ما بين خماسية في مرمى فريقه السابق آينتراخت فرانكفورت حسم بها بطولة كأس السوبر في أولى مبارياته مع بايرن ميونيخ الموسم السابق، إلى خماسية مدوية وقاسية، ولكن هذه المرة في مرمى فريقه الحالي من فريقه السابق، انتهت معها رحلة المدرب الكرواتي في البيت البافاري بعد موسم وربع الموسم فقط.
رحلة اختتمت سريعاً وبشكل غير متوقع – برأيي – ففريق مثل بايرن ميونيخ ليس من الفرق التي تغير مدربيها لمجرد السقوط في مباراة أو مباراتين، فعند التوقيع مع أي مدرب دائماً ما يكون هنالك مشروع يكون على أساسه تم التوقيع مع المدرب المعني.
هزيمة قاسية.. ولكن!
الهزة الأرضية الخماسية التي أصابت جدران نادي بايرن ميونيخ حدثت بشكل مبكر جداً في الجولة العاشرة، وبالتالي ومع الضغط الكبير من الجماهير كان لا بد أن يكون هنالك كبش فداء لهذه الهزيمة القاسية بغض النظر عن أي شيء آخر ولم يكن هنالك أنسب من المدرب الحلقة الأضعف في أي إخفاق لأندية كرة القدم.
ولكن بالنظر للكوب الممتلئ نجد أن المدرب لم يكن بذلك السوء بالرغم من الاختلاف الجماهيري على أسلوبه التكتيكي والفني، خاصة من جماهير البافاري المتعصبين، ففي موسمه الأول استطاع الفوز بثنائية الكأس والدوري في منافسة مثيرة مع بروسيا دورتموند بعد أن تأخر عدة مرات في جدول الترتيب مع الوصول لمرحلة ثمن النهائي في دوري أبطال أوروبا والخروج أمام فريق ليفربول الذي واصل رحلته حتى حصده للقب.
وفي هذا الموسم وبالرغم من الخماسية التي منّي بها في الجولة العاشرة، إلا أن الفريق ما زال في المنافسة على اللقب بالجلوس في المركز الرابع برصيد "18" نقطة بفارق أربع نقاط فقط عن المتصدر بوروسيا مونشنغلادباخ، وصدارته لمجموعته الأوروبية بالعلامة الكاملة تخللها فوز ساحق على توتنهام الإنجليزي بسباعية كاملة، بالإضافة للعديد من الأرقام الأخرى التي تخبرنا أن المدرب لم يكن مجرد ديكور، بل له بصمته مع العملاق البافاري، والسقوط رغم صداه الكبير، إلا أنه ليس مبرراً لإقالته بهذا الشكل السريع.
عمليات تغيير المدربين هي سُنة كرة القدم وواقع يدركه المدربون جيداً، فالمقعد الوحيد في منظومة أندية كرة القدم غير المضمون تماماً هو مقعد المدير الفني الذي يمكن أن يتغير خلال مباراتين فقط، وهذا ما شاهدناه في حالة المدرب الكرواتي الذي كان قبل شهر بالضبط بطل المدينة الأوحد بعد الفوز الكبير في دوري أبطال أوروبا، لكنه يخرج الآن من الباب الصغير غير مأسوف عليه، بعد خسارة مباراة في الدوري المحلي.
وهنا نخشى على بايرن ميونيخ أن يدخل للمتاهة والمعادلة الصعبة التي أصبح يعاني منها كِبار الأندية الأوروبية، مثل مانشستر يونايتد الإنجليزي وميلان، بتغيير المدربين لمجرد التغيير بعد موسم واحد أو نصف موسم، وبالتالي يعيش النادي حالة من التوهان تجعل إعادة الأمور إلى نصابها أصعب كلما مرت الأيام وكثرت الضغوط.
فكثرة تغيير المدربين يؤدي إلى عدم الاستقرار الفني والإداري والتكتيكي، مما يؤدي إلى تخبط النادي في البطولات المحلية والأوروبية، وبالتالي الابتعاد عن الألقاب وتقلصها مع منافسيها خاصة الألقاب المحلية، كما أنه يجعل الجماهير أكثر جراءة في المطالبة بتغيير المدربين لمجرد السقوط في مباراة أو كان أسلوب المدرب لا يلقى استحسانهم، ومع استجابة الإدارة لهذه المطالب درءاً لغضبها تصبح العملية روتينية تعصف باستقرار الفريق وتدخله متاهة لن يخرج منها في القريب العاجل.
عاطلين رهن الإشارة
هنالك الكثير من المدربين الذين يمكن أن نطلق عليهم صفة "العاطلين" أصبحوا مرشحين بقوة لتدريب العملاق البافاري، وهنالك بعضهم تزداد حظوظهم أكثر من غيرهم، ولكن الشيء المؤكد أن تدريب ناد مثل بايرن ميونيخ سيكون تحدياً كبيراً لأي مدرب قادم، لأن النادي أصبح شبه محتكر للدوري المحلي وخصماً لا يستهان به في البطولة الأوروبية لا يرضى بأنصاف الحلول أو الخروج مبكراً من أدوارها المبكرة.
