لأكثر من شهرين، منذ واقعة إطلاق حزب الله اللبناني صواريخ مضادة للدبابات على الحدود الإسرائيلية-اللبنانية بالقرب من قرية "أفيفيم" الزراعية، انخفض للغاية عدد التقارير بشأن ضربات إسرائيلية على أهداف على صِلة بإيران في القطاع الشمالي.
والأسبوع الماضي، بالتزامن مع اغتيال قائد في حركة الجهاد الإسلامي في غزة، ذكرت تقارير من دمشق تنفيذ محاولة فاشلة لاغتيال عضو بارز آخر في الحركة وهو أكرم العجوري. في الساعات الأولى من صباح الأربعاء 20 نوفمبر/تشرين الثاني، كانت إسرائيل استأنفت بالفعل هجومها بكامل قوتها: قصف سلاح الجو الإسرائيلي أكثر من 20 هدفاً إيرانياً وسورياً في دمشق وبمحيطها.
ما الذي حدث؟
تقول صحيفة Haaretz الإسرائيلية إنه في بداية الأسبوع، تعرضت قافلة مركبات تابعة لميليشيا شيعية تديرها إيران لهجوم في شرق سوريا. وجاء رد الفعل الإيراني على الواقعة في شكل إطلاق أربعة صواريخ صباح يوم الثلاثاء 19 نوفمبر/تشرين الثاني من جنوب دمشق باتجاه شمال هضبة الجولان، وقد اعترضتها بنجاح نظام القبة الحديدية الإسرائيلي. وبحلول فجر الأربعاء، قامت إسرائيل بتحركها بشن سلاح جوها هجوماً موسَّعاً.
تقول "هآرتس": لم تكن الغارة مصممة لإحباط بعض الهجمات الإيرانية الوشيكة، بل كانت جزءاً من جهد إسرائيلي طويل الأمد "لمنع إيران من تأسيس وجود عسكري على حدود إسرائيل". شملت الأهداف التي دكتها الضربات الإسرائيلية قاعدة عسكرية ومراكز للقيادة تتبع إيران وميليشيات شيعية، إضافة إلى مجمعات عسكرية سورية تستضيف تلك الميليشيات. ودمر سلاح الجو الإسرائيلي أيضاً بطاريات صواريخ أرض-جو كانت تستهدف طائرات إسرائيلية، تضيف الصحيفة ذاتها.
ماذا تستفيد إسرائيل من تصعيدها ضد إيران؟
هذه الحملة الموسعة، التي بدأت قبل نحو عامين، تشهد بعض "الكبوات والإنجازات". قصفت إسرائيل المنشآت الإيرانية وعتاد الحرب عدة مرات؛ في بعض الأحيان قُتل أعضاء من قوات الحرس الثوري الإيراني. أجبرت هذه الجهود الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس القوة الأعلى شأناً للحرس الثوري، على تغيير وتيرة وآلية نشر القوات والأسلحة في سوريا من وقت لآخر. لكن سليماني لم ينحرف أبداً عن هدفه. بل على العكس، قد يكون خمود النشاط الإسرائيلي خلال الشهرين الماضيين هو السبب في أن مناورة طهران في سوريا أضحت أسهل.
وفي ضوء هذا، فإن تصريح "وزير الدفاع الإسرائيلي" الجديد نفتالي بينيت بأن الغارة الليلية على سوريا تعطي رسالة مفادها أن "أي شخص يطلق النار على إسرائيل أثناء النهار لن ينام ليلاً" هو تصريح غامض، تقول هآرتس.
ففي الواقع، كان هناك أكثر من 10 وقائع لإطلاق صواريخ من سوريا في السنوات الأخيرة، وردت إسرائيل على كل تلك الصواريخ، لكن في بعضها، بالأخص في عملية "House of Cards" في مايو/أيار عام 2018، يبدو أنها هاجمت عدداً أكبر من الأهداف. أي شخص يختار نسيان هذه الحقيقة إما أنه نسى الأمر (وهذا غير معقول لأنها وقائع حديثة للغاية) أو أنه يحاول تغييرها.
وقال بينيت أيضاً: "الرسالة لقادة إيران بسيطة: لستم حصنين بعد الآن. أينما مددتم مخالبكم، سنقصها"، وأشار مصدر أمني رفيع أيضاً إلى أن الإيرانيين ربما قُتِلوا في الغارات الأخيرة في سوريا.
قد تكون اعتبارات إسرائيل في توجيه الضربات إلى الإيرانيين في سوريا، والتهديد العلني لقيادة طهران مرتبطةً بالمآزقِ التي وجدت الجمهورية الإسلامية نفسها واقعة فيها خلال الأسابيع الأخيرة. إذ علاوة على المظاهرات الحاشدة في العراق ولبنان، أخذت منظمات استخبارية غربية تتحدث بالفعل عن أن الاحتجاجات التي تشهدها إيران على ارتفاع أسعار الوقود تعد الأعنف والأكثر انتشاراً في أنحاء إيران منذ الثورة الإسلامية قبل 40 عاماً. وذكرت منظمة العفو الدولية يوم الثلاثاء أن أكثر من 100 إيراني قُتلوا في اشتباكات مع قوات الحكومة.
