امتدت جهود البيت الأبيض لتقييد الاطلاع على محادثات الرئيس دونالد ترامب مع القادة الأجانب، إلى المكالمات الهاتفية له مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ورئيس روسيا فلاديمير بوتين.
وكانت تلك المكالمات -التي تُجرى مع زعيمين تجمعهما بترامب علاقات مثيرة للجدل- من بين المحادثات الرئاسية، التي اتخذ المساعدون خطوات مهمة لمنع خروجها إلى العلن، بحسب ما ذكرته شبكة CNN الأمريكية، الجمعة 27 سبتمبر/أيلول 2019.
خوف من تسريبات أخرى
ونقلت الشبكة عن مصدر -لم تسمّه- قوله إنه في حالة "مكالمة ترامب مع الأمير محمد بن سلمان لم يسبق للمسؤولين الذين يُسمح لهم عادةً بالاطلاع على نسخة من النص العام للمحادثة رؤية هذه النسخة".
وأضاف المصدر: "بل لم تتوافر نسخ من هذا النص على الإطلاق"، وهو ما أشار إليه المصدر بأنه غير مألوف أبداً، خاصة بعد محادثة رفيعة المستوى بينهما.
وجاءت المكالمة -التي قال المصدر إنها لا تحوي أسراراً حساسة تمسّ الأمن القومي بشكل خاص- في الوقت الذي كان فيه البيت الأبيض يتعامل مع قضية اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، الذي قالت تقييمات المخابرات الأمريكية إنه حدث على يد الحكومة السعودية.
وفيما يخصّ بوتين، فقد قُيّد الاطلاع على ما لا يقل عن نص واحد من محادثات ترامب مع بوتين تقييداً كبيراً، وفقاً لمسؤول سابق في إدارة ترامب نقلت عنه الشبكة الأمريكية.
وليس من الواضح ما إذا كان المساعدون قد اتخذوا الخطوة الإضافية المتمثلة في وضع مكالمات هاتفية بين ترامب والسعودية وروسيا، في النظام الإلكتروني نفسه المؤمّن تأمنياً عالياً، والذي يضم المكالمة الهاتفية بين ترامب والرئيس الأوكراني، والتي قد تتسبب بعزل ترامب من منصبه.
وطلب ترامب في هذه المكالمة من نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، معلومات لاستخدامها ضد جو بايدن، المنافس الأبرز لترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
تسريب مكالمة أوكرانيا
وقالت CNN إن محاولات إخفاء المعلومات حول مناقشات ترامب مع الأمير محمد وبوتين، توضح أيضاً الجهود غير العادية التي بذلها مساعدو ترامب للحد كثيراً من عدد الأشخاص الذين يمكنهم الاطلاع على محادثاته مع القادة الأجانب.
ولم يعلق البيت الأبيض على تقييد الاطلاع على المكالمات مع الزعيمين الروسي والسعودي.
وقال مسؤولون إن "هذه الممارسة بدأت قبل أكثر من عام، بعد أن كشفت التسريبات المحرجة معلومات حول محادثات ترامب الهاتفية مع زعيمي أستراليا والمكسيك".
وفيما تطال هذه الممارسة النظام عالي التأمين المخصص للقضايا بالغة الحساسية، فقد امتدت أيضاً إلى الحد من عدد الأفراد الذين يُزوّدون بنص المكالمة أو يمكنهم الاستماع إليها.
وأصبحت هذه الجهود تحت المجهر بعد أن زعم الرجل الذي كشف عن مكالمة ترامب ونظيره الأوكراني، أن مسؤولي البيت الأبيض اتخذوا خطوات غير عادية لإخفاء مكالمة ترامب مع زيلينسكي.
وزعمت الشكوى التي تقدم بها الرجل كاشف المكالمة، أن التعامل مع مكالمة أوكرانيا "لم يكن المرة الأولى" التي اتُّخذت فيها هذه الخطوات "لغرض وحيد هو حماية المعلومات السياسية الحساسة، وليس المعلومات الحساسة التي تمس الأمن القومي".
نظام مخصص للمستندات الحساسة
ويقول مسؤولو الإدارة إن جون إيزنبرغ، نائب مستشار البيت الأبيض لشؤون الأمن القومي والمستشار القانوني للأمن القومي، وجّه بنقل نص مكالمة أوكرانيا إلى النظام المنفصل عالي السرية، كما هو مفصل في شكوى المبلغ عن المخالفة.
وعادةً ما يكون هذا النظام مخصصاً للمستندات شديدة الحساسية التي تتطلب "كلمة سر"، مثل العمليات السرية.
وقد أقر البيت الأبيض في وقت سابق من يوم الجمعة 27 سبتمبر/أيلول بأن مسؤولي الإدارة وجهوا بنقل نص مكالمة أوكرانيا إلى نظام سري للغاية، ما يؤكد المزاعم الواردة في شكوى المبلغ عن المخالفة.
