بعض الدول الإفريقية بدأت تجارب إدخال شبكات الجيل الخامس (5G) على نطاق محدود للغاية رغم الأهمية القصوى لتلك التقنية في مجالات الصحة والتعليم وغيرها، فما أسباب تأخر القارة السمراء في الاستثمار في تلك التقنية التي تمثل نقلة نوعية بحياة البشر؟
مجلة "دويتشه فيله" الألمانية أعدت تقريراً حول القصة بعنوان: "هل إفريقيا جاهزة لشبكات الجيل الخامس؟"، تناولت فيه أهمية تلك التقنية والمعوقات التي تواجهها الدول الإفريقية للاستفادة منها.
ماذا حدث في نيجيريا؟
مع تجارب نيجيريا على شبكات الجيل الخامس (5G) فائقة السرعة، يتساءل كثيرون: كيف يمكن أن يقفز الجيل القادم من التقنية اللاسلكية، بإفريقيا إلى عصر الإنترنت فائق السرعة. إليكم ما تحتاجون معرفته.
أُثيرَت ضجةٌ كبيرة على منصة تويتر هذا الأسبوع، بسبب الأخبار التي تفيد بأن شركة الاتصالات MTN بدأت اختبار شبكة إنترنت الجيل الخامس الهاتفية فائقة السرعة (5G) في نيجيريا، لأول مرة بغرب إفريقيا.
وبعد ظهور شبكة الجيل الخامس في أبوجا وكالابار، تخطط MTN لتجربة التقنية بعديد من المدن النيجيرية الأخرى خلال الفترة التجريبية الممتدة إلى ثلاثة أشهر.
وتأمل نيجيريا بدء إطلاق شبكة الجيل الخامس في المدن المحددة بحلول عام 2020، لتصبح واحدة من الدول الإفريقية القليلة التي أدخلت هذه التقنية الهاتفية الجديدة. تجري الغابون تجارب أيضاً، في حين توجد بجنوب إفريقيا وليسوتو شبكات صغيرة تعمل بالفعل.
ولكن ما كل هذه الضجة المثارة حول مدى استعداد إفريقيا لشبكات الجيل الخامس؟
ما هي شبكة الجيل الخامس؟
إنها الجيل الجديد من تقنية الإنترنت الهاتفي، وتأتي في أعقاب شبكة الجيل الرابع القياسية (4G LTE).
تعِد شبكات الجيل الخامس بسرعات تحميل وتنزيل أسرع بشكل فائق؛ سوف تفتح المواقع الإلكترونية في أجزاء ضئيلة من الثانية، وتنزيل مقاطع الفيديو سوف يستغرق ثواني بدلاً من دقائق.
كما تمتاز شبكة الجيل الخامس بانخفاض أو انعدام التأخير؛ ذلك التأخير المزعج الذي يتسبب في حدوث صدى وتأخير بمحادثات الفيديو أو في أثناء لعب ألعاب الفيديو عبر الإنترنت.
وقال مويوا ماتولوكو، رئيس تحرير Techpoint Africa، المنصة التي تهتم بالشؤون التقنية في نيجيريا، لإذاعة DW: "أعتقد أن شبكات الجيل الخامس لديها القدرة على تغيير الطريقة التي يعيش بها البشر بشكل كبير، بسبب انخفاض الوقت الذي ترسَل وتُستقبل فيه البيانات بشكل هائل. من منظورنا البشري، سوف يصبح الأمر مجرد إرسال وتسلُّم فوري للبيانات".
وأضاف ماتولوكو من لاغوس: "يمكننا أن نبدأ التفكير في كل الأمور التي يمكن استغلال تلك التقنية فيها، من الذكاء الصناعي والواقع الافتراضي والسيارات ذاتية القيادة أو الجراحات الطبية عن بُعد. لذا، أنا متحمس جداً لتلك التجارب".
