الأرض شهدت 2056 اختباراً نصفها لأمريكا فقط.. إليك 6 اختبارات نووية ضخمة غيَّرت العالم

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/12/07 الساعة 10:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/12/28 الساعة 08:42 بتوقيت غرينتش
اختبار نووي أمريكي عام 1954/ أرشيف القوات الجوية في الولايات المتحدة الأمريكية

ترتبط عبارة "اختبار نووي" في يومنا هذا بكوريا الشمالية. فرغم كل ما بُذل من جهد في هذا الصدد، أجرت بيونغ يانغ ستة اختبارات نووية منذ أول اختبار عام 2006؛ علماً بأنه ما من دولة أخرى قد جرأت على إجراء اختبار واحد خلال القرن الحالي.

ولكن، بالنظر إلى الصورة الكبيرة للأمور، فإن كوريا الشمالية لا تعدو كونها مجرد نقطة في بحر عالم التجارب النووية كما تقول مجلة The National Interest الأمريكية. 

ففي الفترة ما بين أول اختبار نووي أمريكي عام 1945 وآخر إشارة إلى قيام كوريا الشمالية بتجربة مشابهة في سبتمبر/أيلول العام الماضي، شهد العالم 2056 اختباراً نووياً على الأقل. وتبلغ نسبة ما أجرته الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي من تلك التجارب 85% على الأقل، كما أن القوى النووية الثلاثة الأخرى التي تحظى بالتقدير (أي المملكة المتحدة، وفرنسا، والصين) أجرت قدراً كبيراً من الاختبارات النووية. 

تقول المجلة الأمريكية المختصة في الشؤون العسكرية: لم يسبق أبداً أن أجرت إسرائيل اختباراً لسلاح نووي بشكل رسمي، ومع ذلك ثمة أدلة قوية تشير إلى أنها اختبرت سراً بعض الأسلحة النووية في جنوب إفريقيا عام 1979. كما نفذت الهند تفجيراً نووياً "سلمياً" عام 1974، أعقبته سلسلة من خمسة انفجارات نووية في مايو/أيار عام 1998. وخلال الشهر نفسه، ردت باكستان بست اختبارات نووية في  يومين منفصلين.

غير أن التجارب النووية ليست متطابقة ولا متشابهة. فبعض الانفجارات ينتج عنها مئات أو آلاف الأطنان من مكافئ مادة TNT، في حين قيس البعض بأنه قد أخرج ما يعدل العشرات من الميغا طن (والميغا طن يساوي مليون طن). ويبلغ الاختلاف ذروته بين أكبر قوتين للحرب الباردة، غير أن المملكة المتحدة وفرنسا والصين وكوريا الشمالية كانت لها أيضاً نتائج مختلفة اختلافاً هائلاً في اختباراتها النووية. دعونا نضع هذا الأمر في الاعتبار حي ننظر في أكبر الانفجارات النووية لكل دولة من تلك الدول.

1- الولايات المتحدة الأمريكية

ما يميز الولايات المتحدة هو أنها نفذت أول اختبارات الأسلحة النووية في التاريخ وكانت صاحبة معظم الاختبارات بوجه عام في مجال الأسلحة النووية. وقد تخلدت في الذاكرة أول اختبار نووي للولايات المتحدة الأمريكية، والمعروف باسم "ترينيتي"، في صحراء نيو مكسيكو في 16 يوليو/تموز 1945. وحين شهد الدكتور روبرت أوبنهايمر الانفجار، الذي بلغ وزنه 20 كيلو طن (20000 طن من مكافئ TNT)، شاع عنه أنه أعلن: "الآن أصبحتُ أنا الموت، ومدمر العوالم".

كانت هذه مجرد بداية. فما بين العام 1945 و1992، أجرت الولايات المتحدة 1030 اختباراً نووياً، أي حوالي نصف الاختبارات النووية التي أجراها العالم. وجاء أكبر اختبار نووي بعد تسع سنوات فقط من اختبار ترينيتي، في 1 مارس/آذار 1954 في جزيرة بيكيني بجزر مارشال. وكان الهدف من تصميم "قلعة برافو" المستخدم هو أن يكون أول ما يُقدم للعالم من الأسلحة النووية الحرارية، وذلك بعد أن اختبرت الولايات المتحدة أول قنبلة هيدروجينية في عام 1952.

تحول تصميم قلعة برافو إلى كارثة كبرى. ففي حين كان المصممون يتوقعون نتيجة تقع ضمن نطاق 5-6 ميغا طن، فإن الانفجار الناتج خلّف 15 ميغا طن. وهو ما يفوق قوة القنبلتين المستخدمتين ضد اليابان في الحرب العالمية الثانية بحوالي 1000 ضعف. وسرعان ما تحول الغبار النووي الناتج إلى كارثة دولية للولايات المتحدة الأمريكية؛ وذلك لأن الإشعاع النووي انتشر إلى ما يقرب من 7000 ميل مربع، وفقاً لبعض المصادر. الأمر الأكثر أهمية هنا أن قارب صيد ياباني، يُسمى لاكي دراغون رقم 5، تصادف وجوده في المنطقة، وقضى 23 من طاقمه بعد فترة وجيزة بفعل التسمم الإشعاعي.

