من المقرر أن ترسل إدارة ترامب ما يقرب من 2000 جندي ومعدات عسكرية متطورة إلى السعودية لردع التهديدات الإيرانية، وهي خطوة من شأنها أن تزيد من وجود أمريكا في الشرق الأوسط، حتى في الوقت الذي يباهي فيه الرئيس دونالد ترامب بإنهائه الحروب في المنطقة، تزامناً مع سحبه مؤخراً القوات الأمريكية من شمال سوريا.
"السعودية دفعت لنا"
ترامب كشف أن المملكة وافقت على أن تدفع للولايات المتحدة مقابل إرسال قوات أمريكية إلى المنطقة، وذلك عقب الهجمات التي تعرضت لها منشآت نفطية تابعة لشركة أرامكو. وأضاف ترامب في حديثه للصحفيين أن إرسال أي جنود إلى الشرق الأوسط يجب أن يكون مرهوناً بالحصول على "مقابل مالي".
وقال ترامب: "نحن نرسل جنوداً وأشياء أخرى إلى الشرق الأوسط لمساعدة السعودية، لكن هل أنتم مستعدون؟ طلبي من السعودية أن توافق على أن تدفع لنا مقابل كل شيء نفعله. هذا أولاً.. السعودية ودول أخرى.. الآن وافقت السعودية على أن تدفع لنا مقابل كل ما نفعله، ونحن نستحسن هذا".
وكان وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر أعلن عزم بلاده إرسال 3000 جندي أمريكي إضافي إلى السعودية بطلب من ولي العهد محمد بن سلمان. وقال إسبر -في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس هيئة الأركان المشتركة مارك ميلي- إنه تحدث مع بن سلمان الذي طلب منه مساعدة إضافية في تحقيق الأمن بالمنطقة. كما حث وزير الدفاع الأمريكي الحلفاء، خاصة في أوروبا، كي ينضموا إلى واشنطن في جهود الدفاع عن المنطقة.
وأرسلت الولايات المتحدة 14 ألف عنصر عسكري إضافي إلى الشرق الأوسط منذ شهر مايو/أيار، ويمثل هذا الإعلان الذي أصدره وزير الدفاع مارك إسبر ورئيس أركان الجيش الجنرال مارك ميلي، أمس الجمعة 11 أكتوبر/تشرين الأول، استمراراً لحملة الإدارة الأمريكية لزيادة الضغط على طهران وتعزيز العلاقات مع الرياض.
المصالح الأمريكية أولاً
في السياق، أوضح رئيس هيئة الأركان المشتركة أن هدف نشر قوات إضافية في السعودية هو "حماية مصالحنا بالمنطقة وردع إيران". وتشمل التعزيزات الأمريكية إضافة إلى الجنود، سربيْن من الطائرات المقاتلة وبطاريتيْن من طراز باتريوت، فضلاً عن منظومة ثاد الدفاعية، وفق وزارة الدفاع "البنتاغون".
ويأتي القرار الأمريكي بعدما تعرّضت منشأتا نفط تابعتان لشركة أرامكو السعودية في 14 سبتمبر/أيلول الماضي لهجمات أعلن الحوثيون المسؤولية عنها، لكن الولايات المتحدة وجهت أصابع الاتهام إلى إيران في الوقوف وراء هذه الهجمات التي هزت الأسعار في أسواق النفط، بعد تسببها في خفض منتجات الشركة السعودية إلى النصف قبل أن تعلن السلطات إعادة الإنتاج إلى وضعه الطبيعي.
وفي شهر مايو/أيار نشأت مواجهة بين الولايات المتحدة وإيران شددت فيها الولايات المتحدة من موقفها في المنطقة وفكرت في ضرب إيران لولا أن قررت وقف ضربتها في اللحظة الأخيرة. وشهدت هذه المواجهة أيضاً ضرب إيران لناقلات نفط في الممرات المائية الاستراتيجية وحقول نفط في السعودية، التي أشار إليها إسبر على أنها السبب الأساسي لزيادة الوجود العسكري الأمريكي.
يُذكر أن ترامب هدّد مراراً بتوجيه "ضربات انتقامية" وعقوبات مشددة أخرى إذا رفضت إيران وقف هجماتها، رغم أنه يتطلع إلى توقيع اتفاق مع قادة إيران لزيادة تقييد برنامج صواريخها، وطموحاتها النووية.
وقال إسبر للصحفيين، أمس الجمعة 11 أكتوبر/تشرين الأول: "رأينا أنه من المهم إرسال قوات للردع والدفاع، ولنرسل رسالة إلى الإيرانيين مفادها: لا تضربوا دولة أخرى تتمتع بالسيادة. لا تهددوا المصالح الأمريكية والقوات الأمريكية وإلا سنرد عليكم. لا تفهموا ضبط النفس على أنه ضعف".
ترامب لا يُنهي الحروب في الشرق الأوسط بل يزيدها
يقول موقع Vox الأمريكي، إن ترامب في الواقع لا يفعل أكثر من زيادة الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط. في صباح يوم الأربعاء 9 أكتوبر/تشرين الأول، أنهى ترامب "تورّط" أمريكا في صراعات الشرق الأوسط على مدار العقدين الماضيين.
ويضيف الموقع الأمريكي أن ترامب بدا محقاً في إشارته إلى أن "الولايات المتحدة فقدت الآلاف من الأمريكيين وأنفقت مبالغ طائلة على مشاركتها في هذه الصراعات، ناهيك عن المعاناة التي يخوضها مواطنو هذه الدول التي تمزقها الحروب"، ولكنه ها هو يفعل العكس مجدداً.
حروب أمريكا مستمرة ولم تنتهِ
لكن ترامب يقول هذه الأمور لتبرير قراره يوم الأحد نقل القوات الأمريكية في سوريا، وهو قرار هاجمه الحزبان الجمهوري والديمقراطي. يقول الموقع الأمريكي: يمكننا تفهّم قراره لو أنه أعاد القوات الأمريكية البالغ عددها 1000 جندي إلى البلاد، لكنه لم يفعل. ولكن ما فعله هو أنه نقل 50 جندياً أمريكياً فقط خارج شمال سوريا لإبعادهم عن طريق العملية العسكرية التركية التي بدأت لتوّها.
وليس هذا فحسب. إذ أظهر تقرير صدر في أواخر سبتمبر/أيلول من القيادة المركزية للقوات الجوية الأمريكية أن الولايات المتحدة شنت معظم الضربات الجوية في أفغانستان خلال شهر واحد على مدار ما يقرب من عقد من الزمان. وكثفت القوات الأمريكية من غاراتها الجوية في ليبيا لاستهداف مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) هناك. وتواصل الولايات المتحدة حربها الخفية في الصومال لصد الجماعات المسلحة هناك.
يقول موقع Vox إن ترامب يجد لنفسه أسباباً مشروعة لإرسال مزيد من القوات إلى السعودية، إذ إن هذه الخطوة قد تسهم في الدفاع عن دولة حليفة للولايات المتحدة، وستجعل إيران تفكر ملياً قبل أن تهاجم السعودية مرة أخرى، وستسمح للولايات المتحدة بالرد إذا لزم الأمر في حالة حدوث أزمة. لكن اتخاذ هذا القرار لا يفعل شيئاً لإنهاء وجود أمريكا في الشرق الأوسط، أياً كان ما يقوله ترامب.