وجدت دراسةٌ حديثة نشرتها مجلة Science Advances العلمية الأمريكية، أنَّ الآثار اللحظية لاندلاع حرب نووية بين الهند وباكستان قد تسفر عن مقتل نحو 125 مليون قتيل. وهذا يبلغ 2.5 ضعف وفيات الحرب العاملة الثانية، حيث يقدَّر أن 50 مليون شخص قد قُتلوا كنتيجة مباشرة للعمليات العسكرية.
وقالت مجلة Newsweek الأمريكية إن الدراسة، التي شارك في تأليفها باحثون بجامعة روتغرز الأمريكية، تضع تصوُّراً ملموساً لحجم الكارثة التي قد تحلُّ إذا ما شبّ نزاعٌ نووي بين الدولتين.
وبالإضافة إلى عدد القتلى المقدَّر بأكثر من 100 مليون إنسان في التداعيات المباشرة للحرب، يحذر مؤلفو الدراسة من أنَّنا نتوقَّع أن يسفر ذلك عن تدهورٍ بمعدَّل نمو النباتات بنسبة 20% إلى 35%، في حين تنخفض إنتاجية المحيطات بنسبة 5% إلى 15%، وهي نتيجة قد تُسفر عن مجاعات كبرى، واختلالٍ بالتوازن البيئي، ومزيد من الوفيات. ويقولون إنَّ التعافي من تداعيات حربٍ كتلك قد يستغرق أكثر من عشرة أعوام.
سباق التسلح النووي بين الهند وباكستان
وقال آلان روبوك، وهو أستاذٌ بارز بقسم العلوم البيئية من فرع جامعة روتغرز بمقاطعة نيو برونسويك الكندية: "تملك تسع دول في العالم أسلحةً نووية، لكنَّ باكستان والهند هما الدولتان الوحيدتان بين هذه الدول اللتان تزيدان من حجم ترسانتهما بشكلٍ متسارع".
وأضاف: "ونظراً إلى الاضطراب المستمر بين الدولتين المسلَّحتان نووياً، خاصةً حول إقليم كشمير، فإنَّه من المهم أن ندرك تبعات الحرب النووية".
وبالفعل، طالب رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة التي عُقدت في نيويورك، بدعم دولي ضدّ قرار الهند إلغاء وضع الحُكم شبه الذاتي الذي يمتَّع به الجزء التابع للهند من إقليم كشمير الشهر الماضي، وفرض حصارٍ على الأغلبية المسلمة فيه؛ وهو ما أدى إلى تفاقم خطر اندلاع حربٍ نووية بين الدولتين.
وقال عمران خان: "إذا ما اندلعت حربٌ تقليدية بين الدولتين، فقد يحدث أي شيء. لكن بفرض أن واجهت دولةٌ أصغر سبع مرَّاتٍ من خصمتها اختياراً كالآتي: إما أن تستسلم، وإما أن تقاتل حتى الموت، أيُّهما نختار؟".
وأضاف قائلاً: "أسأل نفسي هذا السؤال وأؤمن بأن لا إله إلا الله، وأنَّا سنقاتل. وعندما تقاتل دولة مسلَّحة نووياً حتى النهاية، فإنَّ تبعات ذلك تمتدّ أبعد كثيراً من حدودها".
125 مليون قتيل في حال اندلاع حرب نووية
استندت حسابات وتقديرات روبوك وزملائه إلى سيناريو محتمل لاندلاع حربٍ في عام 2025، حيث يقدَّر أن تملك كلتا الدولتين 400 إلى 500 سلاحٍ نووي فيما بينهما.
يقول الباحثون إنَّ كل رأسٍ نووي قد يتحوي على طاقةٍ انفجارية تتراوح بين 15 كيلو طن -وهي تكافئ 15 ألف طنٍ من متفجرات TNT، وهذا نفس حجم قنبلة "الولد الصغير" التي أُسقِطَت على هيروشيما عام 1945- وبضع مئاتٍ من الكيلو طن.
تعدَّى أكبر سلاحٍ نووي عُرِف حتى اليوم، وهي قنبلة Tsar Bomba السوفييتية، التقديرات التي وضعها الباحثون بالحسبان بقوَّةٍ انفجارية بلغت 50 ميغا طن.
