كيف اغتالت إسرائيل بهاء أبوالعطا المسؤول العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في غزة، وما هي أساليب الاحتلال الإسرائيلي في اغتيال القادة الفلسطينيين رغم الاحتياطات التي يتخذونها؟
ويعيد اغتيال أبوالعطا إلى الأذهان سياسة الاغتيالات في غزة، التي كانت تراجعت بفضل التفاهمات التي أبرمتها المقاومة مع إسرائيل، مما يثير الحديث عن كيفية نجاح إسرائيل في الوصول للمطلوبين الفلسطينيين، واغتيالهم، وطبيعة الوسائل التقنية التكنولوجية بجانب الدعم البشري من العملاء والجواسيس، وتعامل الفلسطينيين مع دعوات اغتيالهم، واحتياطاتهم الأمنية.
كان يتصرف كمطلوب
نداف أرغمان، رئيس جهاز الأمن الإسرائيلي العام – الشاباك، المسؤول عن ملاحقة الفلسطينيين، أعلن فور اغتيال أبوالعطا أن "الوصول إليه تم بعد عمل دؤوب، بما فيها معرفة الغرفة التي ينام بها، رغم أنه كان يتصرف كمطلوب، ويتنقل من شقة لأخرى خلال الأيام العشرة الأخيرة".
وأردف قائلاً: "ولكن في النهاية تمت تصفيته بقدرات عالية، بفضل المخابرات الدقيقة"، حسب تعبيره.
ولكن المشكلة في الاستهتار والدائرة الاجتماعية
أبوجهاد، مسؤول أمني فلسطيني، قال لـ "عربي بوست" إن "المقاومين، لاسيما المطلوبين منهم الموجودين على قائمة الاغتيال، يقعون أحياناً بدائرة الاستهتار، وأولها استخدام الاتصالات الهاتفية، بما فيها الجوالات القديمة، لأنها قابلة للاختراق والتجسس والتنصت، فضلاً عن الهواتف الذكية التي يوجد بها حاسوب وكاميرا وتخزين بيانات، مما يوفر للمخابرات الإسرائيلية جاسوساً تقنياً يلازم المطلوب على مدار الساعة".
وأضاف أن "بعض حالات الاغتيال وصلت إليها إسرائيل باختراق الدائرة الاجتماعية الأولى للمطلوب، الابن والزوجة والقريب، فيتم إخضاعهم للمراقبة والتنصت عليهم، وبسهولة يتم معرفة أخبار المطلوب أولاً بأول، متى سيأتي للبيت، متى سيغادر، أين ينام خارج البيت، من مرافقوه، ماذا يستخدم من سيارات، مما يتطلب من المقاوم أن يكون معزولاً عن كل التكنولوجيا، لأنها تساعد المخابرات الإسرائيلية برسم خارطة طريق لتحركاته".
من أهم النقاط في أي عملية اغتيال إسرائيلية جمع المعلومات الأمنية والاستخبارية، خاصة في المنطقة التي يوجد فيها المطلوب المستهدف في غزة، صحيح أننا أمام بقعة جغرافية صغيرة، يمكن السيطرة عليها، لكن مهمة جمع المعلومات تحولت لعملية معقدة.
وتعترف المخابرات الإسرائيلية بأن مهمة جمع المعلومات عن المقاومين الفلسطينيين المستهدفين، تزداد صعوبة، إن حافظوا على مستوى فائق من الاحتياطات، واستعانوا بمساعدين محدودين، ومعزولين عن الآخرين، يثقون بهم بلا حدود، ويقيمون في منطقة تدعم المقاومة بصورة واضحة.
العيون البشرية تظل الأخطر
تطور الإمكانات التكنولوجية الفائقة لدى الأمن الإسرائيلي لا يغنيه عن عيون بشرية على الأرض، من العملاء والجواسيس، لمراقبة الهدف المطلوب، ولعل الاغتيالات الأكثر نجاحاً تؤكد هذه القناعة، وهو ما يسعى إليه الشاباك بالجمع بين التكنولوجيا والعملاء في الميدان، دون الحديث عن استبدال أحدهما.
علاء الريماوي، رئيس مركز القدس لدراسات الشأن الفلسطيني والإسرائيلي، قال لـ "عربي بوست" إن "إسرائيل في ملاحقتها للفلسطينيين الذين تضعهم على قائمة الاغتيالات لديها نقلة نوعية بأجهزة المراقبة والتنصت، لاسيما التكنولوجية، خاصة الهواتف المحمولة التي يملكها المطلوبون، فهي تحدد مساراتهم، وترسم شبكة علاقاتهم، وخارطة تنقلاتهم الخاصة، فضلاً عن وجود غرف للرصد الفضائي للتحركات الأرضية، بجانب الطائرات الاستطلاعية والمسيَّرة".
