مرَّت ستة أسابيع منذ أن رأت المواطنة الكشميرية سيد روحي (19 عاماً)، حبيبها أشفق أحمد (25 عاماً). إذ التقيا آخر مرة في متجره بسوق بلدة بولواما، وكانت الأجواء متوترة، لأنَّ إقليم كشمير كان قد شهد نشر قواتٍ إضافية للتو، وظنَّ الجميع أن شيئاً ما على وشك الحدوث.
وبعد ذلك بثلاثة أيام، استيقظت سيد لتجد أنَّ وضع موطنها كشمير قد تغيَّر. إذ أعلنت الحكومة الهندية تجريد الإقليم من مكانته الخاصة، وتقسيم ولاية جامو وكشمير إلى قسمين. وحُجِبت الاتصالات وخدمات الإنترنت عن سكان الإقليم حجباً غير مسبوق. ولم تعُد سيد قادرة على استخدام هاتفها المحمول أو الهاتف الأرضي أو الإنترنت، بل إنَّ حتى خدمات البث التلفزيوني قد قُطِعَت عن بعض المناطق.
وبمرور الأيام، قيل إنَّ آلاف الأشخاص احتُجزوا في إطار تلك الحملة، وإنَّ بعضهم نُقِل إلى سجونٍ أخرى بالهند. وليس من المعروف ما إذا كان قد أفرِج عنهم.
هلع كبير في كشمير
تقول صحيفة The Guardian البريطانية التي تروي قصة سيد روحي، إنها شعرت بقلقٍ مستمر على أحمد. وبعدما أصبحت تعاني اكتئاباً متزايداً، زارت عيادة الطب النفسي بمستشفى المقاطعة. وداخل العيادة، كان المرضى يجلسون على مقاعد خشبية في انتظار دورهم لاستشارة الطبيب النفسي الوحيد.
وقال عبدالحميد، المتخصص بعلم النفس السريري، إنَّ هناك زيادة في المرضى الذين يعانون القلق والإجهاد واضطراب ما بعد الصدمة وأمراض القلب. في حين قال عدة مرضى إنهم يعيشون في خوفٍ "من غارات الجيش والتعذيب والاعتقالات".
وأضاف أنَّ الأشخاص الذين استطاعوا التعافي من بعض الأمراض العقلية في الماضي تعرَّضوا لانتكاسة. وسيد واحدةٌ منهم.
فبعد عامين من علاج مرضها العقلي، شعرت بأنها تعافت، وتوقفت عن تناول الدواء. ولكن يبدو أن حالة الغموض والتوتر قد أعادت المرض. وقالت سيد: "حين يقول شخصٌ ما، إنَّ الوضع غير طبيعي بالخارج، أشعر بتعبٍ عقلي".
ووصف لها الطبيب بعض الأدوية. ولحسن الحظ، وجدت سيد مصدر راحة آخر في المستشفى، حيث رأت أحمد.
خوف من غارات الجيش والتعذيب والاعتقالات
تقول صحيفة الغارديان، إنه يتوافد كل يوم أكثر من 170 مريضاً على عيادة الطب النفسي المكونة من أربع غرف، وهي الوحيدة التي تخدم منطقتي شوبيان وبولواما في جنوب كشمير. ومن المحتمل أن تكون هناك أعدادٌ أكبر بكثير تحتاج علاجاً، لكنَّ عديداً من المرضى لا يمكنهم الوصول إلى المستشفى، بسبب عدم وجود وسائل نقل عام.
وغالباً ما يُحال مرضى مستشفى المقاطعة إلى عيادة الطب النفسي في مستشفى Shri Maharaja Hari Singh بمدينة سريناغار، حيث كان المرضى يحضرون بأعداد أكبر في الأسابيع القليلة الماضية.
ومن بين هؤلاء المرضى مصطفى أحمد (22 عاماً). لقد مر عامٌ على آخر زيارة أجراها للعيادة في سريناغار، وتوقف عن تناول الدواء بعدما تعافى. لكنَّ الحملة الأخيرة تسببت له في انتكاسة، وعودة إصابته بالأرق والقلق.
