يبدو أن الاحتجاجات التي اندلعت في إيران وبلدان أخرى في الشرق الأوسط شجَّعت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو على إجراء محادثات، خُطِّط لها في عُجالة، أمس الأربعاء 4 ديسمبر/كانون الأول 2019، بهدف زيادة الضغط على طهران وتقليص نفوذها المتمدد في المنطقة، وفقاً لما نشرته صحيفة The New York Times الأمريكية.
لكن قبل الاجتماع الذي استمر 90 دقيقة، أشار نتنياهو إلى أنه يضع أهدافاً أخرى في حسبانه كذلك، من بينها الحصول على دعم إدارة دونالد ترامب لإبرام معاهدة دفاع مشترك، وربما الحصول على دعمها أيضاً لخططه الرامية إلى ضم وادي الأردن.
فيما يبدو أن الاجتماع نفسه لم يسفر عن قرارات جديدة تقريباً. فبعد انتهائه، قالت وزارة الخارجية الأمريكية إنَّ الرجلين ناقشا "نفوذ إيران المزعزع للاستقرار في المنطقة" ولم يطرحا أي خطوات إضافية في حملتهما المشتركة المتمثلة في ممارسة أقصى ضغطٍ على طهران.
كل المواضيع إيران
من جانبه قال نتنياهو للصحفيين قبل بدء الاجتماع في العاصمة البرتغالية لشبونة: "الموضوع الأول الذي سأثيره هو إيران، والموضوع الثاني هو إيران، وكذلك الثالث، وهلُم جرَّا". وتجدر الإشارة إلى أنَّه ذهب سريعاً إلى لشبونة بعدما ألحَّ في طلب الاجتماع في أثناء وجود بومبيو في أوروبا لحضور اجتماعٍ لقادة منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في لندن.
مضيفاً: "عدوان إيران يتزايد، لكنَّ إمبراطوريتها تترنح. فدعونا نزيد من ترنُّحها".
يُذكَر أنَّ بومبيو يتصدَّر مؤيدي حملة الضغط الأقصى التي أطلقتها إدارة ترامب ضد إيران. وقد ذكر أنَّ دبلوماسيين آخرين في اجتماع الناتو يركزون على كيفية منع استقرار الشرق الأوسط الهش بالفعل من الانهيار مع حماية المتظاهرين الذين تستهدفهم قوات الأمن أو الجماعات السياسية المتنافسة في إيران والعراق، وبدرجةٍ أقل لبنان.
كما قال بومبيو: "بعض هؤلاء الأشخاص يريدون حريةً وحياةً كريمة، ويدركون التهديد الذي يشكله الكليبتوقراطيون الذين يديرون جمهورية إيران الإسلامية".
احتجاجات البنزين في إيران
تجدر الإشارة إلى أنَّ 180 شخصاً على الأقل قُتِلوا في الاحتجاجات التي هزت إيران على مرِّ الأسبوعين الماضيين، والتي اندلعت بسبب ارتفاع أسعار البنزين وتفاقمت لتتحول إلى أسوأ أعمال عنف منذ 40 عاماً.
في العراق، يحتشد المتظاهرون منذ شهرين على الأقل احتجاجاً على الفساد في حكومةٍ تعتبر إيران حليفاً وداعماً رئيسياً. وشهدت الاحتجاجات مقتل أكثر من 300 شخص، بينهم 40 شخصاً على الأقل في مظاهرات الأسبوع الماضي فقط، بعدما أظهرت وثائق استخباراتية إيرانية مُسرَّبة أن إيران تهيمن على رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي، الذي وعد منذ ذلك الحين بتقديم استقالته.
قبل مغادرة نتنياهو لإسرائيل صباح يوم أمس، قال للصحفيين إنَّه يريد كذلك التحدث إلى بومبيو بشأن قضيتين أخريين: وهما إمكانية إبرام معاهدة دفاع رسمية مع الولايات المتحدة، والسعي إلى الحصول على موافقة إدارة ترامب على ضم إسرائيل لمعظم أراضي وادي الأردن.
مضيفاً: "هذه قضايا مهمة للغاية. نركز عليها طوال الوقت".
كما يمكن أن يساعد حل كلتا القضيتين نتنياهو في أزمته السياسية التي يعانيها داخل بلاده، حيث يواجه صعوبةً في تشكيل حكومة وحدة مع منافسه السياسي الرئيسي بيني غانتس بعد جولتين انتخابيتين غير حاسمتين في العام الجاري 2019. بالإضافة إلى أنَّه متهمٌ بتلقي رشوة.
