كيف ستتعامل النخب اللبنانية الحاكمة مع إصرار المتظاهرين على مطالبهم برحيل رموز هذا النظام، ورفضهم الإصلاحات التي أعلن عنها رئيس الوزراء سعد الحريري؟
أكبر صدمة تواجهها النخب الحاكمة أن الحراك الحراك الشعبي يشمل كل المناطق اللبنانية، متجاوزاً الخلافات السياسية والمذهبية والطائفية، التي طالما كانت وسيلة هذه النخب للتحكم في السلطة.
الشعب متمسك برحيل العهد حتى بعد وعود الحريري
حتى الآن مازالت قوى السلطة عاجزة عن إنهاء هذا الحراك، على الرغم من "مورفين الوعود" التي أطلقتها الحكومة بسلسلة الإصلاحات الشاملة التي أعلنها رئيس الحكومة سعد الحريري عقب انتهاء اجتماع الحكومة اللبنانية في القصر الجمهوري، والتي لم ترُق -بحسب متابعين- للجمهور اللبناني الذي يغطي ساحات لبنان والذي يصر على رحيل العهد ابتداء من رأس الهرم (رئيس الجمهورية العماد ميشال عون) وصولاً إلى حل مجلس النواب والدعوة لانتخابات مبكرة واستعادة الأموال المنهوبة، بحسب بيان صادر عن الحراك المدني في بيروت.
وعن استمرار التحركات بعد خطاب الحريري، يقول الناشط في الحراك المدني يحيى مولود إن خطاب الحريري ووعوده لن تزيد الناس إلا تمسكاً بالشارع وبرحيل هذه الطبقة الفاسدة المسؤولة عن خراب البلد وإفلاسه وتجويع الناس، ابتداء من عون وحتى آخر موظف عيَّنه العهد، مؤكداً أن رحيل العهد هو المطلب الأساسي قبل أي شيء.
ولكن هناك غضب خاص من هذا الرجل
وعن من يتحمل مسؤولية من وصل إليه البلد، يقول خلدون الشريف المستشار السياسي للرئيس نجيب ميقاتي، أن كل القوى في السلطة تتحمل المسؤولية عن تردي الأوضاع وغياب فرص العمل وعدم حل أي مشكلة معيشية من كهرباء ونفايات و ضرائب، و"خطاب الوزير باسيل الإستفزازي فاقم تلك الأمور"، على حد قوله.
وعلى صعيد آخر، فقد تراجع الحزب الاشتراكي الذي يقوده الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، عن فكرة انسحابه من الحكومة، على الرغم من التصريحات النارية لقيادات الحزب ضد العهد والوزير باسيل، والتي تطالب باستقالة الأخير.
ويشدد مفوض الإعلام في الحزب التقدمي الاشتراكي، رامي الريس، على أن البعض يعتبر أن التظاهرات والصون الشعبي يمكن التعامل معها بمنطق الإصلاحات الورقية الصورية، ويؤكد أن الحزب طالب منذ البداية بتخفيض رواتب الوزراء والنواب إلى النصف منذ سنتين، لكنَّ طلبه قوبل برفض الفريق المحسوب على العهد.
ورأى أن الكل يعلم أن هناك روائح غير عطرة في موضوع الكهرباء، ورائحة البواخر لم تفارق بعدُ أنوف اللبنانيين (في إشارة إلى شبهات الفساد بملف الكهرباء، وكذلك مسألة استئجار بواخر لتوليد الكهرباء).
خيار حزب الله لمواجهة الحراك.. تخفيف استفزازات باسيل وشارع أمام شارع
على مستوى المطبخ السياسي الممتعض من التظاهرات، تتحدث مصادر مقربة من حزب الله لـ "عربي بوست"، عن حرص حزب الله على بقاء الحكومة بصيغتها الحالية وعدم الذهاب بالبلد نحو المجهول، وهذا ما بدا من خلال اتصالات أجراها المعاون السياسي للأمين العام للحزب حسين الخليل، مع القيادات السياسية.
وتؤكد هذه المصادر أن الحزب وعد رئيس الحكومة بالتخفيف من استفزازات جبران باسيل وزير الخارجية وصهر الرئيس عون وفريقه، والذي يُتهم بالهيمنة على قرار الحكومة، بحكم حصوله على الثلث المعطل (الثلث + واحد والذي يمنع اتخاذ أي قرار دون موافقته، وفرض سياسات غير متفق عليها ضمن الطاولة الحكومية.
في حين تتحدث مصادر داخل حزب الله عن أن الحزب قد يضطر إلى حشد شارعه في تظاهرات مضادة؛ منعاً لإسقاط العهد الذي يتمسك الحزب ببقائه، وهذا ما صرح به الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، في رسالته المتلفزة الأخيرة.
وقد بدأت أصوات شيعية شعبية تخرج، كبعض عشائر البقاع، تستنكر الإساءة إلى حسن نصر الله ورئيس حركة أمل، نبيه بري.
والخيار الأسوأ الذي تفكر فيه القوى السياسية.. السيناريو الكارثي
ولكن الأخطر هو السيناريو الذي جرى الحديث عنه، وهو فض التظاهرات.
إذ تقول مصادر مطلعة داخل حزب الله، إن القوى السياسية قد تتجه -في حال لم تخرج الجموع من ساحات التظاهرات- إلى العمل على فضّها عبر القوى الأمنية في حال حصول أي أعمال شغب.
ويرى رئيس المكتب السياسي للجماعة الإسلامية عماد الحوت (إخوان مسلمين-لبنان)، أن موقف الجماعة كان واضحاً قبل الحراك، وهو أن البلد ذاهب نحو الانفجار الشعبي، بسبب السياسات الفاشلة وعدم ثقة المواطن اللبناني بالطبقة الحاكمة.
ويؤكد الحوت أن استخدام القوة بوجه هذا الكم الهائل من المواطنين المتظاهرين في الشوارع والساحات غير منطقي، مؤكداً أنّ التلويح باستخدام القوة والسلاح سلاح ذو حدين ويُضر بالقوى السياسية أكثر من ضرره بالحراك، داعياً المواطنين إلى عدم الخضوع للتهويل الذي يمارَس بهذا الخصوص، وأن يحافظوا على سلمية وحضارية تحرُّكهم اللتين تميز بهما الحراك حتى اليوم.