كما أن الاختبار لفت أنظار صناع السياسات في الولايات المتحدة وغيرها من دول العالم أكثر من أي وقت مضى إلى خطر ظهور العصر النووي. إذ بعد هذا الاختبار، وضع المستشارون العلميون للرئيس آيزنهاور أنماط الغبار النووي لاختبار قلعة برافو على خريطة واعتبر مقاطعة كولومبيا في واشنطن النقطة المركزية. وكانت النتائج صادمة. 

وتذكر آني جاكوبسون في كتابها حول تاريخ وكالة داربا: "إذا كانت مقاطعة كولومبيا في واشنطن هي النقطة المركزية.. فإن كل المقيمين في منطقة واشنطن – بالتيمور الكبرى عرضة للموت. بل وحتى في فيلادلفيا، على بُعد 150 ميلاً، ستكون أغلبية السكان عرضة لمستويات من الإشعاع من شأنها أن تودي بحياتهم في ظرف ساعة واحدة. أما في مدينة نيويورك، على 225 ميلاً إلى الشمال، فإن نصف السكان سيلقون حتفهم بحلول الليل. وعلى طول الطريق الموصلة إلى الحدود مع كندا، سيتعرض السكان إلى 100 رونتجن من الإشعاع أو أكثر، وستكون معاناتهم مشابهة لما عاناه الصيادون على متن قارب لاكي دراغون".

2- الاتحاد السوفييتي

لم يجرِ الاتحاد السوفييتي الاختبارات النووية الأولى ولم يكن له نصيب الأسد منها. فقد بلغ ما أجراه الاتحاد السوفييتي منها 715 اختباراً مقارنة بالولايات المتحدة التي أجرت 1030. غير أن موسكو تفوقت على واشنطن في حجم اختباراتها. إذ إن أكبر خمسة انفجارات نووية في التاريخ كانت كلها من نصيب الاتحاد السوفييتي.

إذ لا توجد قنبلة بحجم قنبلة القيصر. ففي 30 أكتوبر/تشرين الأول 1961، أقلعت قاذفة قنابل من طراز Tu-95 تحمل قنبلة يبلغ طولها 26 قدماً وعرضها سبعة أقدام، ووزنها 27 طناً. وبعد أن ألقت القاذفة قنبلة القيصر، حلقت القنبلة في الهواء بمظلة تزن طناً قبل أن تنفجر على بُعد 13000 قدم فوق سطح الأرض. 

وأنتج التفجير الناتج عن ذلك 57 ميغا طن من مكافئ التي إن تي، وهو ما كان يزيد على كافة الذخيرة التي استخدمت إبان الحرب العالمية الثانية بعشرة أضعاف. وقد ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية BBC في وقت لاحق أن وميض الانفجار كان مرئياً من مسافة 1000 كيلومتر (630 ميلاً). وارتفعت سحابة الفطر التي خلفتها القنبلة إلى ارتفاع بلغ 64 كم (40 ميلاً)، وانتشرت إلى الخارج إلى أن امتدت لحوالي 100 كم (63 ميلاً) من الطرفين. وأشارت بعض الإفادات في هذا الصدد إلى أن الانفجار حطم الجدران التي كانت على بُعد 560 ميلاً.

3- بريطانيا

كانت المملكة المتحدة الدولة الثالثة في الانضمام للنادي النووي، وفجرت أول قنبلة ذرية في 3 أكتوبر/تشرين الأول 1952. كانت بريطانيا أول القوى النووية الثانوية، وجميعها أبدت عادات نووية مختلفة إلى درجة ملحوظة عن القوى النووية العظمى. والسبب في ذلك أن بريطانيا والدول الأخرى (فرنسا والصين والهند وباكستان وإسرائيل) كانت لديها ترسانات أصغر بكثير من الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفييتي. 

كما أن القوى النووية الثانوية لم تجرِ نفس القدر من الاختبارات النووية الذي أجرته واشنطن وموسكو. أجرت بريطانيا من جانبها 45 اختباراً نووياً بين عامي 1952 و1991. في البدء اختبرت لندن أجهزة نووية بنفسها. ولكن، بدءاً من 1961، أجريت اختباراتها النووية بشكل مشترك مع الولايات المتحدة. 

