بالرغم مما تحمله الأساطير الإغريقية من خرافات، فإننا لا نستطيع أن ننكر أنها قصص ممتعة، تحلّى أولئك الذين ألفوها بمخيلة خصبة جداً ولو أنهم افتقروا إلى مهارات الإقناع والالتزام بالمنطق، فإذا كنتم من محبي القصص الخيالية والأساطير تعالوا نروِ لكم قصة بروميثيوس سارق النار.
قصة بروميثيوس.. سارق النار
كان بروميثيوس واحداً من حكماء التايتن، ولمن لا يعرفهم فهم عرق من الآلهة الأقوياء الجبابرة الذين حكموا الأرض خلال العصر الأسطوري الذهبي، بحسب الميثيولوجيا الإغريقية.
ومعنى اسم بروميثيوس "بعيد النظر"، إذ كان بروميثيوس قادراً على رؤية المستقبل والتنبؤ به، ربما كان هذا السبب الذي جعل بروميثيوس يقف إلى جانب زيوس (أبو الآلهة) في حربه ضد والده كرونوس ومناصريه من التيتان، فقد علم بروميثيوس أن النصر سيكون حليفاً لزيوس في النهاية.
وبعد أن انتصر زيوس كافأ بروميثيوس لوقوفه إلى جانبه في الحرب بأن جعله مستشاره الخاص، كما عهد إليه وإلى أخيه إبيمثيوس تشكيل الحيوانات والبشر.
بروميثيوس يشفق على البشر
أنجز إبيمثيوس مهمة تشكيل الحيوانات بسرعة، بينما كان بروميثيوس الذي تولى تشكيل البشر أكثر بطءاً رغبة منه بإتقان ما يصنع.
لكن في هذه الأثناء استنفد أخوه أغلب الموارد في صنع الحيوانات، بحسب ما تقول الأسطورة، فأعطاهم سرعة العدو والرؤية عن بعد وحدة السمع، كما أعطاهم رداء من الفراء ليدفئهم من البرد، ومختلف الأسلحه للدفاع عن أنفسهم مثل القرون والأنياب ولم يبق شيء للإنسان.
فأشفق بروميثيوس على البشر ولجأ إلى زيوس كبير الآلهة طالباً منه المزيد من المعدات، إلا أن زيوس رفض ذلك فقد كان يريد أن يبقى البشر ضعفاء كي لا يتحدوه في يوم من الأيام.
بروميثيوس يسرق المواهب للبشر
عندما فشل بروميثيوس من أخذ أي معدات من زيوس قرر اللجوء إلى السرقة، فقد أحب البشر كثيراً وأراد لهم أن يتفقوا على مخلوقات أخيه.
فلجأ بروميثيوس إلى السرقة، فسرق العطايا والهبات من آلهة الأوليمب هيفاستوس وأثينا وغيرها، مقدماً للبشر فنون العمارة والبناء والنجارة واستخراج المعادن وعلم الفلك وتحديد الفصول والأرقام والحروف الهجائية.
ولم يكتف بذلك، بل علمهم أيضاً كيفية استئناس حيوانات إبيمثيوس وركوبها والإبحار بالسفن، كما أعطاهم موهبة التداوي والشفاء.
ولما شاهد زيوس صنيعه غضب منه غضباً شديداً، ورأى أنه بالغ في شأن البشر ولكنه لم يعاقبه واكتفى بتحذيره.
خطيئة بروميثيوس الكبرى.. سرقة النار
بعد أن أعطى بروميثيوس كل تلك العطايا والهبات للبشر، وجد أن ما ينقصهم هو شيء واحد فقط: النار.
لقد آمن بروميثيوس بحسب الأسطورة بقدرة البشر على الإبداع والإنتاج، وكان متأكداً أنهم عندما يكتشفون النار سيحسنون استخدامها ويصنعون بها العجائب.
لكن النار كانت موجودة فقط في جبال الأوليمبس، وكانت ملكاً لكبير الآلهة زيوس، ويحرسها إله الحدادة هيفاستوس الذي كان مكلفاً بصنع الدروع للآلهة والصواعق لزيوس.
ومع ذلك لم يجد بروميثيوس ضرراً من سرقة شعلة منها لإعطائها للبشر، فتسلل إلى كهف هيفاستوس في جبال الأولمبس واستغل انشغاله ليسرق شعلة من النار ويخفيها في عصا مجوفة كان يحملها.
تعلم البشر اصطياد الحيوانات وطهي لحومها، ووصلت رائحة الشواء إلى الأوليمبوس فعلم زيوس بخيانة بروميثيوس وقرر معاقبته.
إلا أن بروميثيوس عرض عليه أن يقاسم البشر لحومهم الشهية مقابل أن يسمح لهم بالاحتفاظ بالنار، وهنا بدأ البشر بتقديم القرابين لكبير الآلهة.
الخواتم والشعلة الأولمبية تخليداً لذكرى بروميثيوس
لم يدم رضى زيوس بالرغم من القرابين المقدمة له، فقد ساءه سرعة تطور البشر وازدهار حضارتهم وثقافتهم مع مرور الأيام بفضل العطايا والهبات التي قدمها لهم بروميثيوس وعلى رأسها نار الأوليمبوس.
هنا قرر زيوس أن يعاقب بروميثيوس على فعلته، فاستدعى هيفاستوس (إله الحدادة) وطلب منه أن يصنع سلاسل قوية حتى يقيد بها بروميثيوس على صخرة في جبال القوقاز.
وكان كل صباح يأتيه نسر عملاق يدعى آثون ينهش كبده، الذي يعود لينمو من جديد في المساء ليستمر عقاب بروميثيوس الأبدي.
لكن بروميثيوس لم يكن مستاء من هذا العقاب، فقد كان يعلم بما يملكه من قدرة على التنبؤ أن بطلاً خارقاً اسمه "هرقل" سيأتي ليحرره في المستقبل من عذابه، وأن زيوس سيعفو عنه في النهاية لكن سيأمره بارتداء حلقة حديدية من حلقات السلسلة التي كان مكبلاً بها في إصبعه ليتذكر أخطاءه.
وتكريماً للبطل الأسطوري سارق النار، ارتدى اليونانيون القدماء الخواتم ليتذكروا على الدوام منقذهم بروميثيوس.
واليوم ترمز الشعلة التي يحملها الرياضيون في افتتاح دورات الألعاب الأولمبية إلى شعلة النار التي سرقها بروميثيوس من الآلهة ناقلاً إياها إلى الأرض.