جاء فوز رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، بجائزة نوبل للسلام خبراً مفرحاً في إثيوبيا وعديد من دول القارة الإفريقية، ولكن في الوقت ذاته فإن فوز آبي بجائزة نوبل يعقّد مساعي مصر لحل أزمة سد النهضة.
وبعد فشل المفاوضات المباشرة عقب اتهام مصر لأديس أبابا بالتعنت، طلبت مصر التدخل الدولي في الأزمة، وهاهي تبحث عن وسيط دولي لحلها.
ولكن الضغط الدولي الذي تبحث عنه القيادة المصرية أصبح صعب المنال في مواجهة المكانة التي اكتسبها رئيس الوزراء الإثيوبي كزعيم دولي حاصل على نوبل، ويشار إليه بالبنان كرجل يخطو نحو الإصلاح في بلاده وحقق المصالحة ليس فقط بإثيوبيا، بل أيضاً كوسيط في عملية تسليم السلطة بالسودان المجاور بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير.
لماذا حصل آبي أحمد على نوبل؟
أعلنت الهيئة المانحة لجوائز نوبل، الجمعة 11 أكتوبر/تشرين الأول 2019، فوز رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بجائزة نوبل للسلام.
وجاء فوز آبي أحمد متفوقاً على قائمة تشمل أيضاً غريتا ثنبيرغ الناشطة البيئية السويدية ذات الـ16 عاماً.
وتبلغ قيمة هذه الجائزة تسعة ملايين كرونة سويدية، أي ما يساوي نحو 900 ألف دولار، وسيكون تقديمها بأوسلو في العاشر من ديسمبر/كانون الأول.
يقول أوول آلو، زميل إثيوبي وأستاذ مساعد في القانون بجامعة كيلي البريطانية، بحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية: "يستحق رئيس الوزراء هذه الجائزة، لدوره في إنهاء الحرب بين إثيوبيا وإريتريا المستمرة منذ 20 عاماً؛ وهي حرب عديمة الجدوى اندلعت حول أرض متنازع عليها، وكبَّدت البلدين خسائر بشرية واقتصادية هائلة".
وأضاف آلو: "البلدانِ لم يعودا في حالة حرب. واجتمع شمل عائلات عدة بعد استعادة حركة الطيران بين البلدين. وتجددت العلاقات المتوقفة منذ 20 عاماً".
إضافة إلى ذلك، انهالت الإشادات مؤخراً على آبي، البالغ من العمر 43 عاماً، بعد أن توسط في التوصل إلى اتفاق حول مشاركة السلطة في دولة الجوار، السودان.
وقال آلو: "وهذا يبرهن أيضاً على أنه شخص يأخذ السلام والاستقرار في منطقة القرن الإفريقي على محمل الجد".
وكان يبدو في البداية أنه سيكون كريماً مع مصر
بعد تولي آبي أحمد بدا أن هناك مؤشرات على أنه قد يوافق على حل يُرضي مصر فيما يتعلق بفترة وطريقة ملء سد النهضة، بكيفية تقلل الضرر الواقع لا محالة على القاهرة.
وراهنت السياسة المصرية خلال مراحل التفاوض المختلفة، بشكل أساسي، على حسن العلاقة مع إثيوبيا وصولاً إلى محاولة إرضائها، وكان هناك موقف شهير للسيسي عندما جعل رئيس وزراء إثيوبيا الجديد، آبي أحمد، يقسم باللغة العربية التي لا يفهمها أنه لن يضر مصر.
واستبشر كثير من المصريين، حتى من معارضي السيسي، بقدوم آبي أحمد للسلطة، فالرجل يحاول بناء الديمقراطية الإثيوبية، وترميم حقوق الإنسان، وتصفير المشاكل مع دول الجوار، حتى إنه قاد الوساطة الإفريقية التي توصلت للحل السياسي في السودان.
كل ما سبق جعل المصريين يأملون أن يكون لدى الرجل حل معتدل لمشروع سد النهضة، خاصة أنه سبق أن نُسبت إليه تصريحات انتقد فيها هذا المشروع.
ولكن كل هذا التفاؤل ثبت أنه سراب، بعدما فشلت المفاوضات وتبادل البلدانِ إلقاء المسؤولية على الآخر.
