رغم مرور نحو 10 أيام على استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، فإن رئيس البلاد ميشال عون لم يحدد بعد موعداً لبدء الاستشارات النيابية التي على أساسها يجري تكليف رئيس وزراء جديد، وهو تأخير رأى خبراء أن سببه وجود حالة "إرباك بين أركان السلطة".
وتتواصل في لبنان احتجاجات بدأت في 17 أكتوبر/تشرين الأول، تنديداً بزيادة ضرائب في موازنة 2020، قبل أن يرتفع سقف مطالبها إلى المناداة برحيل الطبقة الحاكمة بأسرها وتشكيل حكومة تكنوقراط.
ارتباك الطبقة الحاكمة
تحت ضغط الاحتجاجات، استقال الحريري من منصبه في 29 أكتوبر/تشرين الأوّل الفائت، لكنّ التأخّر بالاستشارات النيابيّة الملزمة لتكليف رئيس جديد للحكومة يثير غضب الشارع اللّبنانيّ. وفي وقت سابق، برر رئيس البلاد ميشال عون التأخر في الاستشارات النيابية برغبته في استكمال ما وصفها بـ "الاتصالات الضرورية".
لكن الخبيرة القانونيّة اللبنانية، أنديرا الزهيري، قالت للأناضول، إن التأخير في موعد الاستشارات النيابية سببه حالة "الإرباك السياسيّ" التي تعيشها السلطة مع استغلال وجع الشعب اللبنانيّ الذي لا يزال منذ 17 أكتوبر/تشرين الأوّل في الشارع.
ومتفقاً معها في الرأي، رأى الناشط السياسي، مارك ضو، أنّ التأخير في تحديد موعد الاستشارات النيابيّة "يدلّ على ارتباك الطبقة السياسيّة الحاكمة".
وأضاف للأناضول: "هذا التأخر يأتي في ظلّ ما يحصل في الشارع اللبنانيّ من جهة، وفي ظلّ ما تحاول السلطة إعطاءه إلى الخارج من تطمينات بأنّ الحكومة المقبلة هي محلّ للثقة لتطبيق إصلاحات جدّيّة سياسيّة واقتصاديّة خصوصاً في ما يتعلّق بملف النفط والغاز".
الدستور لم يحدد مهلة
وعن الخطوات القانونية لتشكيل الحكومة الجديدة، قال النائب في تكتّل "الجمهوريّة القويّة"، جورج عقيص: "قبل الذهاب إلى تشكيل الحكومة يجبُ إجراء استشارات نيابيّة مُلزمة طبعاً بعد استقالة الحكومة أو اعتبارها مُستقيلة، وهذا لا يخضع رئيس الجمهوريّة لأيّ مهلة زمنيّة وهذا ما جاء في الدستور اللبنانيّ".
وفي حديثه للأناضول، رأى عقيص أنه "لا إمكانيّة للتأخير في الاستشارات النيابيّة (أكثر من ذلك) لأنّ الوضع السياسي والشعبي يضغطان لدرجة تضع الجميع أمام مسؤوليّاتهم". وأوضح أنه "بعد تسمية رئيس الحكومة بموجب الاستشارات المُلزمة يتفق رئيس الحكومة المكلّف ورئيس الجمهوريّة مع بعضهما بخصوص التأليف".
وشدّد على أنّ السياق الزمني والتسلسلي واضح في هذا المسار فتكليف رئيس الحكومة يسبق التأليف ولكنّ الدستور اللبناني لم يُحدّد مهلاً زمنيّة.
واعتبر أن الدستور لم يضع مهلاً مُحدّدة لأنّ المشرع افترض أنّ المؤسّسات الدستوريّة لا تحتاج إلى مهل محدّدة من أجل القيام بواجباتها الوطنيّة التي تقتضيها المصلحة العُليا، بل افترض التعاون بين تلك المؤسّسات من أجل الوصول الى تحقيق المصلحة العامّة.
"ترف سياسي"
في هذا الصدد، اعتبر عضو اللّقاء الديمقراطيّ، النائب بلال عبدالله، أنّ "ما نشهده اليوم هو نوع من الترف السياسي التي تُمارسه السلطة وكأنّها لا تستوعب ماذا يجري في الشارع".
