تعاني النساء العاملات في مصر العديد من المشاكل، أبرزها التمييز وعدم التقدير، تقول السيدة سلمى يسري إنها تعاني من التمييز داخل مكان العمل لأنها امرأة. وأضافت، لموقع Al-Monitor الأمريكي: "المشكلة الأكبر هي أنَّ هناك القليل من التقدير لعملي بالرغم من أنهم يعرفون أنني مخلصة. ودائماً ما يترقى الرجال على حساب التقدم الوظيفي للنساء".
وعلى الرغم من أنَّ صاحب العمل يعاملها معاملة جيدة عامةً، تقول سلمى، وهي في أواخر الثلاثينيات من عمرها، إنها تضطر للدفاع باستمرار عن مكانتها في الشركة -وهي شركة كبرى مملوكة للدولة المصرية، لا ترغب في ذكر اسمها.
وتوضح سلمى: "تتغير الإدارة ومديرونا باستمرار؛ لذلك يتعين علينا -نحن النساء- أن نثبت أنفسنا لكل رجل جديد يأتي. وهم لا يحتفظون بملفات خاصة بموظفيهم، ولا يتبعون نفس معايير العديد من الشركات الكبرى".
"الفرص للرجال فقط"
تشتكي سلمى من أنَّ الرجال في الشركة غالباً ما يُرسَلون في رحلات تدريب لمدة ستة أشهر إلى الخارج لتطوير حياتهم المهنية، بينما نادراً ما تُمنَح النساء فرصاً مماثلة.
وقالت: "في بعض الأحيان يحاولون إرضاءنا بمنحنا ساعات عطلة إضافية، وأحياناً يعاملنا المديرون جيداً، لكن أحياناً لا يفعلون ذلك".
لكن على الرغم من عدم المساواة في المعاملة، قالت إنها أفضل حالاً من كثير من النساء العاملات في مصر، ويسرها أن تحصل على وظيفة في بلد تنخفض فيه معدلات مشاركة الإناث في سوق العمل.
ووفقاً لتصريحات وزيرة التخطيط المصرية هالة السعيد، لو حققت المرأة معدلات مشاركة في القوى العاملة مساوية للرجل، فإنَّ دخل الأسر في مصر سيزيد بنسبة 25% على الأقل.
معدلات بطالة مرتفعة بين النساء
ووصلت معدلات البطالة إلى مستوى منخفض جديد في مصر بنسبة 19% في عام 2018، لكن في حين انخفض معدل البطالة بين النساء، فإنَّ المشاركة الإجمالية للمرأة في القوى العاملة قد انخفضت بالفعل. فوفقاً لإحصائيات البنك الدولي، وصل معدل البطالة بين النساء في مصر إلى 24.66%، في عام 2017. وبلغت نسبة مشاركة النساء في قوة العمل 23% تقريباً اعتباراً من عام 2018.
من جانبها، أوضحت غادة برسوم، أستاذ مساعد في قسم الإدارة والسياسة العامة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، أنَّ النظر لمعدلات البطالة قد لا يكون مؤشراً مناسباً في مصر، مشيرة إلى أنَّ معدلات المشاركة في القوى العاملة أكثر دقة. إذ إنَّ إحصائيات البطالة لا تأخذ في الاعتبار الأشخاص الذين لا يبحثون عن عمل، في حين أنَّ معدلات المشاركة في القوى العاملة، على الجانب الآخر، تشمل بيانات أولئك الذين تخلوا عن البحث عن عمل أو الذين لم يبحثوا قط.
وقالت برسوم لـ Al-Monitor: "في الواقع، هناك أبحاث تشير إلى أنَّ البطالة ليست مؤشراً عليك أن تضعه بعين الاعتبار في حالة الدول الإفريقية"، في إشارة إلى المعدل العالي من العمالة غير الرسمية.
ويتطلب الاتفاق الذي وقَّعته مصر عام 2016 مع صندوق النقد الدولي، للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات، إجراء إصلاحات هيكلية جذرية للحد من الدَّيْن العام الذي أدى إلى تقليص حجم القوى العاملة العامة. وكانت الفئة الأكثر تضرراً هن النساء المتعلمات، اللائي انجذبن على مدى عشرات السنوات للقطاع العام بسبب أمنه وسلامته وساعاته المناسبة للحياة الأسرية.
