لا وجه للمقارنة بين القدرات العسكرية للولايات المتحدة ونظيرتها لدى إيران، لكن ذلك لا يعني أن أي مواجهة عسكرية بين الطرفين تعد أمراً محسوماً سلفاً، فهناك عناصر كثيرة يمكنها أن تؤدي دوراً حاسماً في أي مواجهة بينهما، بينها نوعية التسليح وجغرافية أرض المواجهة.
مجلة ذا ناشيونال إنتريست الأمريكية تناولت القصة في تقرير، بعنوان: "كيف حصلت إيران على غواصاتٍ كورية شمالية؟"، ألقت فيه الضوء على عناصر المواجهة المسلحة بين واشنطن وطهران.
ما المقومات العسكرية لطهرن؟
الفكرة الرئيسية: حين تُجبَر الدول على الخروج من الأسواق العالمية، ينبغي أن نتوقع أنَّها ستتاجر مع بعضها البعض في بضائع مختلفة (وضمن ذلك الأسلحة).
ما زالت التوترات تتصاعد بين واشنطن وإيران، حيث تندلع كل أسبوعٍ جولةٌ جديدة من التهديدات والاتهامات الدبلوماسية.
وفي أحدث تطورات هذه التوترات، ألقى اللواء حسين سلامي، قائد الحرس الثوري الإيراني، خطاباً حاداً أمام البرلمان الإيراني، أكَّد فيه أن "سهولة ضرب" حاملات الطائرات الأمريكية ستمنع الجيش الأمريكي من تحدي القوة الإيرانية في الخليج. وتجدر الإشارة إلى أنَّ الإدلاء بمثل هذه التصريحات يعد أمراً معتاداً من المسؤولين الإيرانيين ووسائل الإعلام الحكومية الإيرانية، الذين يُبدون ثقة راسخة بالقدرات العسكرية الإيرانية.
ولكن ما مدى قدرة الجيش الإيراني النظامي؟ وهل لديه حقاً الوسائل القادرة على مقاومة أي هجوم أمريكي بفاعلية؟
سَبَق أن درست مجلة ذا ناشيونال إنتريست الأمريكية هذا السؤال الدقيق، واستعرضت نظرةً عامة إلى سلاح الجو الإيراني والقوات البحرية السطحية الإيرانية، لكنَّها تُركِّز هنا على ما يمكن القول إنه جوهر القوة العسكرية الإيرانية التقليدية، وسبب امتلاكها رابع أقوى قوة بَحرية في العالم: أسطول غواصاتها.
ما حجم سلاح الغواصات؟
لعل الشيء الأبرز في أسطول غواصات إيران حجمه الكبير، لا سيما بالنسبة إلى بقية أسطولها البحري. ففي حين يكاد الإنتاج الإجمالي لإيران من الفرقيطات والفرقاطات والمدمرات لا يتجاوز 10 قطع، يضم أسطول غواصاتها حالياً 34 غواصة.
تجدر الإشارة إلى أنَّ الغالبية العظمى من هذه الغواصات تنتمي إلى فئة الغواصات المتوسطة -أو "الشاطئية"- التي تعمل بالديزل والكهرباء، من بينها نحو 20 غواصة محلية الصنع من طراز "غدي"ر الإيراني، وعدة غواصات أخرى من طراز "يوغو" الكوري الشمالي. ومن المدهش أنَّ غواصات "غدير" أصغر حجماً بكثير، لكنَّها تملك قدرات هجومية قوية، فهي مزودة بأنابيب الطوربيدات التي يبلغ قطرها 533 ملليمتراً على غرار غواصات طراز "كيلو" التي تمتلك إيران بضعها كذلك، لكنَّ الفارق أنَّ لديها أنبوبين فقط مقارنة بست أنابيب في غواصات "كيلو".
مقارنة غير متكافئة ولكن..
صحيحٌ أنَّ تشكيل الغواصات الصغيرة لجزءٍ كبير من الأسطول الإيراني يجعل المقارنة بينه وبين أساطيل الغواصات الأقوى لدى الولايات المتحدة وروسيا غير منطقية، لكنَّ أسطولها له تأثير عسكري كبير في سياق أهداف إيران الاستراتيجية. إذ لا تحتاج إيران نشر قوتها البحرية في جميع أنحاء العالم، أو حتى جميع أنحاء الشرق الأوسط، بل يجري تشكيل البحرية الإيرانية وتنظيمها حول الهدف المحدد المتمثل في تأمين الخليج، وتحديداً مضيق هرمز. فالنطاق المحدود للغواصات الإيرانية التي تعمل بالكهرباء والديزل لا يصلُح في الحدود الضيقة الضحلة للخليج، لكنَّ قدرتها على زراعة الألغام التي لا يمكن كشفها تقريباً، تجعلها مرشحة مثالية لإجراء دوريات ونصب كمائن ضد السفن السطحية المعادية.
تجدر الإشارة إلى أنَّ إيران بدأت مؤخراً تنويع صناعة غواصاتها المحلية وعدم الاكتفاء بالغواصات الصغيرة، إذ تهدف الغواصات الجديدة من طراز "فاتح" إلى إضفاء بعض التوازن على أسطول الغواصات الإيراني، حيث تزن 600 طن وتعد نموذجاً وسطياً بين طراز "كيلو" وطراز "غدير". وبالإضافة إلى امتلاكها أنابيب الطوربيدات التي يبلغ قطرها 533 ملليمتراً والتي تعد خاصية قياسية في جميع غواصات الأسطول الإيراني، ذكرت وسائل إعلام إيرانية أنَّ غواصات "فاتح" -التي يوجد منها اثنتان في وقت كتابة هذا التقرير- يمكنها إطلاق صواريخ كروز المضادة للسفن من موقع مغمور أسفل الماء.
كيف تؤثر الجغرافيا في المعركة المحتملة؟
خلاصة القول: إنَّ الغواصات الإيرانية تُمثِّل الجانب الأكثر عدداً والأشد قدرةً من الناحية التقنية في قوات إيران البحرية حتى الآن، ومن المتوقع أن تظل هكذا في المستقبل المنظور؛ نظراً إلى استثمارات طهران الجيوسياسية في منطقة الخليج. وصحيحٌ أنَّه ما زال من المستبعد تماماً أن تضاهي قوةَ البحرية الأمريكية في أي نوع من المعارك الحادة التقليدية، لكنَّها حتماً ستكون رأس الحربة لأي حملة إيرانية محتملة تهدف إلى إغلاق مضيق هرمز ومنع العبور من خلاله، أو شن هجوم مكثَّف مفاجئ مرةً واحدة على الدفاعات الأمريكية في الخليج.