نفذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تهديداته وفرض عقوبات طالت ثلاثة وزراء ووزارتين في تركيا، كما أوقف مفاوضات اتفاق التجارة الثنائي بين البلدين وفرض تعريفة بنسبة 50% على الصلب التركي، والسؤال ماذا تعني تلك العقوبات فعلياً وما مدى تأثيرها على الأرض ولماذا أقدم عليها ترامب؟
تهديد بتدمير الاقتصاد
"أنا مستعد تماماً لتدمير الاقتصاد التركي لو واصل القادة الأتراك طريقهم الخطير والمدمر،" هذا ما قاله ترامب نصاً في بيان قبل أن يوقع القرار التنفيذي لفرض العقوبات، وحتى نقف على مدى جدية ترامب في هكذا تهديد، نقف عند العقوبات التي فرضها بالتفصيل.
العقوبات شملت وزراء كل من الدفاع خلوصي أكار، والداخلية سليمان صويلو، والطاقة والموارد الطبيعية فاتح دونماز، وبالتالي أصبح محظوراً على الوزراء الثلاثة توقيع أي اتفاقات بالدولار الأمريكي، وفي حالة وجود أصول مالية شخصية لأي منهم داخل الولايات المتحدة سيتم تجميدها.
العقوبات أيضاً شملت وزارتي الدفاع والطاقة والموارد الطبيعية، ووقف المفاوضات بشكل فوري بشأن اتفاق تجاري بقيمة 100 مليار دولار، كما أن هناك خططاً لإعادة فرض تعريفة جمركية على الصلب التركي.
ماذا تمثل تلك العقوبات بشكل عملي؟
أيكان إرديمير زميل أول في مؤسسة الدفاع من أجل الديمقراطية في واشنطن قال لشبكة سي إن إن الأمريكية إن "اللغة التهديدية" التي يستخدمها ترامب "ربما تساعد الرئيس رجب طيب أردوغان"، مضيفاً أنه "من الواضح أن الرئيس الأمريكي متردد في فرض عقوبات على تركيا من الأساس لعدة أسباب تتعلق بالأمن القومي الأمريكي، وبالتالي يمكن حتى أن نفسر تلك العقوبات بأنها مجرد ترضية للكونغرس الساعي لفرض عقوبات على تركيا".
إرديمير لم يستبعد أن يكون ترامب وأردوغان قد اتفقا على تلك العقوبات خلال المكالمة الهاتفية التي جرت بينهما: "لو دار حديث بينهما (ترامب وأردوغان)، فيمكن بسهولة أن يرى الرئيس التركي أن تلك الإجراءات إذا كانت ستساعد في امتصاص رد فعل الرأي العام الأمريكي فلا مشكلة كبيرة فيها".
مجلة فورين بوليسي الأمريكية نشرت تقريراً حول العقوبات التي فرضها ترامب على تركيا جاء عنوانه: "عقوبات ترامب الضعيفة ربما تساعد أردوغان"، قالت فيه إن ترامب الذي أعطى الضوء الأخضر لتركيا للقيام بالعملية العسكرية في شمال سوريا، فرض عقوبات يراها المحللون ضعيفة وشكلية وليس لها تأثير فعلي.
ويرى المراقبون، بحسب التقرير، أن العقوبات الضعيفة تمثل مبرراً ممتازاً للرئيس التركي كي يلقي باللائمة على تراجع الاقتصاد التركي على تلك العقوبات، كما أن تحرك ترامب يمكن أن يكون في حقيقته محاولة لمنع إصدار الكونغرس عقوبات أكثر قسوة وهو ما يجري بالفعل في أروقة الكونغرس حالياً.
لا حديث عن وقف مبيعات الأسلحة
تقرير شبكة سي إن إن ألقى الضوء على تصريحات وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر، بعد كشف ترامب عن العقوبات، والتي وصف فيها العملية العسكرية التركية بأنها "غير مقبولة" وأنها تقوض الحرب ضد داعش ويمكن أن تورط الولايات المتحدة في صراع أوسع، كما ناشد الحلفاء في حلف الناتو باتخاذ مواقف ضد أنقرة.
لكن تصريحات إسبر تشير إلى الفجوة الواضحة بين الرد الأمريكي ورد باقي أعضاء حلف الناتو وباقي دول العالم، حيث لم تتطرق بيانات الرئيس ولا عقوباته لوقف مبيعات الأسلحة الأمريكية لتركيا، وهو الإجراء الذي يناقشه الكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ في جهد مشترك بين المشرعين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، بحسب تقرير الشبكة الأمريكية.
رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الديمقراطي إليون أنجيل والعضو الجمهوري البارز في اللجنة مايك ماكونيل تقدما بمشروع قانون يحظر تصدير أو بيع أسلحة أمريكية للقوات التركية المشاركة في العمليات العسكرية شمالي سوريا، كما يشمل مشروع القانون بنوداً تمنع إدارة ترامب من الالتفاف على مضمونه بأي صورة من الصور.
الرد التركي على التصعيد
عدم صدور رد تركي رسمي على التصعيد الأمريكي يصب في الاتجاه الذي ذهب إليه المراقبون، وخلال زيارة له لأذربيجان، قال أردوغان: "نحن عازمون على مواصلة العملية حتى نهايتها دون أن نعبأ بالتهديدات.. ستستمر معركتنا حتى يتحقق النصر النهائي".
وكان الجيش التركي قد بدأ يوم الأربعاء 9 أكتوبر/تشرين الأول 2019، بمشاركة الجيش الوطني السوري، عملية عسكرية في منطقة شرق نهر الفرات شمالي سوريا، أطلق عليها اسم "نبع السلام"، بهدف محاربة المسلحين الأكراد في سوريا، وإنشاء منطقة آمنة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم.
وتهدف العملية العسكرية إلى القضاء على ما تصفه أنقرة بـ"الممر الإرهابي"، الذي تُبذل جهود لإنشائه على الحدود الجنوبية لتركيا، وإلى إحلال السلام والاستقرار في المنطقة.
بالعودة إلى بيان العقوبات الأمريكية، نجد فيه فقرة تقول إن "العقوبات ستؤثر أيضاً على من يمنعون أو يوقفون وقف إطلاق النار في سوريا، أو يخيفون أو يمنعون الأشخاص الذين يرغبون في العودة إلى سوريا طواعية، أو إعادة اللاجئين السوريين قسراً، أو منع أو وقف جهود دعم الحل السياسي في سوريا".
وهذا التفسير لخط العقوبات يمكن اعتباره مؤشراً على وجود المسلحين الأكراد في مرمى العقوبات الأمريكية إذا ما أقدموا على منع عودة اللاجئين السوريين إلى المنطقة الآمنة التي تسعى تركيا لفرضها أو حال عرقلتهم جهود وقف إطلاق النار ما إن تنهي أنقرة عملياتها العسكرية.