قيمة كبيرة لحكومة نتنياهو الآن، ولكن
تقول هآرتس: مع ذلك، فمن المشكوك فيه ما إذا كان اختيار توجيه الضربات إلى الإيرانيين علناً، أمراً حكيماً. فإيران، وخاصة سليماني، يفوقون الجميع في تنمية ضغائن طويلة الأجل وانتظار اللحظة المناسبة للرد. في حين أن بينيت، بوصفه وزير الدفاع الجديد القوي، يبني لنفسه صورة عامة جديدة، لا يمكن للوزراء الآخرين سوى أن يحلموا بها، حتى وإن كان يقوم بذلك لفترة محدودة من الزمن (على افتراض أن انتخابات جديدة ستُجرى، بحلول مايو/أيار أو يونيو/حزيران 2020، وحينها سيكون لإسرائيل وزير دفاع آخر).
يجدُر ببينيت ألا يقع متأثراً بالاحتضان الدافئ له من وسائل الإعلام أو الروابط الوثيقة التي يكونها مع المراتب العليا في مؤسسة الدفاع الإسرائيلية. ولديه عبرة في أفيغدور ليبرمان، الذي استقال من منصبه قبل عام، بعد أن أمسى ورقةً ممزقةً ومحروقة، بسبب تعهده المتسرع –بمجرد شغله المنصب- فيما يتعلق بمصير زعيم حماس إسماعيل هنية.
لم يتمكن ليبرمان من التعافي من ذلك سوى مؤخراً. وعادة ما يميل التملق التلقائي الذي يتلقاه أي وزير دفاع جديد إلى التراجع بعد أول خلل عسكري، أو أول جنازة عسكرية.
في هذه الأثناء، هناك لعبة سياسية أكبر تُلعب في الخلفية فيما يتعلق بمستقبل رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو. وصرح المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، هيداي زيلبرمان، للصحفيين يوم الأربعاء بأن العمل في سوريا كان عاجلاً وضرورياً بشكل قاطع. ويزعم مسؤولون إسرائيليون أن الضغط للتحرك بسرعة ضد الإيرانيين أتى من الأسفل إلى الأعلى، وهذا يعني أنه جاء من الرتب المحترفة [لا السياسية].
يركّز الجيش على نطاق اختصاصه، والذي يتعامل مع التهديدات الأمنية. ومع ذلك، فمن الصعب تجاهل القيمة التي يضيفها الأمر لصالح نتنياهو، الذي يقاتل الآن من أجل مسيرته السياسية، من خلال إملاء أجندة موجهة أمنياً خلال الأيام الأخيرة من التفويض المُجهَض الذي تلقاه زعيم حزب "أزرق أبيض" بيني غانتس، لتشكيل ائتلاف حكومي.
"إسرائيل ليست السعودية"
كان هناك حديث في الآونة الأخيرة عن محاولة إيرانية لإملاء "معادلة ردع" في مواجهة إسرائيل، والتي تنص على أن أي هجوم على هدف مرتبط بطهران وحلفائها في المنطقة سيؤدي إلى ضربة فورية على أهداف إسرائيلية.
وهذا ما كان يسعى سليماني إلى تأسيسه بإطلاق صواريخ على الجولان يوم الثلاثاء. لكن الهجمات الإسرائيلية التي شُنّت في ساعات الصباح الباكر من يوم الأربعاء تبعث برسالة معاكسة كما تقول هآرتس، مفادها:
أولاً: وقبل كل شيء، أن إسرائيل ليست السعودية، وأنها لن تغض الطرف عن أي هجوم ضدها، كما حدث بعد الهجوم الإيراني الضخم على منشآت النفط السعودية في منتصف سبتمبر/أيلول الماضي.
ثانياً: يجب على سليماني النظر في مشروعه الذي يهدف لبناء وتأسيس وجود تابع له على الحدود الإسرائيلية السورية، لأن إسرائيل تعتبر ذلك تجاوزاً لخط أحمر، ومن ثم ستواصل الرد بقوة ضده.
تضيف هآرتس: على الأرجح فإن إسرائيل تأمل أن تصل تلك الرسائل على خلفية الأزمة الداخلية الإيرانية على نحوٍ أفضل في طهران. ومع ذلك، فإن الفخاخ المعتادة، في الوقت نفسه، تكمن في انتظار المؤسسة السياسية وقوات الجيش: بعد مزيج التباهي بشأن الإنجازات والتفاؤل المفرط فيما يتعلق بالمستقبل. خلاصة القول هي أن إسرائيل يبدو أنها باتت متورطة في وضع إقليمي خطير يمكن أن تؤدي خطوة خاطئة فيه إلى تصعيد التوترات مع إيران ووكلائها، وهو ما قد يقود إلى حرب مباشرة.