متى يتوقف العالم عن استهلاك النفط؟، لا يبدو هذا أمراً قريباً ولكن السؤال الأدق والأكثر إلحاحاً بالنسبة للعالم العربي متى يصل العالم إلى ذروة استهلاكه للنفط؟
فرغم الخلاف بين المعنيين حول متى يصل العالم إلى ذروة استهلاكه للنفط؟، فإن اللافت أن المراجعات للتقديرات تميل إلى تقريب المدى الزمني لهذه اللحظة التاريخية التي سيتراجع فيها الطلب على النفط بسبب التطورات الهائلة الجارية في مجال صناعة السيارات الكهربائية تحديداً.
وبالتالي فإن العام المشؤوم بالنسبة للدول العربية ولاسيما دول الخليج يقترب أكثر مما كان مقدراً في السابق حسب ما ورد في تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية كتبه كل من جيس شانكليمان: المتخصصة في تغطية الشؤون الاقتصادية حالياً، وغرانت سميث: صحفي بيانات في وكالة Reuters، ومراسل في Bloomberg.
مدلول كلمة ذروة إنتاج النفط قد تغير
يدير العالم ظهره ليتخلى شيئاً فشيئاً عن النفط. لكن بأي سرعةٍ تجري هذه العملية؟.
إذ قد يعني التقدم التكنولوجي في مجال الطاقة المتجددة وانتشار السيارات الكهربائية، وتسارع الاعتماد على هذا الاتجاه بسبب تهديد التغير المناخي، بلوغَ العالم ذروة تعطُّشه للنفط التي يعقبها الانخفاض في وقتٍ أسرع بكثير مما كانت شركات مثل إكسون موبيل أو أرامكو السعودية تعقد الآمال عليه.
فقد تغير مدلول "ذروة إنتاج النفط" (Peak oil) أو الوقت الذي يبلغ فيه الإنتاج العالمي للنفط بناءً على الطلب حدَّه الأقصى ليبدأ بعده في الانخفاض، والذي كان عادة ما يشير إلى القلق من جفافِ آبار النفط وتوقف إمداداته يوماً ما، ليصبح معناه اليوم شيئاً مختلفاً تمام الاختلاف.
1- لماذا يعد مستقبل النفط موضعَ شكٍّ اليوم؟
يستهلك العالم 60 % من إنتاجه النفطي في أنشطة النقل. وهو في الوقت نفسه المجال الذي تجري فيه أكبر التطورات التقنية.
فالازدهار السريع الذي تشهده شركات صناعة السيارات الكهربائية مثل تسلا (.Tesla Inc) الأمريكية، وBYD الصينية قد يحفّزه ويزيد من تحسّنه بمعدلات أكبر بكثير التقدمُ في قطاعاتٍ مثل السيارات ذاتية القيادة وتطبيقات الراكب (ride-hailing apps)، والتي تتيح للناس الانتقال من امتلاك سيارات خاصة إلى الاعتماد أكثر فأكثر على أساطيلِ سيارات أكثر كفاءة للتنقل.
كذلك قد يحوّل بلوغ هذه الاتجاهات أوج تصاعدها الطرقَ التي يسافر الناس من خلالها، ويدفع إلى إجراء مزيدٍ من المراجعات فيما يتعلق بالتنبؤات حول متى سيبلغ استهلاك النفط ذروته. إذ حتى أرامكو، التي اعتادت التقليل من احتماليةِ حدوث ذروة الطلب على النفط في وقتٍ قريب، ها هي تشير الآن إليه بوصفه عاملَ خطرٍ في بيانها التمهيدي للاكتتاب العام الأولي لعام 2019، الذي تنوي إجراءه على جزءٍ من أسهمها.
2- هل ينفد النفط من العالم؟
لا. فذروة النفط التي يجري الحديث عنها اليوم تختلف تماماً عن المفهوم الذي ظهر في خمسينيات القرن الماضي، عندما تنبأ ماريون كينغ هوبرت، عالم الجيولوجيا في شركة Dutch Shell Plc، بأن إنتاج النفط في الولايات المتحدة سيصل إلى ذروته في سبعينيات القرن العشرين، وأن النفط سينفد من العالم فعلياً. غير أن هذا لم يحدث، والاكتشافات الجديدة وتزايد معدلات الكفاءة في إنتاج الحقول الموجودة حالياً يعني أن إمدادات النفط ستتواصل وتتعزز لفترةٍ طويلة قادمة.
ومن ثم أخذت المناقشات تتغير لتدور بدلاً من ذلك حول ذروة الطلب، أو ما إذا كان الناس ببساطة سيتجهون إلى اعتمادٍ أقل على النفط، وبالتالي ينتهي الحال بالاحتياطات التي تعد ذات قيمةٍ اليوم فاقدةً لقيمتها ومتروكةً دون استخراج.