رفضت واشنطن التعاون مع المملكة المتحدة بخصوص معظم القضايا النووية، حتى أبدت بريطانيا قدرتها على بناء أسلحة هيدروجينية. بدأت لندن اختبار قنابل نووية حرارية عام 1957 غير أن التصاميم الأولية لم تؤدِّ إلى النتيجة المتوقعة. وحدث أول اختبار ناجح لقنبلة هيدروجينية في نوفمبر/تشرين الثاني 1957، غير أن القنبلة النووية الحرارية أثبتت نجاحها في نوفمبر/تشرين ثاني 1958. وكانت نتيجتها ثلاثة ميغا طن.

4- فرنسا

كانت فرنسا رابع دولة تختبر سلاحاً نووية في 13 فبراير/شباط 1960. وكما سبق أن ذكرنا، كانت عادات فرنسا النووية أقرب إلى بريطانيا منها إلى القوى النووية العظمى. واختلفت فرنسا عن إنجلترا في عدم إرساء علاقات وطيدة مع الولايات المتحدة في العالم النووي.

في نهاية المطاف، أجرت فرنسا 210 اختبارات نووية بين عامي 1960 و1996. ورغم أن فرنسا سبقت الصين إلى النادي النووي، فإن بكين قد فجرت قنبلة هيدروجين قبل باريس، وهو أمر أزعج للغاية الرئيس الفرنسي الأسبق شارل ديغول. وعلى عكس بريطانيا، فإن أول اختبار للقنبلة الهيدروجين لفرنسا كان ناجحاً. 

وكما سبق أن ذكر روبرت نوريس: "فجرت فرنسا أول جهاز نووي حراري من مرحلتين في 24 أغسطس/آب 1968؛ وأطلقت على هذه العملية اسم "كانوبوس"، وكان هذا الاختبار الأول أعظم تفجير تنفذه فرنسا وامتد بطول 2.6 متر".

5- الصين

كسرت الصين الاحتكار الغربي للأسلحة النووية حين فجرت قنبلة نووية في 16 أكتوبر/تشرين الأول 1964 في موقع اختبار لوب نور. وفي ظل أقل من ثلاث سنوات، في 17 يونيو/حزيران 1967، زعمت بكين أنها أجرت اختبار قنبلة نووية حرارية. وكانت هذه أسرع وتيرة تنتقل بها أي دولة من تفجير أول قنبلة نووية إلى تفجير أول قنبلة هيدروجينية، وكانت نتيجة تفجير القنبلة الهيدروجينية انفجارٌ بطول 3.3 متر.

لم تذهب الصين أبداً إلى أبعد من ذلك في أي اختبارات نووية أخرى. ولكن ثمة استثناء واحد عام 1976، حين فجرت الصين قنبلة ملقاة من طائرة بناتج 4 ميغا طن. وإجمالاً، كانت الصين تجري 45 تجربة نووية؛ وهو نفس العدد الذي أجرته بريطانيا، منذ عام 1964 إلى عام 1996.

6- كوريا الشمالية

بطبيعة الحال، فإن كوريا الشمالية هي أحدث الدولة انضماماً إلى النادي النووي بعد تفجير أول قنبلة نووية لها عام 2006. كان الناتج عن هذه التجربة الأولى اثنان كيلو طن. ولم تصل أول أربع اختبارات نووية لبيونغ يانغ إلى 20 كيلوطن، غير أن الاختبار الخامس ربما وصل إلى 25 كيلوطن. 

ومن الواضح أن آخر اختبار نووي لها كان أكثرها قوة. ولا يزال ناتجه المحدد بدقة محل خلاف، وتتراوح التقديرات بين 100-250 كيلوطن. كما تختلف الآراء أيضاً فيما إذا كانت كوريا الشمالية قد اختبرت قنبلة هيدروجينية؛ كما تدعي بيونغ يانغ نفسها، أم أن ما تم اختباره هو مجرد قنبلة انشطار.

خاتمة

من الراجح أن تظل القنابل النووية الضخمة التي اختبرتها الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي في بداية الحرب الباردة من آثار الماضي. في ذلك الوقت، كانت الاستراتيجية النووية لا تزال في مهدها، وكان يفترض فيها بشكل عام استهداف المدن. 

علاوةً على ذلك، ومع ظهور الحرب العالمية الثانية، كانت دقة الضرب من الطائرات مثيرة للفزع (كما كان الحال مع الصواريخ في أيامها الأولى)، بما يعني وجود الحاجة إلى انفجار هائل للإجهاز على هدف ما. 

ومع تحسن الدقة والاستهداف، بالإضافة إلى تبني بعض الدول مثل الولايات المتحدة عقيدة القوة المضادة بدلاً من القيمة المضادة، لم تعد هناك حاجة إلى نتائج نووية ضخمة مثل قلعة برافو أو قنبلة القيصر. ويسود اعتقاد اليوم أن أقوى رأس حربي نووي أمريكي هو B83، ونتيجته 1.2 متر. وحتى هذه القنبلة في طريقها إلى التقاعد.

تحميل المزيد