كشف تقرير جديد نشر الخميس، أن عمالقة التكنولوجيا الصينيين، ومن ضمنهم "بايت دانس" ByteDance، الشركة الأم لمنصة "تيك توك"، وشركة "هواوي" لتكنولوجيا الاتصالات، يعملون مباشرةً مع الحزب الشيوعي فيما يتعلق بمراقبة ورصد مسلمي الإيغور في إقليم شينجيانغ الواقع في غرب الصين.
ماذا يعني ذلك؟
تقول آنّا فيفيلد، مديرة مكتب بكين في صحيفة The Washington Post الأمريكية، إن هذا الدليل الجديد يدل على وجود روابط بين جهاز الأمن وأكبر شركات التكنولوجيا في الصين، بعد أيام قليلة من إغلاق منصة "تيك توك" لحسابِ فتاةٍ أمريكية سعت إلى تسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الصين في إقليم شينجيانغ، خلال ما يبدو للوهلة الأولى أنه مجرد مقطع فيديو للحديث عن أدوات تجميل.
غير أن "تيك توك" اضطرت إلى التراجع، بعد إدانة واسعة النطاق لفرض رقابة على مواطنة أمريكية، وأعادت تفعيل حساب فيروزا عزيز، وهي طالبة ثانوية تبلغ من العمر 17 عاماً، من ولاية نيوجيرسي.
ماذا يقول التقرير أيضاً؟
في تقرير مفصّل جديد، خلص خبراء في "المركز الدولي للسياسة السيبرانية" التابع لـ "معهد السياسات الاستراتيجية الأسترالي" (ASPI)، إلى أن عدداً كبيراً من شركات التكنولوجيا الصينية "مشتركة على نحوٍ عميق في سياسات غير أخلاقية تُمارس في إقليم شينجيانغ، إذ يدعم عملهم مباشرةً انتهاكات حقوق الإنسان الجماعية الجارية هناك ويعظّم من تمكينها".
يقول التقرير الذي كتبه كل من فيرغوس ريان ودانييل كايف وشيوشنغ شو، إن "بعض هذه الشركات تقود العالم في مجال التكنولوجيات المتطورة، ولاسيما في قطاعات الذكاء الاصطناعي والمراقبة الآلية. لكن هذا التطور التكنولوجي ينصبُّ على خدمة الاحتياجات السلطوية، ولما باتت هذه الشركات عالمية (وهو توسع غالباً ما تموله قروض ومساعدات صينية)، فإن هذه التكنولوجيا أصبحت تتقدم على مستوى عالمي أيضاً".
يقول التقرير أيضاً إن صناع السياسة الغربيين عليهم أن يقفوا أمام هذه التطورات وقفة للتأمل، ولبحث كيفية التعامل معها.
وبات القلق متصاعداً بين كثير من صناع السياسة الغربيين فيما يتعلق بالقدرات الكامنة الرهيبة، وما قد ينتج عن التطور الذي تشهده التكنولوجيا الصينية.
واشنطن متوجّسة
وأخذ أعضاء من الكونغرس الأمريكي يطالبون أجهزة الاستخبارات الأمريكية بتحديد ما إذا كان "تيك توك"، وهو تطبيق فيديوهات قصيرة يحظى بشعبية كبيرة في أوساط المراهقين، يشكّل مخاطر على الأمن القومي. وفي الوقت نفسه، أدرجت إدارة ترامب شركة هواوي ضمن القائمة السوداء للشركات المصدرة، خشية أن تتمكن الحكومة الصينية من خلالها من الوصول إلى معلومات وبيانات عبر تقنية الجيل الخامس الجديدة التي طورتها الشركة الصينية.
وفي حين أن هذه المخاوف تتعلق باستخدامات التكنولوجيا الصينية في الخارج، فإن تقرير المعهد الأسترالي يقول إن جهاز الأمن في الصين بات يستغلّ بالفعل قوةَ الابتكارات التكنولوجية المتنامية في البلاد، لمزيدٍ من التعزيز والتمكين من تحقيق أهدافه في الداخل.
ويتضح ذلك أكثر ما يتضح في منطقة شينجيانغ الغربية، إذ تحتجز الصين هناك نحو مليون مسلم إيغوري على الأقل في معسكراتٍ لإعادة التأهيل صُمّمت لانتزاع ثقافتهم ودينهم منهم، وإجبارهم على التشبه والاندماج في الأغلبيةِ الهانية في البلاد.