3- ماذا يقول الخبراء عن لحظة تراجع الطلب على النفط؟
كانت التوقعات بشأن زيادة الطلب على النفط على المدى الطويل قد أخذت تنخفض. إذ تتوقع "الوكالة الدولية للطاقة" أن الاستهلاك سيصل إلى مرحلة من الاستقرار بحلول عام 2030، وسط اعتمادٍ متزايد على محركات سيارات أكثر كفاءة، إضافة إلى السيارات الكهربائية.
تشهد مجالات الطاقة المتجددة انطلاقةً كبيرة، وقد أخذت الشركات التي تعتمد على الكهرباء تتحول شيئاً فشيئاً للاعتماد على الغاز الطبيعي، وانخفضت تكلفة الطاقة الشمسية بنسبة 50% خلال عقدٍ واحد. ومن ثمّ أخذ كل ذلك يقود إلى نهاية نموذج التشغيل المرافق القديم ليصبح الاعتماد أكثر على مصادر أخرى غير تلك التي صُمّمت لتوفير طاقة الوقود من محطات الطاقة الكبيرة إلى المنازل والشركات.
4- هل وصول الاعتماد على النفط إلى ذروته ثم الانخفاض أمر جيد بالنسبة للعالم؟
نعم. للحدِّ من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى "أقل بكثير" من 2 درجة مئوية سيليزية (3.6 درجة فهرنهايت)، وهو الهدف الذي سبق أن عيّنه "اتفاق باريس للمناخ" الذي رعته الأمم المتحدة، إذ تتوقع الوكالة الدولية للطاقة أن الطلب على النفط سيتصاعد ليصل إلى ذروته خلال السنوات القليلة المقبلة ثم ينخفض بشدة. لكنَّ هذا الآن يبدو غير محتمل الحدوث في وقت قريب: فسيناريو الوكالة بشأن الطلب على النفط لا يزال يرى أن استخدام النفط يتوسع حتى نهاية العقد المقبل.
5- إذاً متى سيصل الطلب على النفط إلى ذروته ليبدأ الانخفاض بعدها؟
هناك مدى زمني يراوح 20 عاماً بين أبكر موعد تتحدث عنه التوقعات وآخر موعدٍ.
وتستند أكثر تلك التوقعات ميلاً إلى انتهاء الاعتماد على النفط في أسرع وقت، في المقام الأول إلى أن التوسع السريع في مجال السيارات الكهربائية، وتحسين كفاءة الطاقة، وتغيير سياسات الاستخدام للحدِّ من انبعاثات غازات الدفيئة.
قاد هذا السيناريو شركة Equinor ASA وبعض المتنبئين بالوصول إلى ذروة إنتاج النفط بأن الطلب على النفط قد يبلغ ذروته بمجرد حلول عشرينيات هذا القرن.
في حين قال بن فان بيوردن، الرئيس التنفيذي لشركة Shell، في عام 2017، إنه إذا أصبحت السيارات الكهربائية منتشرة حقاً، فقد يصل الطلب على النفط إلى ذروته في غضون 15 عاماً.
وذهب آندي هول تاجر النفط الأسطوري في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، إلى أن ذروة الطلب قد تأتي بحلول عام 2030.
6- هل جميع شركات النفط لديها الرأي نفسه؟، وماذا قالت أرامكو؟
لا. يذهب كثير منها إلى أن ذروة الطلب ستكون بحلول عام 2040. ويقول آخرون، منهم إكسون موبيل وأرامكو، إن صناعة إنتاج النفط لديهم ستحظى بعشرات السنين من النمو لأنها تغذي احتياجات الطاقة للطبقة المتوسطة الآخذة في التوسع في العالم.
لكن أرامكو السعودية المملوكة للدولة، مستشهدة بأبحاث خارجية من شركة IHS Markit، أقرت أيضاً باحتمالية الوصول إلى ذروة الطلب خلال العقدين القادمين، في بيانها التمهيدي للاكتتاب العام الأولي على جزء من أسهم أرامكو، والذي تذهب توقعات إلى أنه سيكون الأكبر في التاريخ.
ويعد هذا التوقع أقل تفاؤلاً من معظم تقديرات الشركات النفطية الآخرى.
وتستند "أوبك"، المنظمة التي يهيمن عليها منتجون للنفط من الشرق الأوسط، في خططها إلى استمرار الزيادة في معدلات استهلاك النفط لمدة عقدين آخرين على الأقل. وعندما يأتي وقت فعلاً تبلغ الحاجة إلى النفط ذروتها، فمن المحتمل أن تستقر على هذا المستوى المرتفع من الطلب بدلاً من أن تنخفض بشدة.