كيف تعمل شبكة الجيل الخامس؟
تستخدم شبكة الجيل الخامس موجات الراديو لإرسال واستقبال البيانات بين الهوائي أو عمود الإشارة والهاتف، وتعتمد على ترددات راديو أعلى من التقنيات الهاتفية السابقة. ولكن هذه الترددات لا يمكنها الانتقال إلى مسافات أبعد من الترددات الأخرى، لذا تحتاج شبكات الجيل الخامس شبكة أكبر من المحطات الأرضية أو أعمدة الإشارة. ولذلك السبب، تلائم شبكات الجيل الخامس المناطق الحضرية كثيفة السكان بشكل أفضل، حيث يكون عديد من الأشخاص متصلين بالإنترنت في الوقت نفسه.
متى تصبح شبكات الجيل الخامس متاحةً في إفريقيا؟
لا يزال الوقت مبكراً. ليسوتو وجنوب إفريقيا هما الدولتان الوحيدتان في إفريقيا اللتان تُستَخدَم فيهما شبكات الجيل الخامس تجارياً، ولكن بخدمات محدودة جداً، ففي ليسوتو، لا تُستخدَم شبكات الجيل الخامس حتى الآن إلا بواسطة البنك المركزي وشركة التعدين.
وفي جنوب إفريقيا، تقدم شركة Rain شبكات الجيل الخامس إلى مجموعة محددة من العملاء في جوهانسبرغ وبريتوريا.
وفي تقرير أعدته GSMA عن شبكات الجيل الخامس بإفريقيا، تشير تقديرات منظمة التجارة العالمية لمشغلي خدمات الهواتف أن سبع دول إفريقية فقط، من بينها جنوب إفريقيا ونيجيريا وكينيا، ستكون لديها شبكات جيل خامس بحلول عام 2025. وسوف تمثل هذه النسبة 3% من البيانات الهاتفية مقارنة بنسبة 16% عالمياً.
وتفترض أن الشركات والهيئات العامة، وليس مستخدمو الهواتف العاديين، هم العملاء الأوَّلون لشبكات الجيل الخامس، وسوف يتمكنون من الوصول إلى شبكات الجيل الخامس من خلال نقطة وصول ثابتة، مثل نقطة اتصال 5G موجهة إلى الشركة أو المؤسسة، بدلاً من استخدام شبكات الجيل الخامس بمثابة خدمة هاتفية على الهواتف الذكية.
ما الذي يعيق الدول الإفريقية؟
لم تتوصل الحكومات الإفريقية بعد إلى صياغة اللوائح والأمور التنظيمية التي تتيح لها إصدار شبكات الجيل الخامس. بالإضافة لذلك، تواجه شركات الاتصالات مشكلات كبيرة تتعلق بتكلفة البنية التحتية الضخمة التي يحتاجونها، وأنهم غير واثقين بكيفية استعادة تلك الاستثمارات في المستقبل.
شركات الاتصالات في القارة لا يمكنها إطلاق خدمات 5G كاملة حتى تقيّم هيئة تنظيم الاتصالات في كل بلد "مزاد طيف" لبيع حقوق البث عبر ترددات محددة. (شركة Rain في جنوب إفريقيا تمكنت من تقديم خدمات 5G، لأنها تستخدم الطيف الحالي الموجود لبث الإشارة).
وتحتاج شركات الاتصالات بناء وتطوير شبكة هائلة من أعمدة الإشارة أو الهوائيات، لبث الإشارات.
بالنسبة لشركات الخدمات الهاتفية، ينطوي إطلاق خدمات شبكات الجيل الخامس على استثمارات باهظة، وفي إفريقيا، تظل الشركات غير واثقة بجدوى تلك الاستثمارات.
كما أوضح مويوا ماتولوكو قائلاً: "المشكلة في إفريقيا هي العميل"، حيث تمتلك القارة بالفعل فائضاً في تقنية شبكات الجيل الرابع (4G) لخدمات الإنترنت الهاتفية السريعة، بسبب عدم شراء المستخدم العادي لها، لأنها باهظة التكلفة.