أنهى الباحثون نتائج دراستهم بأنَّه إذا ما أطلقت الهند 100 سلاحٍ استراتيجي في حال اندلاع نزاعٍ نووي وأطلقت باكستان 150، فسوف يبلغ عدد الوفيات التي تُسفر عنها التداعيات المبدئية لمثل هذه الحرب من 50 مليوناً إلى 125 مليون قتيل، يعتمد فيها التعداد الدقيق للوفيات على حجم الأسلحة المستخدمة. وحتى يوضَع هذا الرقم في سياقٍ يسهُل إدراكه، فقد قُتل 50 مليون شخص في الحرب العالمية الثانية، مع أنَّ هذا الرقم لا يضع في الحسبان مَن ماتوا إثر المرض والجوع في تبعات الحرب. وأضاف الباحثون أنَّ أكثر من ذلك بكثير سوف يموتون ضحية مجاعاتٍ كُبرى سوف تلحق الحرب بالتأكيد.
مجاعة كبرى وعودة الأرض إلى العصر الجليدي
تُعَد المجاعة سيناريو مرجَّحاً، لأنَّ الانفجارات سوف تسبّب حرائق من شأنها، إجمالاً، أن تُطلق 16 إلى 35 مليون طنٍ من السخام في الجو. هذا السخام يمتصُّ إشعاع الشمس ويسخّن الهواء؛ وهو ما يؤدي إلى صعود الدخان إلى طبقاتٍ أعلى من الجو، حاجباً نور الشمس حتى يصل منه 20% إلى 35% أقل إلى الأرض.
قد يدشّن هذا فترةً من البرودة العالمية -أي شتاء نووي- يجعل درجات الحرارة على سطح الأرض تنخفض بمقدار 12 إلى 15 درجة مئوية، وصولاً إلى درجاتٍ لم تشهدها الأرض منذ آخر العصور الجليدية. قد نشهد في الوقت ذاته انخفاضاً في معدلات هطول الأمطار بنسبة 15% إلى 30%، وهو ما سوف يؤثر في مناطق بعينها أكثر من غيرها.
ونتيجةً لذلك، يتوقَّع الباحثون أن تشهد الأرض نمواً نباتياً أقل بنسبه 15% إلى 30%، وانخفاضاً بإنتاجية المحيطات عالمياً بنسبة 5% إلى 15%.
وقال روبوك: "لن تهدِّد حرب كهذه مواقع انفجار القنابل فحسب، بل العالم أجمع".
لكن ذلك لن يثني الدولتين عن مواصلة تسلحهما النووي
وقال روبوك متحدثاً لمجلة Newsweek الأمريكية: "أعتقد أنَّنا كنَّا محظوظين على مدار 74 عاماً منذ قيام آخر حربٍ نووية وحتى اليوم، لأنَّه لم تندلع حروب نووية أخرى سبَّبتها أخطاءٌ، أو ذعر، أو سوء فهم، أو غلطات تقنية، أو اختراق إلكتروني".
وأضاف: "ما دامت الأسلحة موجودة، فإنَّ استخدامها وارد. وبهذا فإنَّ خطر التصعيد النووي للنزاع القائم في إقليم كشمير أمرٌ محتمل".
كتب مؤلفو الدراسة قائلين إنَّه من المستبعد أن يستهلّ أيٌّ من الطرفين نزاعاً نووياً دون استفزازٍ جلل من الطرف الآخر. ومع ذلك، فإنَّهم حذَّروا من بداية حربٍ باردة جديدة.
وكتبوا: "قد تكرّر الهند وباكستان السيناريو المؤسف الذي عاشته الولايات المتحدة وروسيا في حقبة الحرب الباردة بينهما: أي أن تتبنى الدولتان قُوى نووية مدمِّرة تفوق بمراحل، دور السلاح النووي في ردع العدوان".
ومع أنَّ الهند وباكستان لا تقتربان من امتلاك القوَّة النووية التي تملكها الولايات المتحدة أو روسيا -وهما دولتان تمتلكان معاً 93% من الأسلحة النووية في العالم المقدَّرة بتعداد 13900 سلاح- إلَّا أنَّ كلتا الدولتين تستمر في توسعة الترسانة التي تملكها، بدلاً من تحقيق الاستقرار النووي.
وعلى سبيل المثال، تقدَّر خزينة الهند من الرؤوس النووية بما يتراوح بين 130 و140 رأساً. وبحلول عام 2025، قد يزيد هذا العدد حتى يصل إلى 200 رأس نووي.
وقال روبوك: "الحلُّ الوحيد لمنع اندلاع الحرب النووية هو التخلُّص من هذه الأسلحة".