وأبرزت شهادات عدد كبير من الأشخاص الذين نجحوا في الهروب من الصين، علاوة على مجموعة من الوثائق المسربة، أن المعسكرات ليست بمراكز تدريب مهني كما أخذت الصين تقول.
الترويج لسياسات بكين حول شينجيانغ
يشير التقرير إلى أن شركة تيك توك أخذت في "التعاون" مع الحكومة الصينية لترويجِ ونشر دعايتها حول شينجيانغ.
بدأت شرطة شينجيانغ للإنترنت في العمل مع Douyin، وهو النسخة المحلية في الصين من تطبيق تيك توك، خلال العام الماضي، وعملت على بناء "نموذجٍ جديد للأمن العام والحوكمة الاجتماعية للإنترنت" في عام 2018. ثم في أبريل/نيسان، وقّع "مكتب الإعلام والدعاية" التابع لوزارة الأمن العام الصينية اتفاقيةَ تعاونٍ استراتيجي مع شركة "بايت دانس"، للعمل على تعزيز "تأثير ومصداقية" إدارات الشرطة على الصعيد الوطني، وفقاً لتقرير معهد السياسات الأسترالي.
يشير التقرير أيضاً إلى أن الاتفاقية تنصُّ على اتفاقٍ بأن توسّع "بايت دانس" من تعاونها مع الشرطة حتى على مستوى عدم اتصال المشتركين بشبكة الإنترنت (offline)، لكن تفاصيل هذا التعاون ليست واضحة.
على الجانب الآخر، قالت آنا وانغ، المتحدثة باسم شركة "بايت دانس"، إن أجهزة الأمن يمكنها الولوج إلى حسابات تطبيقات الوسائط الاجتماعية الخاصة بها، لكن الشركة "لا تنتج أو تشغّل أو تنشر أي منتجات أو خدمات متعلقة بالمراقبة".
وأضافت أن "تطبيق Douyin يتيح للأفراد والهيئات والمؤسسات، ومن ضمنها الجماعات المدنية ومجموعات إنفاذ القانون، إنشاء حسابات مستخدمين. ويُماثل هذا الإجراء ما تسمح به منصات تواصل اجتماعي في دول أخرى للهيئات المماثلة، ومن ضمنها الهيئات الشرطية ومجموعات إنفاذ القانون، بإنشاء حسابات لأغراضٍ مثل دعم تنبيهات منع الجرائم".
ما هو تطبيق "تيك توك"؟
أخذت شركة "بايت دانس" تشهد ازدهاراً كبيراً منذ العام الماضي. إذ تم تحميل تطبيق "تيك توك" الذي تملكه الشركة أكثر من مليار مرة، وقرابة 100 مليون منها في الولايات المتحدة وحدها، وبلغت القيمة السوقية رقماً مذهلاً وصل إلى نحو 75 مليار دولار.
إضافة إلى ذلك، تعاونت شركة ByteDance مع سلطات شينجيانغ بموجبِ برنامجٍ يطلق عليه "مساعدة شينجيانغ" Xinjiang Aid، تعمل الشركات الصينية خلاله على فتح فروعٍ أو مصانع لها في إقليم شينجيانغ وتوظّف مواطنين كانوا قد احتجزوا في المعسكرات الصينية. تتركز عمليات الشركة في "هوتان"، وهي بلدة تقع في منطقة شينجيانغ التي يعتبرها الحزب الشيوعي منطقةً متخلفة، وهي ذاتها التي شهدت أشد حملات القمع قسوة.
عملت شركة "بايت دانس" على توفير الدعم والمساعدة لسلطات شينجيانغ ومنافذها الإعلامية فيما يتعلق باستغلال تطبيق تجميع ومتابعة الأخبار لديها، إضافة إلى تطبيق Douyin، في "عرض وترويج صورة هوتان الجديدة"، وفقاً للتقرير.
في حين قالت المتحدثة باسم شركة "بايت دانس"، إن تطبيقات الشركة في هوتان مثل تطبيق Douyin وتطبيق Toutiao لتجميع ومتابعة الأخبار "تعمل على صعيد المساعي المتعلقة بتخفيف حدّة الفقر، في جهودٍ تماثل ما تقوم به الشركة في أنحاء أخرى مختلفة من الصين".
الحزب الشيوعي يُحكم سيطرته على مفاصل الشركة
كتب الباحثون في التقرير أن شركة "بايت دانس" عرضةً على نحوٍ لا مثيل له لاستغلال الحزب الشيوعي لها، بسبب علاقاتها الوثيقة بأجهزة الرقابة والتتبع في الدولة التي يحكم الحزب سيطرته على مفاصلها.