علام يختلف البلدانِ؟
تتفق مقترحات البلدين على أن المرحلة الأولى من المراحل الخمس لملء السد ستستغرق عامين، وفي نهاية المطاف سيتم ملء خزان السد بإثيوبيا إلى 595 متراً، وستصبح جميع توربينات الطاقة الكهرومائية في السد جاهزة للعمل.
لكن الاقتراح المصري يقول إنه إذا تزامنت هذه المرحلة الأولى مع فترة جفاف شديد في النيل الأزرق بإثيوبيا، على غرار ما حدث في 1979 و1980، فيجب تمديد فترة العامين، للحفاظ على منسوب المياه في السد العالي بأسوان من التراجع إلى أقل من 165 متراً.
وتقول مصر إنها ستكون من دون هذا عُرضة لفقد أكثر من مليون وظيفة و1.8 مليار دولار من الناتج الاقتصادي سنوياً، كما ستفقد كهرباء بقيمة 300 مليون دولار.
المشكلة أن إعلان المبادئ الذي وقعه السيسي في مصلحة إثيوبيا
يوم السبت 14 سبتمبر/أيلول الماضي، فوجئ المصريون بإلقاء الرئيس عبدالفتاح السيسي اللوم على ثورة يناير/كانون الثاني 2011، في موضوع سد النهضة، عندما قال إن إثيوبيا استغلت الظروف السياسية في مصر وقتها، وأقدمت على الشروع في بناء السد، وربما كانت تلك هي المرة الأولى التي يلمح فيها السيسي إلى أن سد النهضة أصبح أمراً واقعاً، وأن مصر ستتضرر منه.
لكن بالعودة إلى الاتفاقية الوحيدة التي تم توقيعها بين مصر والسودان وإثيوبيا بخصوص سد النهضة، وذلك يوم 23 مارس/آذار 2015، يتضح أن الموقف مغاير تماماً لما أعلنه الرئيس، وأن ثورة يناير بريئة من الموقف الذي وصلت إليه الأمور.
إذ إن إعلان المبادئ الذي تم توقيعه بالخرطوم في مارس/آذار 2015، لا يحوي أي بنود مُلزمة لإثيوبيا بالحفاظ على حصة مصر التاريخية في مياه النيل والتي حددتها اتفاقية 1929 وأُضيفت إليها اتفاقية 1959 بين مصر والسودان وهي اتفاقية تكميلية، نصت على أن حصة مصر من مياه النيل 55.5 مليار متر مكعب من المياه، 48 ملياراً من مياه النهر إضافة إلى 7.5 مليار من خزان السد العالي.
كما لم يشر الإعلان من قريب أو بعيد، إلى أي اتفاقات أخرى.
أي إن الرئيس المصري تنازل عملياً عن حصة بلاده التاريخية في مياه النيل بتوقيعه على اتفاق المبادئ مع إثيوبيا، حيث إنه الاتفاق الوحيد الموقع عليه بين الجانبين ولا يوجد فيه أي ذكر لحصة محددة من مياه النيل لا بد أن تحصل عليها مصر.
الدكتور أحمد المفتي، العضو المستقيل من اللجنة الدولية لسد النهضة الإثيوبي وخبير القانون الدولي، قال بعد أيام من توقيع اتفاق المبادئ، الذي وقَّعه السيسي وعمر البشير وهيلاماريام ديسالين (رئيس وزراء إثيوبيا وقتها)، أدى إلى "تقنين أوضاع سد النهضة، وحوّله من سد غير مشروع دولياً إلى مشروع قانونياً".
وأضاف المفتي، المستشار القانوني السابق لوزير الري، في حوار لـ "المصري اليوم"، أن الاتفاق أسهم في تقوية الموقف الإثيوبي بالمفاوضات الثلاثية، ولا يعطي مصر والسودان نقطة مياه واحدة، وأضعف الاتفاقيات التاريخية، موضحاً أنه تمت إعادة صياغة اتفاق المبادئ بما يحقق المصالح الإثيوبية فقط، وحذف الأمن المائي، وهو ما يعني ضعفاً قانونياً للمفاوضَين المصري والسوداني.