في نيجيريا، على سبيل المثال، نحو 4% فقط من مستخدمي الإنترنت الهاتفي يدفعون مقابل خدمات الجيل الرابع، في حين يستخدم أكثر من 40% شبكات إنترنت الجيل الثالث (3G) الأرخص والأبطأ، رغم أن نيجيريا بها شبكة جيل رابع هائلة، والأمر نفسه يتكرر في معظم أنحاء إفريقيا.
إذا لم يكن المستخدمون في إفريقيا قادرين على تحمُّل تكلفة شبكات الجيل الرابع، فبالتأكيد لن يكونوا قادرين على الدفع مقابل خدمات شبكات الجيل الخامس، أو لشراء الأجهزة الأحدث المطلوبة لاستخدام شبكات الجيل الخامس على الهواتف الذكية.
بالنسبة لجيدي أوي، استشاري تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في لاغوس، هنا يأتي وقت تدخُّل الحكومات.
يقول أوي: "شبكات الجيل الخامس سوف تتطلب استثمارات هائلة في البنية التحتية. كيف ستتمكن من جذب هذا النوع من الاستثمارات من دون توفير الحماية لمن يستثمرون؟ تحتاج الحكومات إظهار الإرادة السياسية ودعمها الكامل لتلك الاستثمارات".
لماذا يجب أن تهتم إفريقيا بشبكات الجيل الخامس؟
يرى بعض التقنيين المتفائلين أن شبكات الجيل الخامس سوف تتيح لإفريقيا الوصول إلى الإنترنت بشكل أسرع وأكثر استقراراً دون الحاجة إلى مد أسلاك الألياف الضوئية التي تقدم خدمات الاتصالات واسعة النطاق عالية السرعة.
نصف تعداد سكان إفريقيا فقط هم من يعيشون في نطاق 25 كيلومتراً من شبكة الألياف الضوئية. في نيجيريا، تصل النسبة إلى أقل من 14%.
يقول ماتولوكو: "لذا بدلاً من الاستثمار في تمرير أسلاك الألياف الضوئية بعرض البلاد تحت الأرض، بإمكان الدول الإفريقية أن تستثمر في شبكات الجيل الخامس الجديدة، وهو ما يمثل قفزة هائلة في قابلية الوصول إلى الاتصالات عالية السرعة".
ويتخيل أيضاً أن تكون لشبكات الجيل الخامس فوائد هائلة في مجالات مثل الصحة، على هيئة الرعاية الطبية عن بُعد، والتعليم عن بعد.
مع توافر إمكانية إجراء المكالمات عبر الإنترنت بجودة أفضل وبتأخير أقل، سوف يصبح من الممكن إجراء الجراحات عن بُعد عن طريق اتصالات فيديو.
ويقول ماتولوكو: "وبالنسبة للتعليم، بإمكان شبكات الجيل الخامس تمكين البث المباشر لقاعات دراسة في الواقع الافتراضي. يمكنك أن تتخيل طلبة يمكنهم الجلوس أينما كانوا ويحضرون محاضرات في هارفارد من دون الحاجة إلى أن يكونوا هناك".
ألن تفوِّت إفريقيا الطفرة الرقمية؟
ليس بالضرورة، حيث إنه وفقاً لدراسة حديثة لـGSMA، قد تكون للفترة الزمنية التي تسبق انتشار شبكات الجيل الخامس على نطاق واسع، تأثيرات إيجابية على المنطقة.
قد يسمح ذلك بنضج وتطوّر تقنيات الجيل الخامس واختبارها في الأسواق المختلفة، وهو ما يتيح لإفريقيا تجنُّب الأخطاء التي قد تظهر بأماكن أخرى. ويمكن أن تستفيد القارة الإفريقية أيضاً إذا انخفضت أسعار الأجهزة والمعدات بمجرد أن يبدأ عدد أكبر من الدول حول العالم في إطلاق شبكات الجيل الخامس.