والأمر اللافت للانتباه أن قائمة المدربين المرشحين من أصحاب الأسماء الرنانة في القارة الأوروبية والكرة العالمية، وهم طينة المدربين الكِبار الذين لديهم بطولاتهم المحلية والقارية وأساليبهم الخططية المثيرة مع أنديتهم، وهؤلاء أبرز المرشحين لتولي منصب المدير الفني لبايرن ميونيخ الألماني:
ماسيمليانو أليجري: صاحب الـ52 عاماً ومدرب يوفنتوس الإيطالي السابق الذي قاد الفريق من 2014 حتى 2018، محرزاً معهم خمسة ألقاب دوري متتالية، بينها أربع مرات متتالية ثنائية دوري وكأس، ومرتان وصول لنهائي دوري أبطال أوروبا.
يعتبر من أكثر المدربين الذين ارتبط اسمه بتدريب بايرن ميونيخ منذ الإطاحة بالكرواتي، أسلوبه الدفاعي المتحفظ ربما يقلل من حظوظه بالنظر لأسلوب الفريق الألماني الذي لا يحب الدفاع كثيراً، وبالتالي مجيئه للبيت الألماني سيكون في حالة واحدة فقط وهي اتخاذ الفريق الألماني للأسلوب الدفاعي نهجاً له في الفترة القادمة، ولكن ربما يتفوق عليه اسم آخر وهو:
جوزيه مورينهو: البرتغالي الداهية والسبيشل ون الذي أصبح ضيفاً دائماً على استوديوهات التلفزيون محللاً لمبارياتها خاصة الدوري الإنجليزي ودوري أبطال أوروبا، ومنذ مغادرته لمانشستر يونايتد نشط البرتغالي في التحليل التلفزيوني لمختلف القنوات الناقلة للمباريات الأوروبية.
ولكن تصريحه بأنه يحاول تعلم اللغة الألمانية، وأن البوندسليجا يمثل له حلماً، سترفع من أسهمه بالتأكيد، ومع أسلوبه الدفاعي وبالمقارنة مع الإيطالي أليجيري أجد أن مورينهو سيكون المناسب لهذا المنصب، لما يتمتع به من اسم وشهرة وكاريزما يتفوق بهما على الكثيرين، ولكن شخصية البرتغالي الصدامية ربما ستكون حائط صد أمام مسئولي البايرن في التعاقد معه، خاصة أن المدرب لا يتوانى عن الصدام مع الجماهير، وهذا أكثر ما تخشاه الإدارة البافارية.
ماريسيو بوكتينهو: الأرجنتيني الشاب لا زال مستمراً في توتنهام، ويبدو مسئولو النادي متمسكين به حتى الآن بالرغم من سقوطه الكبير في نهائي دوري أبطال أوروبا ونتائجه المتذبذبة في الدوري المحلي، الجميع مؤمنون بأنه قد حان الوقت للأرجنتيني أن يحمل لقباً ما لا يهم محلي أو أوروبي، فالمهم هو لقب يزين به مسيرته المميزة في عالم التدريب وقدرته على بناء فريق منافس مثل توتنهام.
وتبدو فرصة تدريب فريق بعراقة بايرن ميونيخ مناسبة له في الحصول على لقب يضعه في غرفة معيشته، ولكن سينقص من أسهمه الكثير لدى مسؤولي بايرن ميونيخ بعد السقوط بسباعية أمامهم وتذبذبه في الدوري الإنجليزي مع أدائه السيئ في نهائي دوري الأبطال الموسم السابق.
أرسين فينغر ورالف رانغنيك: الاسمان تم تداولهما بكثرة لتدريب الفريق الألماني، لكن كلاهما يبدو ذكره وكأنه من أجل ملء الصفحات فقط لا غير، الفرنسي آرسين فينغر، البالغ من العمر 70 عاماً، شبه متقاعد ومع عمره قد يصبح خياراً مستبعداً، لكنه من الناحية النظرية قد يعود ليحصل على فرصة مع المجد مع فريق آخر غير أرسنال الذي دربه لمدة عشرين عاماً.
أما رالف رانجنيك، فهو بالفعل مدرب ومدير ناجح للغاية، وألماني يناسب فكرة ودماء بايرن ميونيخ، لكن هذا هو جوهر الأمر: فهو يجمع كل شيء، وسيحتاج بدوره إلى مزيد من السلطة أكثر مما يرغب مسؤولو بايرن ميونيخ في منحه. فمن المعروف أن طريقة بايرن تتعارض مع منح أي شخص خارجي نفوذاً كبيراً، كما أن رانجنيك لديه نقاد أقوياء داخل النادي، وعلى رأسهم أولي هونيس.
تين هاغ: مدرب أياكس أمستردام الهولندي يبدو مرشحاً قوياً بالفعل وخياراً بارزاً لمسؤولي بايرن ميونيخ وفي نفس الوقت هدفاً صعب المنال، لأن النادي الهولندي متمسك به بشدة ولا يريده أن يغادر في منتصف الموسم مع تقبله لرحيله بنهاية الموسم الجاري، ولكن هل سيسير العملاق البافاري بمدرب مؤقت حتى ذلك الحين؟
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.