وعلى الرغم من جهود الحكومة المصرية لزيادة فرص العمل في القطاع الخاص، لم يحدث تغيير يُذكر في معدل النساء العاملات في هذا القطاع.
القطاع الخاص
من جانبه، أوضح لوكا فيدي، المتخصص في التوظيف في مكتب منظمة العمل الدولية في القاهرة، أنَّ هناك تدهوراً كبيراً في ظروف العمل في مصر. ومنذ عام 2014، انخفضت مشاركة المرأة في القطاع الخاص إلى النصف.
وقال فيدي، في تصريح لموقع Al-Monitor: "عندما تعمل في القطاع غير الرسمي، فعلى الأرجح لا تحصل على دعم للحقوق الأساسية. وأشياء مثل ساعات العمل ضرورية للنساء لكي يكُنّ قادرات على التوفيق بين الأعباء المنزلية الثقيلة التي تُنتَظر من النساء اللاتي لديهن حياة مهنية".
وأضاف: "لا تستطيع النساء، خاصة المتعلمات، اللائي كن يعملن سابقاً في القطاع العام، الخروج إلى العمل؛ لأنه من الواضح أنهن أصبحن غير قادرات على التوفيق بين حياتهن العائلية والمهنية، أو الموازنة بينهما".
ونظراً لارتفاع نسب التحرش الجنسي في مصر، بما في ذلك داخل أماكن العمل، فغالباً ما تطالب النساء بظروف عمل معينة.
واحتجَّت غادة برسوم قائلة: "يجب أن يعملن في أماكن آمنة. والنساء الشابات على الأخص يشترطن ظروف عمل محددة، وليس أجراً وساعات عمل". وهذا يعني أيضاً أنَّ العمالة غير الرسمية في مصر، التي تمثل نحو 50% من الاقتصاد المصري وتضم نحو 10 ملايين عامل، ليست مناسبة للنساء في كثير من الأحيان.
"مورد هائل غير مستغل"
وعلى مدى سنوات حاولت الحكومة دفع العمالة غير الرسمية أو الأعمال غير المسجلة للدخول إلى الاقتصاد الرسمي. لكن غادة تقول إنها لاحظت موقفاً أكثر ليناً من جانب الحكومة نحو الاقتصاد غير الرسمي.
وقالت: "دعم الشركات الصغيرة ومتناهية الصغر هو بالتأكيد خطوة على الطريق الصحيح؛ فلا يمكنك حصر دعمك في المؤسسات الكبرى؛ لأنها ليست المصدر الأساسي لفرص العمل. وعلى كل حال، تدعم الزيادة في الإنفاق الاجتماعي المرأة".
وأضافت أنَّ برامج التوظيف التي تُطوِّر مهارات العمل قد تكون مفيدة على نطاق صغير، لكنها ليست ببساطة منتشرة على نطاق واسع في مصر يكفي لإحداث تأثير كبير في معدلات المشاركة في القوى العاملة.
وكان صندوق النقد الدولي قد أفاد، في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بأنَّ النساء غير المشاركات في القوى العاملة في مصر وبلدان أخرى في المنطقة يمثلن "مورداً هائلاً غير مستغل"، وللاستفادة من هذا المورد هناك حاجة إلى ضخ استثمارات كبيرة في الخدمات التعليمية والصحية. لكن إلى جانب تطوير التعليم وحقوق العمل، من الضروري تغيير ثقافة مكان العمل في مصر لتسخير الإمكانات الاقتصادية الكاملة للمرأة.
إذ دفعت ثقافة العمل السامة هدير شريف إلى ترك العمل في القطاع الخاص، والانضمام للقطاع غير الرسمي بالالتحاق بوظيفة في مركز صغير لرعاية الأطفال مقابل أجر أقل. تقول هدير: "كنت أُعامَل معاملة سيئة في وظيفتي السابقة؛ وكرهت العمل. لم تكن حقوقي تُحترَم؛ لذا قررت العثور على عمل أحبه فعلاً حتى وإن كان الأجر أقل".