كان أحمد يستيقظ عادةً في الساعة السابعة صباحاً، ويذهب إلى صالة الألعاب الرياضية قبل العمل من الساعة 10 صباحاً حتى الساعة 6 مساءً. وقال: "أمَّا الآن، فلا أستطيع النوم حتى الساعة الثانية صباحاً. صرت أنام في أثناء النهار، لأنه لا يوجد شيء أفعله. وحتى صالة الألعاب الرياضية أغلِقَت".
كوابيس الاعتقال
وصار أحمد يتناول الحبوب المنومة منذ سبعة أسابيع، ويعاني كوابيس. وقال: "أخشى التعرُّض للاعتقال، فماذا سيحدث لعائلتي حينئذٍ؟ أو أن أُصاب بالرصاص أو إحدى قنابل الغاز المسيل للدموع. لم أكن أتوقع أن تكون (الحملة) طويلة جداً ومجهولة المصير".
وفي السياق نفسه، أظهرت دراسةٌ استطلاعية أجرتها منظمة أطباء بلا حدود في عام 2015، أنَّ نحو 1.8 مليون من البالغين في كشمير -أي نحو 45% من إجمالي السكان- تظهر عليهم أعراض الضيق النفسي. إذ ظهرت على أكثر من 41 % من السكان علامات الاكتئاب، في حين ظهرت علامات القلق على 26% منهم، وظهرت على 19% منهم أعراضٌ محتملة لاضطراب ما بعد الصدمة.
ومن جانبه يعتقد الطبيب إعجاز أحمد خان، المتخصص بعلم النفس السريري في عيادة الطب النفسي بمستشفى Shri Maharaja Hari Singh، أنَّ الوضع يزداد سوءاً. إذ قال: "بعد أسبوع من 5 أغسطس/آب، شهدنا تغيُّراتٍ في المرضى. إذ بدأنا نلحظ وجود مرضى يعانون اضطراباتٍ نفسية. وهي تزداد منذ ذلك الحين. وهناك حالةٌ متزايدة من الخَدَر الشعوري".
وأضاف أنَّ ما لا يقل عن 10% من المرضى لديهم شكاوى مرتبطة مباشرةً بحملة القمع. ومنذ عامٍ واحد، كان عدد المرضى الذين يتوافدون على العيادة يومياً يتراوح بين 70 و80 مريضاً، لكنَّ خان قال إنَّه أصبح يرى الآن ما بين 130 و150 مريضاً في اليوم.
"جنون الارتياب"
وكذلك فالوضع الهش في كشمير أثَّر بشدة في النساء اللائي لديهن فرص أقل في الخروج من المنزل. إذ قالت رومانا (22 سنة)، من مدينة بولواما، إنها تعاني جنون الارتياب.
وأضافت رومانا، الطالبة في كلية دراسات الحاسوب: "أشعر بالإعياء في أثناء وجودي بالمنزل. وإذا أراد أي شخصٍ الذهاب إلى مكان ما، فلن يستطيع. الناس يشعرون بالهلع، وكذلك أنا".
وقد جاء في الوصفة الطبية الخاصة برومانا إنَّ حالتها تفاقمت "بسبب حظر التجول". في حين يشعر زويا مير، وهو طالبٌ في تخصُّص علم النفس السريري بمعهد الصحة العقلية وعلوم الأعصاب في سريناغار، بالقلق من المستقبل.
وقال مير الذي يعاني نوبات هلع: "لقد أصبحنا مرنين للألم والمشاعر والعواطف. قد نصل إلى نقطة اللاعلاج".
وأضاف مير أنَّ الناس لا يتواصلون مع أُسرهم أو بعضهم مع بعض، لأنه لا يوجد شيء إيجابي يقولونه. وحتى لو كان هناك شيءٌ إيجابي يُقال، فما زالت خدمات المحمول والإنترنت مقطوعة عن الملايين. ولا يمكن الاعتماد على الخطوط الأرضية رغم عودة الخدمة إليها، على ما يبدو.
ومع اقتراب الغروب في المستشفى، قررت سيد وأحمد العودة إلى منزليهما معاً بالسيارة. وقالت سيد: "في السيارة، سنقرر موعد لقائنا القادم. سنلتقي مرةً أخرى قريباً".