7- لماذا تشهد التنبؤات والتوقعات مثل تلك الاختلافات فيما بينها؟
هناك نقاش محتدم حول مدى السرعة التي قد تبلغها السيارات الكهربائية. ويمكن أن يتيح انخفاض تكاليف البطاريات جعلَها في متناول الجميع مثل سيارات محرك الاحتراق الداخلي، على مدار السنوات العشر المقبلة، وفقاً لـ Bloomberg New Energy Finance.
وفي الوقت نفسه، تخطط بعض أكبر أسواق السيارات في العالم للتخلص التدريجي من المركبات التي تعمل بالوقود الأحفوري، لتنقية الهواء من عوادمها.
فقد تعهدت الهند مثلاً في عام 2017، بأن كافة مبيعات السيارات الجديدة ستكون للسيارات الكهربائية فقط بحلول عام 2030، لكنها خفّضت هدفها منذ ذلك الحين إلى نحو 30 %. كذلك ترمي الصين إلى رفع مبيعات السيارات الكهربائية لتبلغ نسبة 60% من السيارات المباعة بحلول عام 2035.
وستحظر كل من فرنسا والمملكة المتحدة بيع السيارات التي تعمل بالديزل والبنزين بحلول عام 2040. ومع ذلك فإن تأثير الولايات المتحدة قد يطيح الأهداف كلها لأن الرئيس دونالد ترامب يعطل المساعي المبذولة لمعالجة ظاهرة الاحتباس الحراري.
8- ما هو القادم بالنسبة لشركات النفط؟، ومتى يتوقف العالم عن استهلاك النفط؟
لن يتوقف العالم عن استهلاك في المدى المنظور ولكن المشكلة في تراجع الاستهلاك بحيث سيصبح هناك فائض في العرض قد يخفض أسعار النفط.
وتعمل كثير منها على تسريع مساعيها الرامية إلى التنويع والاستثمار أكثر في الغاز الطبيعي والتقنيات الأنظف مثل خلايا الوقود الهيدروجيني.
تقوم هذه الشركات أيضاً بعمل ضخم في مجالات الاستخدامات غير المتعلقة بالطاقة من الخام، وتحويله إلى مواد كيميائية تستخدم في كل شيء من البلاستيك إلى الأسمدة.
ومع ذلك، فإن وصول الطلب على النفط إلى ذروته لا يزال مصدر قلق، لأن الأمر قد يستغرق عقداً من الزمان أو أكثر لمشروعات التنقيب عن النفط، وبتكلفة تصل إلى مليارات الدولارات، حتى تؤتي ثمارها.
إذ تواجه شركات النفط خطر خسارة 2.3 مليار دولار من الاستثمارات هدراً إذا انخفض الطلب على النفط في وقت أبكر مما كان متوقعاً، وفقاً لتقرير صدر في عام 2017، من مركز أبحاث Carbon Tracker. وهي المشكلة التي تسمى في بعض الأحيان أيضاً بمشكلة الأصول المعطَّلة/العالقة (stranded assets).
9- ماذا عن شركات السيارات؟
إنهم يستعدون بشراسة لهذا التحول. فقد وفّرت "فولفو" من جميع الطرز الجديدة التي أطلقتها في عام 2019، إصدارات كهربائية للسيارات ذاتها، في حين تسعى "فولكس فاغن" إلى أن تكون 25% من مبيعاتها سيارات كهربائية بحلول عام 2025. وترمي "دايملر" و"بي إم دبليو" إلى الوصول إلى أن تصبح 15% إلى 25% من مبيعاتها سيارات كهربائية بحلول عام 2025.
10- ماذا سيحدث للبلدان التي تعتمد على عائدات النفط؟
هذا مجهول إلى حد كبير. إذ قد تجري اضطرابات واسعة النطاق إثر وصول الطلب على النفط إلى ذروته وانخفاضه بعد ذلك في ما يسمى بالدول النفطية التي تعتمد على عائدات النفط للحفاظ على الوضع المالي للحكومة.
وها هي السعودية تُخصخص أرامكو جزئياً وتعرض جزءاً من أسهمها للبيع للمساعدة في تمويل اقتصادها لمرحلة ما بعد الاعتماد على الصناعات الهيدروكربونية. في حين أن دولاً نفطية أخرى، مثل روسيا وفنزويلا ونيجيريا، لم تضع خططاً بعد لمرحلة ما بعد بلوغ الطلب على النفط ذروته التي يعقبها الانخفاض.