اجتماع عاصف لقيادات الطائفة السنية في لبنان كان وراء الإطاحة بفرص ترشح محمد الصفدي لرئاسة الحكومة بعدما وافق زعيم تيار المستقبل سعد الحريري على تكليفه، في هذا التقرير نقدم لك إجابة السؤال الأكثر إلحاحاً في لبنان حالياً: لماذا غيَّر الحريري موقفه من ترشيح الصفدي لرئاسة الحكومة اللبنانية؟
"عربي بوست" وصلت إلى بعض الحلقات المفقودة التي تفسر لغز تسمية الصفدي لرئاسة الحكومة وقبول الحريري به وتسريب التسمية التي جوبهت برفض شديد سواء من قِبَل الحراك أو من الشارع السني، فتحول الصفدي للرجل المنبوذ من الثورة وطائفته على السواء، حتى إنه أصدر بياناً يعتذر فيها عن التكليف ويرشح الحريري لهذه المهمة!
وكشفت مصادر خاصة لـ "عربي بوست" مَن أسقط تسمية الصفدي ومن ثم حرق اسمه في الشارع.
مَن كان وراء ترشح محمد الصفدي؟
قالت المصادر إن تسمية الصفدي جاءت بعد اقتراح الوزير جبران باسيل له على المعاون السياسي لأمين عام حزب الله حسين الخليل والمعاون السياسي للرئيس نبيه بري الوزير علي حسن خليل واللذين بعد لقائهما بباسيل توجّها لبيت الوسط لاقتراح اسم الصفدي على الحريري، بعد تعذر قبول الحريري بتشكيل حكومة سياسية وإصرار باسيل على بقائه في الحكومة.
وخلال اللقاء وافق الحريري على المقترح وجرى اتصال بينه وبين الصفدي لترتيب اتفاق على شكل المرحلة المقبلة.
وطلب الصفدي حينها من الحريري تأمين غطاء سُني ابتداء بمباركة مفتي الجمهورية عبداللطيف دريان له وصدور تسميته بداية من كتلة المستقبل التي يتزعمها الحريري، وهذا ما اقترحه باسيل على الخليلين (ممثلي حزب الله وأمل) بضرورة مبايعة كتلة المستقبل والمفتي لتسمية الصفدي، ما يؤمن مروحة سُنية لمرحلة جديدة يقودها الصفدي.
لماذا غيَّر الحريري موقفه من ترشيح الصفدي لرئاسة الحكومة اللبنانية؟
تشير المصادر إلى أنه وبعد تسرُّب خبر تسمية الصفدي من قِبَل باسيل لروؤساء الحكومات السابقين (فؤاد السنيورة – نجيب ميقاتي – تمام سلام) هبط الثلاثة بوقت متأخر إلى بيت الوسط لإثناء الحريري عن إكمال هذه المبادرة، التي اعتبرها الثلاثة أنها تعني سيطرة باسيل وحزب الله على آخر مفاصل الدولة.
وجرى خلال اللقاء المسائي نقاش حاد بين الحريري والرؤساء الثلاثة.
وهنا وبحسب ما أشار إليه المصدر، فإن السنيورة تكفل بإنهاء هذا النقاش باقتراح عقد اجتماع لرؤساء الحكومات السابقين يخرج منه بيان يرفض تسمية أي شخصية لرئاسة الحكومة غير الحريري، وأنه سيطلب من مفتي البلاد عدم مباركة أي تسمية سوى الحريري.
والسنيورة قيادي كبير في تيار المستقبل ويعد واحداً من أبرز رموز الطائفة السنية والنظام الطائفي اللبناني، يوصف بأنه مخضرم في مجال الاقتصاد والسياسة، وقد جرى استدعاؤه مؤخراً لسؤاله عن ملابسات إنفاق الأموال في ظل بعض الحكومات التي ترأسها، ورغم أنه مكروه من قِبَل الحراك ولا يتمتع بشعبية كبيرة في الطائفة السنية كالحريري، إلا أنه يظل واحداً من أذكى رموز النظام اللبناني برمته وأكثرهم دراية بخبايا الاقتصاد والسياسة في البلاد.
وعلى المستوى الشعبي، قال السنيورة إن الناس لن تقبل بتسمية الصفدي لما يمثله من خلاف حول أدائه السياسي والشبهات التي تدور حوله، وهذا ما بدا جلياً في استخراج ملفات الفساد المتعلقة بالأملاك البحرية، والتي يضع الصفدي يديه عليها منذ عقود، والتي اضطرت المدعي العام المالي علي ابراهيم لاستدعائه واستجوابه ضمن حملة يشنها إبراهيم لمكافحة الفساد، كما يقول.
رفض شعبي عزَّزه موقف باسيل
ورغم أن الرفض للصفدي كان متوقعاً وطبيعياً من الشارع الذي يريد إسقاط النخب القديمة، ولكن هذا الرفض قد زادته التصريحات التي أطلقها وزير الخارجية جبران باسيل، صهر الرئيس عون، إذ بدا من حديث باسيل أن طرح اسم الصفدي هو من بنات أفكاره، وتحدث عن الإجراءات المرتبطة بالتكليف كأنه الرئيس.
