لم أفكر يوماً بصعود قمة جبل ولم أضعها في أي من خططي، وعندما طرأت الفكرة لي نفذتها وصعدت إلى قمة أعلى جبل في مصر بارتفاع 2629 متراً، وهو جبل سانت كاترين أو جبل طور سيناء كما ذكر في القرآن الكريم، كنت في حاجة لفعل أي شيء مجنون ومختلف عن عاداتي وأن أختبر قدرتي قبل أي شيء.
قبل السفر أخبرتني فريدة منظمة الرحلة والتي استضافتني في بيتها في سانت كاترين، أن الحياة في كاترين بسيطة والطبيعة الصحراوية هناك سوف تعجبني، لكن عندما ذهبت اكتشفت أن الحياة هناك أبسط بكثير مما تخيلت، لدرجة أنني عندما وصلت توقعت أني وصلت لقرية تابعة لكاترين وسوف نذهب للمدينة بمواصلة أخرى.. فأخبروني أنني في المدينة نفسها، كاترين محمية طبيعية محافظة على طبيعتها من جبال وطيور وحيوانات، وأيضاً الإنسان مازال هناك على فطرته وأصالته ستجده كريماً ومضيافاً ويحترم العادات والتقاليد، أهل كاترين قبائل بدوية أقدمهم قبيلة الجبالية، غير أنها تعتبر متحفاً دينياً مفتوحاً مليئاً بالكثير من الأماكن المقدسة ومر بها الكثير من الأنبياء، ومن المعالم الدينية بها البئر التي سقى منها سيدنا موسى لبنات سيدنا شعيب وشجرة العليقة موجودتان بدير سانت كاترين، وجبل التجلي وجبل موسى وفرشة إلياس وقبر النبي هارون وعجل بني إسرائيل الذي نحتت صورته على جبل الصفصاف عندما أخذه سيدنا موسى وألقى به على الجبل فتشكلت معالمه على الجبل، هذا ما حكي لي ولا أعرف مدى صدق هذه الحكاية.
بدأنا صعود جبل كاترين يوم 16 يوليو الساعة الثامنة والنصف صباحاً، وطبعاً أخذنا استراحات كثيرة في الطريق، شعرت أثناء الصعود بنعمة البصر بشكل قوي أن الله أعطاني فرصة أن أرى كل هذا الجمال، لكن اكتشفت أن هناك أناساً يصعدون لكن لا يقدرون نعمة ما يرون وبعضهم يقول كما أخبرني عم فرج الدليل إن بعض من يأتون عندما يصلون الى القمة ويرون شروق أو غروب الشمس يقولون "منا كان ممكن أقف في بلكونة بيتنا وأشوف شروق الشمس من هناك بدل التعب دا كله"، لم يشعر بمتعة الصعود ورؤية شيء مختلف ولا قيمة تجربة جديدة!
وصلنا للقمة في الرابعة مساءً وشاهدنا غروب الشمس وبزوغ القمر وهو في طور البدر، ومن حسن حظي كانت ليلة الخسوف الجزئي للقمر ولأول مرة أرى هذا الجمال، السماء من فوق أجمل وعلى الرغم من ذلك فقد جذبتني النجوم أكثر من القمر حاولت أن أصور الخسوف كحدث لا يتكرر كثيراً ولكن كاميرا الموبايل لم تساعدني فاكتفيت بمتعة الرؤية، بتنا ليلتنا وبدأنا في الهبوط في السابعة والنصف صباحاً ووصلنا في الواحدة ظهراً، الهبوط أسهل كثيراً ولم نحتج إلى أخذ استراحات كثيرة في الطريق.
نأتي إلى ما تحتاجه لصعود جبل سانت كاترين:
1- أولاً وقبل أي شيء يكون عندك لياقة بدنية وتكون معتاداً على المشي الكثير.
2- حذاء رياضي به بروز من الأسفل.
3- ملابس مريحة ومناسبة لك.
4- المياه شيء أساسي معك "أسعار المياه هناك في السوبر ماركت زي القاهرة وليست غالية كما هو شائع".
5- جاكت سوف تحتاجه عند وصولك القمة لبرودة الجو.
6- شيكولاته وسناكس للطريق، الحلويات سوف تمدك بالحرارة والطاقة التي يحتاجها جسدك، أما الوجبات الرئيسية سوف يتكفل بها الدليل وستأكل أجمل طعام مطهي على الحطب.
7- من الأفضل أن يكون معك أو توفره الشركة التي ذهبت معها sleep suit لتنام فيها.
8- يفضل البعض الصعود في الليل لكن الأفضل الصعود في النهار لكي ترى جمال الطبيعة وهدوءها وهيبتها، وعظمة الجبال من حولك وتستشعر قول الله عز وجل "وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ"، فقد تمتعت برؤية المناظر الطبيعية والطيور والثعالب وأيضاً الفئران البرية والجمال التي ترعى في الجبل لكن لم أصادف للأسف غزالاً برياً ولا حماراً وحشياً، لكن من يصعد في الليل يفوته كل هذا.
لكن لأني لدي حساسية في التنفس أود أن أوضح بعض التحذيرات لمن يعانون مشاكل في التنفس، الهواء هناك جاف جداً وعند بداية الصعود شعرت بحرقان شديد في أنفي وأيضاً بتعب في جسمي من الصعود، أخبرني عم الدليل أن أتحمل قليلاً وسوف أعتاد على الهواء الجاف ويتعود جسدي على حركة الصعود، ولأني لا أستسلم بسهولة قررت أن أصمد وأتحمل، وفعلاً خف الحرقان في منتصف الطريق وشعرت بنشاط وحركة في جسدي، لكن هناك نقطة ثانية مهمة الأكسجين فوق قليل، وأيضاً تزداد المخاطر في الشتاء نعم المتعة أكبر لكن المخاطر أشد، لكن الحقيقة أفكر في زيارة كاترين أثناء سقوط الجليد.
ولأن لكل تجربة ضريبة ولا توجد متعة كاملة فقد ارتفعت حرارتي أثناء الليل ولم أستطع النوم إلا الفجر استيقظت في السادسة والنصف صباحاً ولم أتمكن من رؤية الشروق، لكن ما إن توضأت وصليت بدأت حرارتي بالانخفاض حتى عادت طبيعية، وختمت معي بسقوطي على حجر كبير من الغرانيت لكن من ستر الله لم أتعرض لكسر لم يحدث سوى كدمة شديدة في رجلي وجرح بسيط في يدي.
أما ما عرفته عن ثقافة أهل كاترين خلال الأربعة أيام مدة إقامتي هناك، البيوت من دور واحد وتتخذ الطابع البيئي في بنائها، سمك جدار البيت حوالي 40 سم، يتم بناء الجدار من الطوب الأحمر ثم يتم تجليده من الحجر ليحميهم من برودة الشتاء القارسة، وأن المرأة لا ترث في الأرض أو في البيت لكن ميراثها هو عدد رؤوس الأغنام التي ترعاها وأشغالها اليدوية من النمنم "الخرز"، أما الرجال فيعملون أدلاء أو في أعمال الحرفية مثل النجارة أو التصليح الكهربائي، متطلبات الزواج هناك بسيطة تعتمد على الضروريات فقط، أما الزراعة فهي شجرية لطبيعة الصحراء وقلة المياه التي يعتمدون عليها من الأبار، وأغلبها شجر الزيتون واللوز وبجانبها توابل مثل الزعتر والروز ماري والحبق، وهذه التوابل جعلت لطعامهم مذاقاً خاصاً.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.