وفي حديثه للأناضول قال عبدالله: "تحاول السلطة استنباط أعراف جديدة مُخالفة للدستور، وأنا هُنا لا أتحدّث عن المهلة الزمنيّة للاستشارات لأنّ الدستور لم يُحدّدها، لكنّ ما يحصل في الكواليس هو محاولة تأليف الحكومة قبل التأليف وهذا تجاوز على صلاحيّات المجلس النيابي، وهذا ما يُعرقل الموضوع".
وأكّد أنّه "من المفترض فور استقالة الحكومة، على رئاسة الجمهوريّة أن تعمل في اليوم التالي على التكليف ومن بعدها على مشاورات التأليف".
الأزمة تراوح مكانها
وبعد أكثر من عشرين يوماً من الاحتجاجات يبدو أن الأزمة تراوح مكانها مع بقاء كل طرف في المعادلة متمسكاً بموقفه، وسط مخاوف من تدهور الأوضاع أكثر، في بلد يعاني أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية بين 1975 و1990.
وبينما قدم سعد الحريري استقالة حكومته، في 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تتمسك بقية مكونات الطبقة الحاكمة بمواقعها، في ظل وعود من الرئيس ميشال عون، ببناء دولة مدنية، وإصلاح الاقتصاد، ومحاربة الفساد عبر تحقيقات "لن تستثني أحداً من المسؤولين".
وبحسب رويترز، يجري الحريري اجتماعات مغلقة مع فصائل أخرى في الحكومة الائتلافية المنتهية ولايتها بشأن كيفية تشكيل الحكومة التالية، لكن لا يوجد أي مؤشر على التحرك صوب اتفاق.
وأصر رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري على ترشيح الحريري لرئاسة الوزراء قائلاً: "مُصر كل الإصرار على تسمية سعد الحريري لرئاسة الحكومة لأنه مع مصلحة لبنان وأنا مع مصلحة لبنان".
ولم يبدأ عون بعد عملية المشاورات مع النواب بشأن تعيين رئيس الوزراء الجديد. وقالت الرئاسة إن عون بحث الاتصالات الهادفة إلى حل وضع الحكومة الحالي.
لكن المحتجين يصرون على رحيل بقية الطبقة الحاكمة، ويضغطون، عبر قطع طرقات حيوية ومحاصرة مؤسسات حكومية، لتنفيذ بقية مطالبهم، ومنها أيضا تسريع عملية تشكيل حكومة تكنوقراط مصغرة، وانتخابات مبكرة، ومحاسبة جميع الفاسدين في السلطة، ورفع السرية عن حسابات السياسيين المصرفية.
البنوك تواصل القيود
بحسب رويترز، فقد أفادت مصادر مصرفية باستمرار منع معظم التحويلات المالية خارج البلاد حتى اللحظة. ويواجه لبنان أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية بين 1975 و1990.
وكانت البنوك قد عاودت فتح أبوابها يوم الجمعة بعد أسبوعين من الإغلاق، لكن العملاء واجهوا قيوداً على التحويلات خارج البلاد وسحب الأموال بالعملة الصعبة. وحذر السياسي الماروني سامي الجميل من أن النظام المالي على شفا الانهيار، وحث على تشكيل حكومة محايدة سياسياً على الفور.
وذكر مصدر مصرفي أن جميع التحويلات الدولية بشكل عام لا تزال ممنوعة مع بعض الاستثناءات مثل مدفوعات الرهون الأجنبية ورسوم الدراسة. وقال مصدر مصرفي ثان إن القيود ازدادت تشديداً.
وكان رئيس جمعية مصارف لبنان ذكر هذا الأسبوع أن البنوك لا تطبق سياسة القيود، لكن يتم ترتيب الأولويات بعدما أدى الإغلاق لأسبوعين إلى تراكم الطلبات.
ويئن الاقتصاد تحت وطأة أحد أكبر أعباء الدين في العالم نتيجة سنوات من عدم الكفاءة والهدر والفساد. والنمو منخفض منذ سنوات ويقارب الصفر حالياً.
وتشهد التدفقات الرأسمالية الحيوية لميزانية الحكومة اللبنانية وعجزها التجاري تباطؤاً منذ سنوات، مما أسهم في الآونة الأخيرة في شح النقد الأجنبي وظهور سوق سوداء لليرة اللبنانية المربوطة بالدولار.