وسعى نتنياهو إلى الاجتماع مع بومبيو بعد التحدث إلى ترامب يوم الأحد الماضي 1 ديسمبر/كانون الأول.
اتفاقية ثنائية لكنها لم تر النور
تجدر الإشارة إلى أنَّ هناك زعماء أمريكيين وإسرائيليين سابقين درسوا بالفعل إبرام اتفاقية دفاع ثنائية رسمية كالتي يقترحها نتنياهو، لكنَّهم أجَّلوها في نهاية المطاف.
قال دينيس روس، الذي أسهم سابقاً في مفاوضات جهود بين إسرائيل والفلسطينيين في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، إنَّ الولايات المتحدة لديها بالفعل اتفاقيات عسكرية قوية مع إسرائيل.
لكنَّه توقَّع أن يكون البنتاغون متردداً في دعم إبرام معاهدة رسمية في الوقت الراهن، لا سيما أنَّ هذه الخطوة ستُعتبَر دفعةً سياسية لنتنياهو في علاقةٍ يريد الجيش الأمريكي إبقاءها مهنيةً بشدة.
وذكر روس أنَّ إبرام معاهدة دفاع رسمية يمكن أن يُظهِر الولايات المتحدة على أنَّها متواطئة في الحملات العسكرية الإسرائيلية في الشرق الأوسط، مثل الحملات التي تشنها ضد الفلسطينيين أو إيران. وأضاف أنَّها يمكن كذلك أن تُقيِّد إرسال الموارد الأمريكية، بما في ذلك القوات العسكرية، للدفاع عن إسرائيل إذا لزم الأمر.
وأكَّد روس أنَّه "في أي صراع حقيقي تحتاج فيه إسرائيل إلى المساعدة، فمن غير المعقول أن تمتنع الولايات المتحدة عن تقديمها".
لكنَّه أضاف: "ستكون هناك أوقاتٌ قد لا تكون فيها الولايات المتحدة معارضةً لأفعال إسرائيل في المنطقة، لكنها لا تريد تحمُّل مسؤوليتها".
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ المؤسسة الأمنية الإسرائيلية -بل ونتنياهو نفسه منذ عقود- لطالما كانت تخشى إبرام اتفاقية دفاع رسمية خوفاً من أن تُقيِّد تصرفات إسرائيل.
تل أبيب تقضي على خطة السلام
فيما ردَّد روس كذلك التنبؤات المنتشرة بأنَّ ضم إسرائيل أجزاء من الضفة الغربية سيقضي على الأمل في نجاح أي خطة سلام مع الفلسطينيين. إذ قال: "هذه الخطوة ستقوِّض أي فرصة نجاح لخطتهم".
أما بومبيو فصرَّح في الشهر الماضي بأنَّ الولايات المتحدة لم تعُد تعترف بأنَّ المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية تنتهك القانون الدولي. واعتبر الكثيرون هذا القرار بمثابة ضوء أخضر ضمنيٍ غير صريح لضم إسرائيل لأراضي الضفة الغربية.
يُذكَر أنَّ إسرائيل استولت على الضفة الغربية من الأردن في حرب عام 1967. ومعظم المجتمع الدولي يعتبرها أرضاً محتلة، ويرى أنَّ عمليات الضم والاستيطان الإسرائيلية هناك غير شرعية.
على صعيدٍ آخر، كان اجتماع يوم أمس كذلك بمثابة استعراضٍ من نتنياهو لمحاولة إثبات أنه ما زال يتمتع بالمصداقية والأهمية بالرغم من التهم الموجهة إليه، وأنه سيواصل قيادة المصالح الإسرائيلية في شؤون العلاقات الخارجية والأمن القومي.
وزارة الخارجية الأمريكية ذكرت أنَّ بومبيو ونتنياهو ناقشا كذلك التعاون الاقتصادي بين بعض دول الشرق الأوسط، والقضايا المتعلقة بأمن إسرائيل بوصفٍ مقتضب.
هذا وتهرَّب بومبيو بشدة من أسئلة الصحفيين في لشبونة عن معاهدة الدفاع وعمَّا إذا كانت الولايات المتحدة لن تمنع إسرائيل من ضم وادي الأردن. غير أنَّ نتنياهو لم يستطع مقاومة إلحاحهم.
إذ أجاب وهو يخرج من الغرفة، قائلاً: "وادي الأردن مكانٌ جيد جداً".