وأضاف أن "المراقبة الإسرائيلية للمطلوبين تشمل قبل صدور قرار اغتيالهم رصد النقاط الثابتة التي يترددون عليها كمقراتهم العسكرية والمنازل، وتُجري لها مسحاً إلكترونياً، بجانب اعتماد المخابرات الإسرائيلية على الجواسيس، فهم الأخطر بتوفير مادة معلوماتية دسمة عن المطلوبين، بجانب الاختراق الأمني للدائرة الضيقة للمطلوب، في بُعدها العائلي أو التنظيمي، فضلاً عن متابعة التقنيات الحديثة التي يحوزها أبناؤه أو أصدقاؤه من الهواتف النقالة الذكية وشبكات الإنترنت".
كيف اغتالت إسرائيل بهاء أبوالعطا؟
وقد كشف موقع i24news الإسرائيلي بعضاً من تفاصيل اغتيال أبوالعطا، جاء فيها أن "طائرة صغيرة من طراز "كواد كابتر"، حلّقت ثلاث مرات في أعلى منزله، فصوّرته بدقة حين لم يكن بداخله، ثم عادت الأحد والإثنين للتحليق مرتين بساعات الليل، كما أن طائرات مماثلة حلّقت بشكل مباشر فوق منازل ثلاثة قيادات ميدانية من الجهاد الإسلامي شمال غزة، يعملون بشكل مباشر مع أبوالعطا".
وأضاف الموقع نقلاً عن مصادر أمنية إسرائيلية أن "الطائرة المذكورة حلَّقت قبل الاغتيال ببضع دقائق فوق منزله، ثم اقتربت من الشرفة المطلة على غرفة نومه، واخترقتها بشكل مباشر، واستطاعت التقاط صورته، وتبين لاحقاً أنها حملت قنابل يدوية، وانفجرت داخل الغرفة بعد دخولها، حيث وثقت الكاميرات المثبّتة عليها أنه موجود داخل منزله".
وختم بالقول إنه "بعد أقل من دقيقة أطلقت طائرة حربية إسرائيلية صاروخين بشكل مباشر على الغرفة، أدى لتدميرها بالكامل، مع أن أبوالعطا دخل منزله قبل نصف ساعة من اغتياله فقط، وكانت طائرات استطلاع ترصده باستمرار".
محمد أبوهربيد، الخبير الأمني الفلسطيني قال لموقع "عربي بوست" إن "أبوالعطا يسكن في منطقة حدودية شرق مدينة غزة، وبالتالي من الطبيعي أن تكون محاطة بمنظومات تجسس ومتابعة ورصد عبر الأدوات التقنية المتقدمة والذكية، سواء المناطيد وأجهزة الإنذار المبكر والمراقبة، وهي تصاحب مكان سكنه على مدار الساعة، فضلاً عن إمكانية أن يصاب المقاومون أحياناً بحالة استرخاء أمني، فيتخلون عن احتياطاتهم الأمنية الدقيقة والصارمة، وهنا يقع الخطأ البشري، الذي تستغله المخابرات الإسرائيلية في اصطياد فريستها بسهولة".
وأضاف أن "المخابرات تلجأ بالعادة عند صدور قرار اغتيال أحد المقاومين لتضخيم دوره في المقاومة، وتسمين اسمه، فحين يتم الاغتيال يشعر الإسرائيليون أن مخابراتهم قوية، ووضعت يدها على صيد ثمين ورأس ثقيل العيار، لكن ما تكشف عنه إسرائيل حول طريقة الوصول لهذا المطلوب ربما تريد منه تضليل التحقيق الأمني الذي تجريه المقاومة، كي لا تضع يدها على حقيقة وكيفية اغتياله".
إذاً كيف نجا هذا المقاوم طوال هذه العقود؟
ورغم التقدم التكنولوجي الإسرائيلي الهائل فقد ظلت سنوات عاجزة عن قتل العديد من القادة الفلسطينيين.
وهناك نموذجان للفشل أو النجاح المتأخر في عمليات الاغتيالات الإسرائيلية، الأول رائد العطار ومحمد أبوشمالة، من قادة كتائب عزالدين القسام الجناح العسكري لحماس، استطاعا أن يتخفيا عن المخابرات الإسرائيلية أكثر من 25 عاماً، وينفذا ويخططا لسلسلة طويلة من العمليات الفدائية، حتى وصلت إليهما المخابرات الإسرائيلية في حرب غزة 2014، وتم اغتيالهما.
أما محمد الضيف، القائد العام لكتائب القسام، فهو مطلوب منذ قرابة ثلاثين عاماً، قصفت الطائرات الإسرائيلية معظم الأماكن التي وجد فيها مرات عدة، تدمرت تماماً، في حين بقي هو يدير وينتج ويخطط للعمليات المسلحة ضد إسرائيل، لأنه حافظ على حد أقصى من الإجراءات الأمنية الصارمة!
وبعد أن حاولت اغتياله خمس مرات أصيب في بعضها وقُتلت أسرته مازال محمد ضيف حياً يُرزَق.