وعلى هذا النحو، يقول الباحثون إن "بكين أبدت نزوعاً كبيراً لفرض سيطرتها وتحكمها في سياسات وسائل الإعلام الصينية وتشكيل خطابها المتبع في الخارج. وقد أخذ الانتشار الهائل لتطبيق تيك توك يضع الحزب الشيوعي الآن في موقعٍ يتمكن من خلاله من السعي للقيام بالشيء ذاته إلى حدٍّ كبير، على مستوى منصةٍ ناطقة بلغات أخرى غير الصينية، بمساعدةِ خوارزميةٍ متقدمة مدعومة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي".
كانت وثائق مسربة كشفت سابقاً عن أن "بايت دانس" شرعت في رصد وتتبع محتوى الموضوعات التي لا توافق عليها الحكومة الصينية، ومن ضمنها تلك التي تتناول قضايا مثل مذبحة "ميدان السلام السماوي"، واستقلال التبت، والمجموعة الدينية المحظورة "فالون غونغ".
لهواوي قصة أخرى مع شينجيانغ
أما شركة هواوي، التي تخوض معركة وجودية مع إدارة ترامب، فثمة دليل يشير إلى عمل مكثف وتعاون مباشر بينها وبين أجهزة الأمن الصينية في شينجيانغ، ويشمل ذلك مساعدة السلطات هناك فيما يتعلق بتحقيق "متطلبات رقمنة البيانات والمعلومات" لصالح أغراض ومشروعات تابعة للأمن العام.
كان موقع إلكتروني تابع لإدارة شينجيانغ استعان بما قاله أحد مديري شركة هواوي العام الماضي، عن أن الشركة "من خلال التعاون مع مكتب الأمن العام، ستدخل عصراً جديداً من خدمات الشرطة الذكية، وتسهم في بناء مجتمعٍ أكثر أماناً وذكاءً".
وخلال توقيع إدارة الأمن العام في شينجيانغ اتفاقاً مع شركة هواوي لإنشاء مختبر ابتكارات خاص بـتطوير "أنظمة الأمن الذكي" في عاصمة الإقليم، مدينة أورومتشي، العام الماضي، قال مسؤول محلي إن شركة هواوي أخذت لفترةٍ طويلة توفّر "دعماً فنياً موثوقاً به" للوزارة، وفقاً لما جاء في التقرير.
وكانت هواوي شاركت أيضاً في تطوير برنامج يسمى "شينجيانغ آمنة" Safe Xinjiang، والذي يقول باحثو المعهد إنه عبارة عن "كود برمجي لنظام مراقبة تستخدمه الشرطة".
وبحسب ما ورد، فإن الشركة التكنولوجية العملاقة تولّت بناء منظومة المراقبة التي تستخدمها الشرطة في مقاطعتي كاراماي وكاشغر، والتي باتت بعد ذلك جزءاً أساسياً من نظام المراقبة الذي عمّم وانتشر في كل مكان في إقليم شينجيانغ.
في حين قال بيان صادر عن شركة هواوي إنها ترفض التعليق على برامج عملاء معينين لدى الشركة، لكنها تؤكد أن التقنيات التي تستخدمها تخضع وتلتزم بالقوانين التي يجري اتباعها في الأماكن التي تباع فيها منتجاتها. وأضاف البيان أن "هواوي لا تشرف على تشغيل أو إدارة شبكات أمنية لمدن نيابةً عن أي عملاء".
شركات التكنولوجيا الصينية أصبحت اليد الضاربة للدولة
على خلاف ذلك، يذهب التقرير إلى أن شركات التكنولوجيا "مرتبطة جوهرياً" بكثير من جوانب حملة القمع في شينجيانغ على الأقليات الدينية والعرقية في جميع أنحاء الإقليم، والتي شملت الاحتجاز التعسفي وممارسات العمل القسري والإخضاع لعمليات التلقين السياسي الإجباري في المنازل.
ويخلص التقرير إلى أن "شركات التكنولوجيا الصينية التي يتناولها التقرير تهيمن عليها بيئة تنظيمية مواتية للنظام بدرجة كبيرة، ولا تعبأ بمخاطر قضايا مثل الخصوصية وحقوق الإنسان. ويشارك كثير منها على نحوٍ عميق في سياسات غير أخلاقية يجري اتباعها في شينجيانغ، حيث يدعم عملها وتعاونها المباشر انتهاكات حقوق الإنسان الجماعية".