وصواريخ إسرائيل ستحمي السد
وزاد الموقف المصري سوءاً التقاربُ الإثيوبي مع إسرائيل والذي بدا واضحاً في زيارة آبي أحمد الأخيرة لإسرائيل، وسط تقارير تفيد بأنه اتفق على شراء منظومة صواريخ مضادة للطائرات والصواريخ الباليستية، يبدو هدفها حماية سد النهضة من أي هجوم محتمل.
كان الجانب المصري قد قلَّل من أهمية قيام إسرائيل بتزويد إثيوبيا بالنظام الصاروخي المتطور، على أساس أن تل أبيب لن تخاطر بإفساد علاقاتها المتينة مع مصر منذ وصول السيسي للحكم، مقابل كسب أموال من بيع النظام الصاروخي، لكن تطوُّر الأحداث ووصول الأمور لنقطة الصدام أظهرا أن الدور الإسرائيلي ربما يكون أكبر بكثير مما تصورته القاهرة.
كيف أسهم السيسي في إعلاء نجم آبي أحمد؟
أسهم السيسي عدة مرات في إعلاء نجم آبي أحمد.
مرة بصورته أمام الغرب كقائد عسكري انقلب على الرئيس المنتخب الذي عيَّنه في منصبه، ثم قمع المعارضة ضده بوحشية.
ومرة بتوقيعه على إعلان المبادئ الذي برأه من اغتصاب حقوق مصر.
وأخيراً بتدخلاته السلبية في الملفات الإقليمية والتي كانت كلها تقوم على تأييد الحكم العسكري مثلما فعل في ليبيا والسودان.
وفي الدولة الأخيرة تحديداً، ظهر التناقض بين صورتي الرجلين: السيسي الذي يدعم تشبث العسكريين بالسلطة مثلما بدا في القمة التي دعا إليها قادة عدة دول إفريقية لدعم بقاء المجلس العسكري.
وصورة آبي أحمد كوسيط نزيه وقوي استخدم مزيجاً من التفاوض والعقوبات الإفريقية لدفع العسكريين السودانيين إلى توقيع اتفاق تقاسم السلطة مع المدنيين.
الآن بات خصم مصر في أزمة سد النهضة نجماً دولياً يُنظر إليه كرجل إفريقي فاضل يشبه غاندي أو نيلسون مانديلا.
اللجوء إلى الوساطة الدولية من على منبر الأمم المتحدة.. وترامب يتلقفها
دفعت التطورات السلبية في ملف سد النهضة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، إلى استغلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي، لطلب وساطة دولية لحل الأزمة.
وكان ذلك قبل فوز رئيس وزراء إثيوبيا بجائزة نوبل.
كما حاول الرئيس المصري اللجوء إلى صديقه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي سبق أن وصف السيسي بدكتاتوره المفضل.
إذ طلبت مصر الوساطة الأمريكية في الأزمة.
وهي الدعوة التي التقطها البيت الأبيض، الذي رحب بالدخول بصفته وسيطاً محايداً، لكنّ أديس أبابا قابلت المقترح المصري والترحيب الأمريكي بالرفض التام، مستندةً إلى بنود "وثيقة السد" التي وقعها السيسي عام 2015.
والسودان الذي يأمل رفع اسمه من قوائم الإرهاب الأمريكية، رفض هو الآخر تدخُّل واشنطن، وهو ما يجعل استغاثة السيسي فعلياً بلا صدى.
إعلان المبادئ يضع شرطاً يقيد مصر في طلب الوساطة
بالعودة إلى إعلان المبادئ الذي وقعته الدول الثلاث وتحديداً فيما يتعلق باللجوء إلى الوساطة، فقد نصت المادة الأخيرة من الاتفاق وهي بعنوان "مبدأ التسوية السلمية للمنازعات"، على: "تقوم الدول الثلاث بتسوية منازعاتها الناشئة عن تفسير أو تطبيق هذا الاتفاق، بالتوافق من خلال المشاورات أو التفاوض وفقاً لمبدأ حسن النوايا.
وإذا لم تنجح الأطراف في حل الخلاف من خلال المشاورات أو المفاوضات، فيمكن لهم مجتمعين طلب التوفيق، الوساطة أو إحالة الأمر لعناية رؤساء الدول/رئيس الحكومة".
