقتصادية لا تنعكس على سوق الأسهم المصرية لأنها "مؤشرات خادعة تشير لوجود نمو في الناتج المحلي الإجمالي، لكن لا بد أن نعلم أن مصادر النمو قادمة من القروض… حجم الدين الخارجي والداخلي لدينا مرتفع جداً. النمو من القطاع العقاري والمقاولات، وهذا لا يتسم بالاستدامة.
أنا قلق لأن النمو تمويله من القروض ومن قطاعات غير مستدامة، ليس من تصدير وتشغيل وإنتاج وتصنيع. الأموال تركزت في القطاع العقاري وبيد تلك الشركات. الحل هو إيقاف الاستثمار العقاري ومراكز التسوق وتشجيع الزراعة والتجارة والصناعة".
شهد الاقتصاد المصري معدلات نمو مرتفعة خلال الفترة الماضية، مع خفض عجز الموازنة وتحقيق فوائض أولية، لكن صاحب ذلك زيادة الدين الخارجي 17.3% إلى 108.7 مليار دولار بنهاية يونيو/حزيران الماضي، ليعادل 36% من الناتج الإجمالي في 2018-2019.
وارتفع إجمالي الدين المحلي إلى 4.20 تريليون جنيه، بما يعادل 79% من الناتج الإجمالي في نهاية مارس/آذار، وهو أحدث رقم متوافر، مقارنة مع 3.70 تريليون جنيه في نهاية يونيو/حزيران 2018 أو 83.3% من الناتج الإجمالي.
وكانت مصر قد شهدت عام 2007 نسبة قياسية في النمو الاقتصادي تخطت 7%، واستمرت تتراوح عند مستوى مرتفع حتى عام 2010، لكن ذلك لم يؤد لخلق فرص عمل وزيادة الإنتاج، بل زادت الظروف المعيشية وطأة بسبب انتشار الفساد، ومع القمع وتزوير الانتخابات اندلعت الثورة في 25 يناير/كانون الثاني، وأطاحت بالرئيس الأسبق محمد حسني مبارك.
وقالت منى من "عربية أون لاين": "البورصة مرآة الاقتصاد، وعندما تقول إن هذا هو وضعك فلا بد أن ما يعلن هو مجرد أرقام. الناس عاجزة عن شراء الأسهم في السوق وهي برخص التراب.
هناك غياب ثقة كامل من المستثمر المحلي، ولن يخاطر أحد بوضع أمواله في السوق. الناس أموالها تآكلت الفترة الماضية. المنتجات لدينا رديئة، والناس غير راغبة فيها، حتى وهي بالمجان!".