لم يضع المهندس نواف عبدالعزيز أي أموال في سوق الأوراق المالية من قبل، لكنه يقول إن شراء الأسهم في "أرامكو"، الشركة الأكثر ربحاً في العالم أمر لا يحتاج إلى تفكير. يقول موقع Bloomberg الأمريكي، إن عبدالعزيز البالغ من العمر 29 عاماً، الذي يعيش في الرياض، يُعد واحداً من السعوديين "المخلصين المنتظرين" أن يحصلوا على جزء من بيع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، التي كثُر التباهي بها -وكثر تأخيرها- حصة من شركة النفط العملاقة أرامكو. من المتوقع أن يحصل الطرح الأولي للاكتتاب العام، الذي قد يكون الأكبر تاريخياً على الإطلاق، على الضوء الأخضر في الأيام المقبلة.
"ليس استثماراً عشوائياً"
يقول عبدالعزيز لبلومبيرغ: "إنه ليس استثماراً عشوائياً"، وأضاف: "الشركة لها تاريخها، إنها ثابتة للغاية، يمكننا أن نرى إلى أين يتجهون".
لكن نوبة الحماس التي عمَّت المملكة ومواقع التواصل الاجتماعي بسبب الطرح العام الأولي، أُخفيت بأهميتها. ففي الواقع، يوجد في السعودية خط رفيع بين الاستثمار الذكي وبين "الواجب الوطني"، عندما يكون لقائد بلادك الكثير من التأثير لنجاح هذا الاستثمار.
تقول بلومبيرغ، إن طرح أرامكو يدعم إصلاحات محمد بن سلمان في الاقتصاد، التي صارت الآن في عامها الرابع، وقد انتهى الحال ببعض المنتقدين لهذا البيع في السجن، على الرغم من عدم الإفصاح عن التهم الموجهة لهم. فضلاً عن أن الآراء التي تقترح أن قيمة الشركة لن تصل إلى تريليوني دولار بحسب ما جرى تقديرها، ينظر إليها على أنها معارضة ضد الأمير، الذي كرر هذا الرقم أثناء المقابلات التي أجراها على مدى سنوات، إذ يجري تشجيع الجميع على الاستثمار في أكثر أصول المملكة أهمية.
"الاستثمار واجب وطني"
وبحسب بلومبيرغ، يظن كثير من السعوديين أن الطرح الأولي للاكتتاب العام ليس إلا دليلاً على "الولاء"، في خضم تصاعد حدة التوترات في الخليج. ويأتي ذلك الطرح بعد أسابيع من الهجوم الجوي المدمر على المنشآت النفطية، الذي ألقت الحكومة اللوم فيه على إيران. وفي يوم الجمعة 11 أكتوبر/تشرين الأول، ضُربت ناقلة نفط إيرانية بالصواريخ في البحر الأحمر، وأشارت شركة الناقلات الإيرانية مبدئياً بإصبع الاتهام إلى السعودية، قبل أن تسحب ذلك الادعاء.
وكان هناك ضغطٌ على السعوديين من جانب حلفائهم، بعد أن نُدد بالمملكة دولياً عقب اغتيال الصحفي جمال خاشقجي منذ ما يزيد عن العام، واعتقال الناشطات في مجال حقوق المرأة.
تقول مشاعل، وهي مواطنة من الرياض تبلغ 28 عاماً: "إنها شركة سعودية، وأشعر بأنه واجب وطني أن أستثمر فيها".
تحويل السعودية لنظام رأسمالي
بحسب بلومبيرغ، فإن الأمر كله بالنسبة إلى ولي العهد متعلق بتحويل السعودية إلى نظام رأسمالي غربي. وسوف تكون المرحلة المقبل تحويل المواطنين إلى حملة أسهم، مثلما كان الحال في الثمانينيات، عندما صار سوق الأوراق المالية هواية وطنية للأمريكيين، أو عندما باعت بريطانيا مرافقها العامة إلى المواطنين.
تتزايد التوقعات في ضوء هذا، إذ يطرح السعوديون التساؤلات على تويتر عن العرض المُقدم، مستخدمين وسماً باللغة العربية للطرح الأولي للاكتتاب العام. يبحث البعض عن نصيحة فيما إذا كان من الحكمة وضع كل مدخراتهم فيه، وما الذي ينبغي فعله إذا وقع تأخير آخر. ويطرح المحللون -بحسب ما يصفون أنفسهم- رؤاهم ويحثون السعوديين على الاستثمار.
بل إن هناك حالات النصب المعتادة: إذ حذر كاتب في الصحيفة السعودية "الاقتصادية"، في تغريدة نشرها على تويتر، المستثمرين المُحتملين، من الانخداع أمام المجموعات التي تعرض أسهماً لأرامكو للبيع بأسعار منخفضة.