أي إن إعلان المبادئ يشترط أن يكون طلب الوساطة عملية جماعية من الدول الثلاث، أي لا يمكن بدء الوساطة دون موافقة إثيوبيا والسودان.
هل ينقذ الرئيس الأمريكي مستبدَّه المفضل؟
ورغم صداقة السيسي الواضحة مع ترامب، فإن السياسة الأمريكية لا يضعها الرئيس وحده.
كما أن ترامب أظهر ببراغماتيته الفجة ميلاً إلى التخلي عن الأصدقاء الخاسرين حتى لو كان هو سبب وضعهم في المأزق.
مثلما فعل مع بريطانيا حينما تركها وحدها في مواجهة أزمة احتجاز إيران لسفينة بريطانية، وقال وزير خارجيته إن على كل دولة أن تحمي سفنها رغم أن طهران كانت قد احتجزت هذه السفينة رداً على احتجاز سلطات منطقة جبل طارق التابعة للمملكة المتحدة سفينة إيرانية بناء على طلب الإدارة الأمريكية.
وظهر هذا التوجه لترك الحلفاء الخاسرين، واضحاً في تخليه عن المقاتلين الأكراد في مواجهة تركيا رغم الانتقادات التي وُجهت إليه بسبب هذا الموقف.
وأثار هذا التخلي الفج قلق حليف مقرب لإسرائيل من أن يكرره مع الدولة العبرية.
وبناء على ذلك، يصعب تخيُّل أن ينحاز ترامب إلى صديقه السيسي في مواجهة رئيس دولة محورية بإفريقيا حاز لتوه أرفع جائزة تُمنح للسياسيين في العالم.
ماذا عن اللجوء إلى التحكيم الدولي؟
لا يوجد على الطاولة الآن سوى الاتجاه إلى التحكيم الدولي، للفصل في الخلاف على ملء وتشغيل سد النهضة، الذي تسعى إثيوبيا إلى تشغيله بأسرع وقت ممكن، ولكن هل تتحمل مصر تبعات مثل هذا المسار الذي من المنتظر أن يستغرق وقتاً طويلاً، بينما تكون إثيوبيا قد انتهت من بناء السد، وبدأت مصر تعاني من تبعاته؟
كما أن الوضع القانوني المصري أصبح أصعب، في ظل خلو الإعلان من أي إشارة لحقوق مصر التاريخية والطبيعية المترتبة على الاتفاق الوحيد الذي يحدد حصة مياه مصر من النيل الذي وقّع في عهد الاستعمار البريطاني لمصر والسودان والاستعمار الإيطالي لإثيوبيا، علما أن إيطاليا لم تكن طرفاً في الاتفاق.
لأن الإعلان المثير للجدل نسخ هذه المرجعية وجعل المرجعية هي الإعلان نفسه والتفاوض بين البلدان الثلاثة.
هل يمكن للأمم المتحدة فرض عقوبات على إثيوبيا؟
"مصر ستلجأ للقنوات الشرعية في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، مستندة للعلاقة القوية بالصين وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية في مجلس الأمن، التي من الممكن أن تصدر قراراً وينتهي بعقوبات دولية".
كانت هذه كلمات أحمد العناني، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، وهو مجلس غير رسمي مقرب للخارجية المصرية، يضم العديد من السفراء السابقين.
ولكن المشكلة أن الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لا تفرض عقوبات على الدول من تلقاء نفسها.
فالعقوبات الأممية هي قرار يتخذه مجلس الأمن.
يمكن أن تتعرض إثيوبيا لنوع من العقوبات السالبة، أي حرمانها من بعض امتيازات مشروعات الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها، ولكن يظل هذا ليس قرار الأمم المتحدة، بل هو قرار الدول الكبرى المتحكمة في القرار الأممي.
كما أن وضعها القانوني تحسن نتيجة إعلان المبادئ المثير للجدل.
وبعد فوز آبي أحمد بنوبل يزداد صعوبة هذا الاحتمال.
