في الوقت الذي كان يسعى فيه القادة الفرنسيون والباكستانيون وغيرهم إلى تدبير عقد اجتماع بين الرئيسين الأمريكي والإيراني على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، يصعّد تنافس القوى الكبرى من حدة التوتر القائم في مياه الخليج والمحيط الهندي.
ومع أن احتمالات أن يجري لقاء وجهاً لوجه بين الرئيسين دونالد ترامب وحسن روحاني تظل ضعيفة في أحسن الأحوال، فإن المرجح، في حال انعقاده، أن يتمحور الاهتمام حول تعزيز أمن المنشآت النفطية السعودية الرئيسة بعد هجمات الطائرات بدون طيار والصواريخ التي جرت مؤخراً، وألقت السعودية والولايات المتحدة باللائمة فيها على إيران، إضافة إلى تعيين رد مناسب يقلل من خطر مواجهة عسكرية كاملة.
واشنطن تحاول طمأنة السعودية والإمارات
انضمت السعودية والإمارات، بعد أيام من الهجمات التي ألحقت أضراراً بالغة بالمنشآت النفطية، إلى تحالفٍ تقوده الولايات المتحدة لتأمين الممرات المائية في الشرق الأوسط. وتعهدت كل من بريطانيا والبحرين وأستراليا في وقت سابق بالمشاركة في التحالف.
ورفضت اليابان الانضمام، لكنها قالت إنها تفكر في إرسال "قوة الدفاع الذاتي البحرية" (SDF) اليابانية في مهام لجمع المعلومات في المنطقة. ويقال إنها ستنسق مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وتضم مضيق هرمز إلى محيط عملياتها إذا وافقت إيران. وكانت اليابان قد سعت دون نجاح للتوسط بين الولايات المتحدة وإيران.
في غضون ذلك، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية، استجابةً لطلب من السعودية والإمارات وفي محاولة لطمأنة الحلفاء الخليجيين، أنها أرسلت عدداً غير محدد من الجنود والمعدات إلى البلدين لتعزيز دفاعاتهم.
مناورات عسكرية إيرانية مشتركة
ورفع العميد الإيراني غدير نظامي، رئيس الشؤون الدولية والدبلوماسية في القوات المسلحة لبلاده، مستوى المخاطر بعدما قال إن البحرية الإيرانية ستجري مناورات مشتركة مع روسيا والصين في المحيط الهندي وبحر عُمان.
ولم يعين الجنرال نظامي، الذي يُقال إنه رافق مؤخراً رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري في زيارة إلى الصين، موعداً محدداً لتلك المناورات. في الوقت الذي لم تعلن وسائل الإعلام الصينية والروسية بعد عن المناورات المزمعة، رفض المتحدثون الرسميون في البلدين تأكيد أو نفي الإعلان الإيراني.
وقال قائد القوات البحرية الإيرانية، الأدميرال حسين خازنزادي، في يوليو/تموز، إن القوات البحرية الروسية والإيرانية ستجري مناورات مشتركة في غضون أشهر لتعزيز التعاون العسكري.
وقد يكون التردد الروسي والصيني في تأكيد المناورات مقصوداً لتجنب زيادة التوترات مع استمرار المساعي المبذولة في الأمم المتحدة للتوسط بين الولايات المتحدة وإيران.
علاوة على أنه من المرجح أن يميل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تجنب ما قد يُعكر زيارته المزمعة إلى المملكة العربية السعودية في أكتوبر/تشرين الأول المقبل. وكان بوتين قد دعا السعودية إلى استكمال خطوات الحصول على نظام "إس 400" الروسي المضاد للصواريخ الذي كان قد جرى الاتفاق عليه من حيث المبدأ منذ عامين.
والتقى وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف هذا الأسبوع نظيرَه السعودي إبراهيم العساف في الأمم المتحدة لمناقشة الزيارة.
وقد لا تكون روسيا والصين راغبتين أيضاً في إحباط الاقتراح الروسي المدعوم من الصين بشأن اتفاقية أمنية جماعية في الخليج تحل محل المظلة الدفاعية الأمريكية في الوقت الذي قد تقصد فيه السعودية، مع شكها في صلابة الموقف الأمريكي في الوقوف بجانبها، إلى دولٍ أخرى طلباً للدعم في حماية منشآتها النفطية.
وذكرت وكالة الأنباء الكورية الجنوبية "يونهاب" الأسبوع الماضي أن ولي العهد محمد بن سلمان طلب مساعدة كوريا الجنوبية في تعزيز نظام الدفاع الجوي للمملكة.
