قالت مصادر، الأربعاء 23 أكتوبر/تشرين الأول 2019، إن زعماء لبنانيين يناقشون احتمال إجراء تعديل وزاري لنزع فتيل احتجاجات غير مسبوقة ضد النخبة السياسية، أصابت البلاد بالشلل على مدى أسبوع.
وألقت أعلى سلطة مسيحية مارونية في لبنان وسياسي درزي بارز بثقلَيهما وراء دعوات جامحة للتغيير، داعين إلى ضم تكنوقراط ذوي كفاءة في أي تعديل حكومي. وسيوجه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كلمة الى اللبنانيين الخميس الساعة 12:00 ظهراً لا يعرف ما سيقرره في ظل الحراك الشعبي المستمر منذ 7 أيام.
واجتاحت المظاهرات لبنان، الذي يبلغ عدد سكانه 6 ملايين نسمة، من ضمنهم نحو مليون لاجئ سوري، للاحتجاج على سياسيين يعتبرونهم مسؤولين عن الفساد والهدر في دولة مثقلة بالديون وتئن تحت وطأة أزمة اقتصادية.
ولا يزال المتظاهرون، الذين يلوحون بالعلم الوطني، يسدون الطرقات بالسيارات والمتاريس المؤقتة لليوم السابع على التوالي. وقالت جمعية مصارف لبنان إن البنوك مغلقة منذ يوم الجمعة، وسيبقى الوضع على حاله غداً الخميس. وأُغلقت المدارس أيضاً.
واشتبك جنود مع المتظاهرين بالأيدي وهم يحاولون فتح الطرق الرئيسية.
وقالت هبة حيدر في أثناء مشاركتها في احتجاج عند حاجز مؤقت يتألف من حاويات قمامة فارغة وقضبان صلبة في بيروت: "سنبقى في الشوارع إلى حين استعادة الأموال العامة المنهوبة.. إلى حين تسقط الحكومة".
وأعلنت حكومة رئيس الوزراء سعد الحريري مجموعة إصلاحات عاجلة، الإثنين، في محاولة لتهدئة غضب المحتجين وكذلك لتفادي دخول البلاد في أزمة مالية وشيكة.
وتضم حكومة الحريري التي تولت السلطة في بداية العام، كل الأحزاب الرئيسية بالبلاد تقريباً في إطار نظام اقتسام السلطة المسمى بالمحاصصة الطائفية والمطبق في لبنان.
التعديل الوزاري موضع نقاش على نطاق واسع
وقال مصدر سياسي كبير إن فكرة التعديل الوزاري "موضع نقاش على نطاق واسع بين الساسة في البلاد، وقد تُنفذ إذا استمرت الاحتجاجات بالشارع في الأيام المقبلة".
وقال مصدر سياسي آخر إن الفكرة "تدخل في طور النضج"، مضيفاً أن "الشارع يفرض إيقاعه على الطبقة السياسية".
وقال مصدر سياسي ثالث، رداً على سؤال حول تعديل وزاري: "تتم مناقشة كل شيء في هدوء".
وتحدثت المصادر مشترطةً عدم كشف هويتها؛ نظراً إلى عدم الإعلان عن المشاورات للجمهور.
ما هي مطالب الشعب؟
وقال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، وإلى جواره كبار قيادات الكنسية، إن الإجراءات الإصلاحية التي أعلنها الحريري "خطوة أولى إيجابية"، لكنها تستلزم أيضاً تبديل الوزراء الحاليين، ليحل محلهم تكنوقراط ذوو كفاءة.
وأضاف: "ندعو فخامة رئيس الجمهورية المؤتمن على الدستور إلى بدء مشاورات مع القادة السياسيين ورؤساء الطوائف، لاتخاذ القرارات اللازمة بشأن مطالب الشعب".
وقال السياسي الدرزي وليد جنبلاط إنه يؤيد فكرة التعديل الوزاري. وأضاف لـ "رويترز" إن إجراء تعديل وزاري كبير يمكن أن يلبي بعض مطالب المتظاهرين.
والاحتجاجات في لبنان هي الأحدث ضمن موجة اضطرابات سياسية على مستوى العالم من هونغ كونغ وبرشلونة إلى كيتو وسانتياغو، ولكل منها ما أشعلها، لكن هناك إحباطات مشتركة كامنة وراءها.
وقالت منال غانم، وهي خريجة جامعية تعمل في مقهى، وهي تقف بجانب أحد المتاريس في بيروت: "بدنا نضل قواية (أقوياء) بدنا نضل بالشارع".
وقال محمد جانا، (36 عاماً)، وهو طاهٍ عاطل عن العمل، عند حاجز على الطريق السريع الرئيسي، إن الأجيال المقبلة سترث ديوناً عامة ضخمة. وأضاف: "إنهم يسرقون. أقل ما يمكننا فعله هو العصيان المدني".
وعاني الاقتصاد اللبناني، المعتمد أساساً على قطاعي الإنشاءات والسياحة، على مدى سنوات، من ضعف النمو بسبب الاضطرابات في المنطقة. وتراجعت التدفقات الرأسمالية من الخارج والتي يعتمد عليها في تمويل العجز الحكومي.
ويشهد لبنان واحداً من أعلى مستويات الدين العام على مستوى العالم نسبة إلى حجم اقتصاده، وتبلغ نسبته 150 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
ويتعرض النظام المالي اللبناني لضغوط لم يشهدها منذ الحرب الأهلية بين عام 1975 و1990. وأصبح من الصعب الحصول على العملة الصعبة بالسعر الرسمي، ونشأت سوق موازية.
وقال رئيس البرلمان نبيه بري إن لبنان لن يبقى في هذه الحالة من الفوضى، وأضاف: "البلد لا يحتمل أن يبقى معلقاً، ونخشى من الفراغ".
وتشمل التدابير التي أعلنها الحريري تقليص مرتبات الوزراء والمشرعين إلى النصف، وخطوات تهدف إلى تنفيذ إجراءات طال تأجيلها من شأنها إصلاح مالية الدولة.
وتحت ضغوط لإقناع المانحين الدوليين بأن بإمكانه خفض عجز الموازنة العام المقبل، قال الحريري إن البنوك التجارية والبنك المركزي ستسهم بنحو 5.1 تريليون ليرة لبنانية (3.4 مليار دولار)، للمساعدة في خفض العجز في 2020، وضمن ذلك زيادة الضريبة على أرباح المصارف.
لكن وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية حذرت من أن الثقة بقدرة الحكومة على خدمة الدين يمكن أن تتقوض بشكل أكبر عبر خطتها لإلزام البنوك بقبول سعر فائدة أقل على ديونها.
واجتمع الحريري مع محافظ البنك المركزي رياض سلامة، ووفد من جمعية مصارف لبنان.