فلا يمكن تصوُّر أن الدول الغربية ستعاقب دولة ينظر لها كنموذج مبشِّر للتنمية والمصالحة والديمقراطية وذات أهمية بالغة في القرن الإفريقي بل إفريقيا برمتها.
ولا يمكن تصور أن العالم الغربي الذي كافأ لتوه آبي أحمد على قيادته لهذه الجهود أن يفرض عليه عقوبات، خاصة أن إعلان المبادئ برَّأه من شبهة مخالفة القانون الدولي.
اللجوء للدول الغربية للضغط على إثيوبيا
يبدو من كلام عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية أن هناك رهاناً على لدى بعض الدوائر المصرية على التوجه للدول الكبرى الصديقة لفرض عقوبات على إثيوبيا أو الضغط عليها.
لا تعني علاقة هذه الدول بمصر أو إظهارها الصداقة للرئيس السيسي بأنها ستفرض عقوبات على إثيوبيا حتى لو كانت على خطأ، فالسياسة الدولية لا تقوم على الحق والباطل.
وكما أن مصر دولة مهمة ومحورية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فإن إثيوبيا دولة محورية في القرن الإفريقي وشرق إفريقيا.
وتحظى إثيوبيا باهتمام غربي ورعاية دولية لأسباب متعددة.
فأولاً هناك توجّه غربي، لاسيما أوروبياً، للاهتمام بالقارة الإفريقية.
جزء من هذا الاهتمام يعود لأسباب استراتيجية واقتصادية، وجزء يتعلق بالرغبة في التكفير عن التاريخ الاستعماري.
لماذا أصبحت إثيوبيا تحظى باهتمام غربي خاص؟.. الديمقراطي في مواجهة الدكتاتور
أصبح ينظر لمساعدة إفريقيا في الدوائر الغربية الليبرالية واليسارية على أنه تطبيق عملي للتقدمية والحداثة والنزعات الإنسانية.
يعزز هذه التوجهات أن القارة السمراء تشهد محاولات إيجابية للتنمية وتحقيق الديمقراطية تزيد من الاهتمام الغربي.
وتقع إثيوبيا في قلب خطوط هذه الاهتمامات المتنوعة لديها، إثيوبيا ثاني أكبر بلد سكاناً بعد نيجيريا وهو بلد ذو تاريخ مسيحي عريق وإمبراطوري غامض يعطيه جاذبية لدى الغرب، كما أنه يخطو ببطء نحو الديمقراطية ويحقق معدلات نمو لافتة، والأهم أن له تأثيراً كبيراً في محيطه المضطرب وفي مدخل البحر الأحمر الاستراتيجي حتى لو لم تطل عليه.
وفوز آبي أحمد بنوبل تعبير واضح عن التقدير الغربي للتجربة الإثيوبية.
في المقابل، فإن السيسي يمثل حليفاً مثيراً للجدل بالنسبة للغرب.
فهو يسهل صفقة القرن ويمنع الهجرة غير الشرعية، ويبرم صفقات سلاح باهظة.
ولكنه يمثل إحراجاً للزعماء الغربيين وبالأخص الأوروبيين مثلما حدث مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي رغم بيع بلاده للطائرات الرافال لمصر، فإنه تعمد في مؤتمر صحفي مشترك مع السيسي انتقاد حقوق الإنسان في مصر ليبرأ نفسه أمام الرأي العام الفرنسي والغربي.
وقد يصل الحرج لدرجة تجنُّب لقائه مثلما فعلت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لإلغاء اجتماعها مع السيسي على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة بسبب قمع المعارضة خلال مظاهرات 20 سبتمبر/أيلول 2019.
لا يعني ذلك استبعاد أن تظهر وساطة سواء من قِبل إحدى الدول الغربية أو جهة أممية أو السعودية والإمارات.
ولكن يظل احتمال نجاح هذه الوساطة مرتبطاً بمدى استعداد الجانب الإثيوبي، أو التلويح بفرض عقوبات دولية، وهو أمر صعب التحقيق، وازداد جراء تنازل القاهرة عما كانت تعتبره حقوقاً تاريخية عبر توقيعها على إعلان المبادئ ثم أخيراً تحول غريمها آبي أحمد لنجم دولي ساهمت السياسة المصرية في إعلاء شأنه.