علماً أن باسيل هو أكثر شخصية مرفوضة من الحراك اللبناني ومن الشارع اللبناني برمته، ويعد إخراجه من الحكومة مطلباً واضحاً من النشطاء.
لاحقاً، أوضح المكتب الإعلامي لباسيل، أن ما ورد منسوباً له من تصريحات أثارت الغضب الشعبي لم يكن نتيجة تصريح أعطاه، بل نتيجة دردشة صحفية حول الأوضاع، وبالتالي فإن ما ورد يفتقد إلى كثير من الدقة في العناوين والتفاصيل"، حسب قول مكتبه الإعلامي.
في المقابل، علق مصدر سياسي مقرب من تيار المستقبل على تصريحات باسيل بأن الأخير "حدد موعد الاستشارات قبل أن يحددها رئيس الجمهورية.. وأعلن أنّ التشكيل سيتم سريعاً"، مشيراً إلى أن باسيل "يحاول ترميم وضعه على حساب صلاحيات الآخرين، وإذا أراد فعلاً أن يقدم خدمة للعهد ورئاسة الجمهورية ينبغي أن يطلب إجازة من الكلام".
مرشح عون الدائم
ويرى الصحفي والمحلل السياسي مصطفى العويك أن الصفدي لا يخفي علاقته المتينة مع رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره الوزير جبران باسيل، وهذا ما جعل الصفدي مرشح عون وباسيل المفضل عند كل استحقاق يمر به لبنان، وخاصة عند الاستقالة المفاجئة التي قدمها الحريري لدى احتجازه بالسعودية نهاية عام 2017 والتي كانت ستؤدي لذهاب عون في اتجاه خيار الصفدي لولا رفض حزب الله للمقترح.
كما استخدم عون وباسيل فزاعة الصفدي عند تعثر تشكيل الحكومة الأخيرة بسبب رفض الحريري توزير سنة حزب الله من حصته.
الحريري أصبح في موقف أقوى.. وهؤلاء هم مرشحوه للحكومة
وشدد العويك على أن خيار الحريري الواضح حالياً هو تشكيل حكومة تكنوقراط، وأنه غير متمسك برئاستها، بدليل أنه اقترح مجموعة أسماء لتشكيلها على الفرقاء وهم نواف سلام ووليد علم الدين، لكن هذه التسمية اصطدمت برفض حزب الله لقناعة الحزب بارتباط هذه الأسماء بعلاقات ومصالح مع الإدارة الأمريكية.
وبحسب العويك، فإن موقف الرؤساء الثلاثة والبيان الصادر عنهم ساهم بتراجع خيار الصفدي، بالإضافة لردة فعل الشارع الرافضة للصفدي لكونه جزءاً من السلطة السياسية المتعاقبة على إدارة البلد.
وحول مستقبل تشكيل الحكومة العتيدة، يقول العويك إنه لا حكومة في القريب العاجل؛ لأن لبنان دخل دوامة الفراغ والمجهول نتيجة الظروف الداخلية والتحولات الإقليمية المحيطة، وإن العهد سقط سقوطاً مدوياً في الشارع، ولا رجعة إلى الوراء بعد اليوم.
وذكر مصدر مقرب من تيار المستقبل لـ"عربي بوست" أن الاتصالات مقطوعة بين التيار وبين باسيل وحزب الله منذ سقوط مقترح تسمية الصفدي، ما يؤكد فرضية تأخير الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة والتي من الواجب الدستوري الدعوة إليها من قبل الرئيس.
لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
توافق « عربي بوست » أحياناً على عدم التعريف بأسماء مصادر تقدم معلومات حساسة لقرائنا. وبموجب إرشادات الموقع، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر وذات مصداقية، وأننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، وبعضهم يتساءلون ما إذا كانت هذه المصادر موجودة أصلاً. لكن لدينا قواعد وإجراءات لمحاولة معالجة هذه المخاوف.
فبالإضافة إلى المراسل، يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر. ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم أو من ينوب عنه قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. وعندما تكون القصة مبنية على معلومة مركزية من مصدر مجهول، فيجب الموافقة عليها بشكل عام من قبل رئيس التحرير.
نحن نتفهم حذر القراء، ولكن لا يمكن أبداً الحصول على المعلومات حول العديد من القصص المهمة في مجالات حساسة، مثل السياسة والأمن القومي والأعمال، إذا استبعدنا المصادر غير المعرّفة. فالمصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية. حتى في بعض الأحيان من أجل سلامتها.
يعتقد بعض القراء أن المصادر تكون أكثر صدقاً إذا تم نشر أسمائها، ومن غير المرجح أن يكذبوا إذا تم الكشف عن هويتهم. إلا أن المراسلين في العديد من المناطق يعرفون أن العكس هو الصحيح. فالمصادر في المناصب الحساسة غالباً ما سيتحدثون ببساطة بحسب التوجهات الرسمية. وسيكونون صريحين فقط إذا كانوا يعرفون أن أسماءهم لن يتم الكشف عنها.