"الولايات المتحدة عالقة في موقفٍ نتيجته سيئة"
يقول جيمس دورسي، الصحفي الأمريكي والباحث المتخصص بشؤون الشرق الأوسط، في مقالة نشرها بموقع LobeLog الأمريكي: يبدو أن المخاوف الخليجية بشأن موثوقية الموقف الأمريكي، والتي ترجع في الأصل إلى تفاوض الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما لإبرام اتفاق نووي دولي مع إيران، وعززتها ردة فعل ترامب التساومية مع الهجمات الأخيرة على حقول النفط السعودية، لا تترك للسعوديين والأمريكيين خيارات جيدة.
ويذهب الباحث في شؤون الشرق الأوسط والمستشار السابق لوزارة الدفاع الأمريكية بلال صعب، على خلفية شعور سائد في دول الخليج بأن الولايات المتحدة تقلص تدريجياً من التزامها بالدفاع عنهم في حين تركز واشنطن على آسيا والمحيط الهادي، إلى أن حقيقة الموقف أن الولايات المتحدة عالقة في موقفٍ نتيجته سيئة مهما فعلت أو بذلت من جهود.
إذ إن الخيارات المتوفرة لديها المتعلقة بتقليص التزاماتها دون التخلي عن العمود الفقري لمنظومتها الدفاعية وإفساح المجال أمام منافسي أمريكا خيارات جد محدودة.
تغيير الاستراتيجية الأمريكية في الخليج
ويعتقد صعب أن الولايات المتحدة ينبغي أن تصرف تعاونها الأمني المنصبّ على هدف واحد وهو مبيعات الأسلحة، إلى التركيز على المزيد من بناء البنية التحتية الدفاعية المؤسسية لدول الخليج. فقد يعرض فشلُها في القيام بذلك المنطقةَ لخطر مزيد من التوترات الإقليمية التي تخرج عن نطاق السيطرة بشكل متكرر، وهو ما قد يحول في نهاية المطاف دون تقليص الولايات المتحدة التدريجي من التزاماتها في المنطقة.
والمشكلة، على حد تعبير صعب، أن ما يجدر بالولايات المتحدة فعله لـ"التخفيف بمسؤوليةٍ من عبئها الأمني وحضورها في المنطقة" مع الحفاظ على فرص بيع الأسلحة المربحة، قد يعزز التصورات عن أمريكا باعتبارها غير موثوقة ومستعدة للتضحية بأصدقائها، وهو تصور يعود إلى الثورات العربية الشعبية في عام 2011 عندما أيدت واشنطن في النهاية إطاحة الرئيس المصري وحليفها السابق حسني مبارك.
ويُرجع صعب ذلك إلى أن اقتراحه "يعني وينطوي على بناء وتقوية المؤسسات التي يتوفر لديها السلاح، وبالتالي القدرة، على القيام بانقلابات. وفقط مستبد عربي مغفل هو من يهتم بذلك. علاوة على أن هذا يعني أيضاً إزالة القيود أو إضفاء الطابع الاحترافي على وزارات الأمن القومي ووكالات الاستخبارات في تلك الدول. وقليل من القادة العرب قد يقبل طواعية تقويض شبكات العملاء الخادمة له وتديرها الحكومات التابعة لهم. أي إن الأمر باختصار، أن إصلاح الدفاع يقتضي إصلاحاً سياسياً في البداية".
أضف إلى ذلك، فإن بناء المؤسسات قد يحبط التصورات المختلفة لدول الخليج عن كونها عرضة للخطر والتهديد، ومن ثم يؤدي بها إلى حالة من الشعور بالأمان قد تدفعها إلى إعادة التفكير في سياساتها المتعلقة بشراء الأسلحة ومنح الولايات المتحدة وصولاً كاملاً إلى ما تحوطه بأقصى حمايةٍ من أدق المعلومات والبرامج السرية الخاصة بها.
ويقول صعب: "ثمة الكثير من المشكلات سواء على طرف الولايات المتحدة أو عند شركائها عندما يتعلق الأمر بالتعاون الأمني. لكن تلك المشكلات سيكون من المستحيل حلها إذا لم تجر الولايات المتحدة تبديل كامل في الكيفية التي تفكر بها في التعاون الأمني".
سيتطلب ذلك رئيساً أمريكياً يفكر في العوامل الاستراتيجية لا الشروط التفاوضية والمساومات.