انقسام حول بيع أرامكو
قال عبدالله الزيلعي، وهو طبيب في الثامنة والعشرين من عمره ويقطن مدينة أبها في جنوب غرب البلاد، إن الناس منقسمون حيال بيع أرامكو، غير أنه يعرف أشخاصاً أجلوا شراء منزلٍ فقط كي يستثمروا فيها. ومن جانبه يريد الزيلعي شراء أسهم بمائة ألف ريال سعودي (26,600 دولار)، وإن لم يستطع تجميع ذلك المبلغ فسوف يقترض من أحد البنوك، التي يُتوقع أن يقدم كثير منها قروضاً لرفع السيولة من أجل البيع.
يقول عبدالله الغامدي، 34 سنة، وهو مستشار قانوني في الرياض: "سيكون حدثاً ضخماً في تاريخ المملكة، ويجب على المستثمرين السعوديين أن يفخروا بحقيقة أنهم يمتلكون أسهماً في مؤسسة عالمية أدت دوراً هاماً في تحول المملكة".
عقبات أمام طرح أرامكو.. هل كل ما يلمع ذهب؟
لكن هذا التأييد المتوهج ليس متفقاً عليه من الجميع. إذ لا تزال خطة الطرح الأولي للاكتتاب العام ستواجه عقبات مهمة، منها قدرة المملكة على الوصول إلى تثمين الشركة بـ 2 تريليون دولار كما سعت. فضلاً عن أن الطلب على بيع الأسهم سيتأثر على الأرجح بأسعار النفط المنخفضة، وكذلك بمخاوف متزايدة من جانب المؤسسات الاستثمارية الرفيعة، متعلقة بضخ المال في شركات الوقود الأحفوري التي تُسهم في تغير المناخ.
وفي الرياض، قال أحد رجال الأعمال إنه لا يزال هناك بعض الشك إزاء الإغراء المالي للمستثمرين المحليين، حتى بعد الإعلان عن نية أرامكو دفع 75 دولاراً من أرباح العام المقبل. وقال مستشار استثماري في السعودية إن التثمين الضخم وأسعار النفط المنخفضة يجعلان العرض غير مغرٍ. وقد تحدث كلا الرجلين بشرط إخفاء هويتهما.
اعتُقل رجل الأعمال السعودي، عصام الزامل، في سبتمبر/أيلول 2017، بعد أشهر من نشر تحليلات ناقدة أحياناً للسياسات الاقتصادية الحكومية على مواقع التواصل الاجتماعي، منها الطرح الأولي للاكتتاب العام لأرامكو. وقد نشر في عام 2016 سلسلة من التغريدات، التي حُذفت لاحقاً، قال فيها إنه سيكون من المستحيل أن يصل سعر أرامكو إلى 2 أو 3 تريليونات دولار دون ضم "الحق في النفط الذي لا يزال تحت الأرض". وقد عارض تلك الفكرة واحتج بأن النفط "ملك للشعب".
واعتُقل كذلك جميل فارسي، وهو رجل أعمال سعودي آخر، في عام 2017، بعد أشهر من تقديمه نداء عاماً بعدم بيع أرامكو في طرح أولي عام، خلال اجتماع للغرفة التجارية بجدة. ولم يُفصح علناً عن التهم الموجهة إلى كل من الزامل وفارسي، ولذا فمن غير المعلوم ما إذا كان اعتقالهما متعلقاً بموقفهما من الطرح العام الأولي أم لا.
حملات ضخمة لتشجيع الاستثمار بأرامكو
عقد مجلس إدارة الشركة السعودية أرامكو اجتماعاً مع مستشاريها، في السابع عشر من أكتوبر/تشرين الأول، وفقاً لأشخاص مطلعين على الاستعدادات. ومن المتوقع أنه ستكون هناك حملة إعلانية على صعيد البلاد لتشجيع المواطنين السعوديين على الاستثمار، الذين أظهروا من قبل امتلاكهم الموارد اللازمة لإنجاح العرض الأولي للاكتتاب العام. ومن جانبه قال ياسر الرميان، رئيس مجلس إدارة أرامكو، يوم الإثنين 6 أكتوبر/تشرين الأول، إن الخطط تسير "بسرعة ويسر".
عندما بيع "البنك الأهلي التجاري" في 2014، اقتصرت العملية على المستثمرين المحليين المتعاملين بالتجزئة. وقد نجح مع ذلك في اجتذاب 311 مليار ريال سعودي في المزايدات، ما جعله يفوق الأسهم الصادرة بثلاث وعشرين مرة، ويرجع السبب جزئياً إلى أن البنوك عرضت قروضاً للمشاركة في العرض العام الأولي. وسيكون الاكتتاب في طرح البنك الأهلي التجاري كافياً لتغطية الطرح الأولي للاكتتاب العام لأرامكو مرتين، حتى مع تثمينها بـ 2 تريليون دولار.
يقول عيد الشمري، الرئيس التنفيذي للبنك الاستثماري إثراء كابيتال: "عندما تتحدث عن أرامكو، فأنت تتحدث عن المصدر الرئيسي تقريباً لعائدات المملكة العربية السعودية". ويضيف: "وكأنك تشتري الإيرادات الأساسية للسعودية، وأرى أن تريليوني دولار مبلغ قليل".