وقال مسؤول كبير في البيت الأبيض، في بيان مُقدَّم لشبكة CNN، إن خطوة وضع نص المكالمة في النظام جاءت بتوجيه من محاميّ مجلس الأمن القومي.
إذ قال مسؤول كبير بالبيت الأبيض نقلت عنه CNN: "وجّه محامو مجلس الأمن القومي بالتعامل مع الوثيقة السرية على النحو الواجب".
لكن البيان لم يوضح ما إذا كان أي شخص آخر في البيت الأبيض قد شارك في قرار وضع نص مكالمة أوكرانيا في النظام الأكثر تقييداً. ولم يتطرق أيضاً إلى اتهام ورد في الشكوى بأن نصوص مكالمات هاتفية أخرى عُوملت بطريقة مماثلة.
ومثل المكالمة التي أجراها ترامب مع ولي العهد السعودي، لم يضم نص مكالمة أوكرانيا معلومات شديدة السرية تتطلب مثل هذه الخطوة، ما أثار تساؤلات حول سبب إصدار الأمر.
ولم يشرح البيت الأبيض سبب وضعه مكالمات مع رؤساء دول بعينهم في النظام الذي يتطلب كلمة سر، حتى لو لم يكن محتواها بالغ السرية، مثل مكالمة أوكرانيا.
إذ قال مسؤولون من الإدارتين السابقتين إنه من غير المعتاد نقل نص مكالمة لا يحوي معلومات حساسة إلى النظام الإلكتروني الذي يتطلب كلمة مرور.
موقف محرج للبيت الأبيض
وقال سام فينوغراد، محلل الأمن القومي في شبكة CNN الذي عمل في مجلس الأمن القومي للرئيس باراك أوباما وفي وزارة الخزانة في عهد الرئيس جورج بوش الابن: "على حد علمي، لا يُنقل نص المكالمات إلى نظام كلمة السر مطلقاً إذا لم يكن متوافقاً مع شروطه. وإذا كان الرئيس يدرج الأشياء التي يريد إبقاءها طيّ الكتمان في بند السرية ثم ينزع عنها السرية، فهذا إساءة استخدام للسلطة والنظام".
وقال ثلاثة مسؤولين سابقين في مجلس الأمن القومي، إنهم لم يكونوا على علم بأن المكالمات التي لا تحوِ معلومات بالغة حساسة تمس الأمن القومي تُنقل إلى مكان آخر، بحسب ما ذكرته CNN.
وفي حين أن ممارسة الحد من الاطلاع على مكالمات الزعماء الأجانب بدأت بشكل جدي العام الماضي بعد تسريبات مكالمات المكسيك وأستراليا، إلا أنه ليس من الواضح على وجه الدقة متى اتُّخذت الخطوات الأولية في هذه الممارسة.
وتعرض البيت الأبيض لموقف محرج أيضاً حين ذكرت تقارير أن ترامب هنأ بوتين في مكالمة هاتفية بعد فترة وجيزة من الانتخابات الروسية التي اعتُبرت غير شرعية على نطاق واسع. وكان موظفو البيت الأبيض قد كتبوا مذكرة تنصح ترامب بألا "يهنئ" بوتين في الاتصال.
يُذكر أن جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق لترامب الذي غادر منصبه في وقت سابق من هذا الشهر، كان معروفاً بتعامله الصارم مع المعلومات بشكل عام، وفقاً لمصادر عملت معه في مجلس الأمن القومي. ولم يرد حين طُلب منه التعليق من خلال المتحدث الرسمي باسمه.
وقال مسؤول سابق بالإدارة إنه على الرغم من الحماية التي توفرها كلمة السر، فلست تحتاج بالضرورة إلى تصريح خاص للاطلاع على السجلات، وهناك إجراءات يتبعها المسؤولون للاطلاع على المكالمات التي يريدونها.
حساسية كبيرة من روسيا
وقالت CNN إن "علاقات ترامب مع كل من الأمير محمد وبوتين أصبحت موضع تمحيص خلال السنوات القليلة الماضية. وكلاهما حاكمين مستبدين لهما سجل مؤسف في حقوق الإنسان".
وبعد مقتل خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول عام 2018، تعهد ترامب بالتعمق قضية مقتل خاشقجي، لكنه ردد كثيراً أنه غير مستعد لقطع العلاقات الأمريكية السعودية- بما في ذلك العلاقات العسكرية والتجارية الذي سيترتب على ذلك.
وفيما يخص بوتين، عمل ترامب جاهداً على حماية محادثاته معه، ومن ذلك أنه طلب الملاحظات التي أخذها مترجمه الفوري بعد أول لقاء لهما عام 2017.
وما يزال ترامب يشعر بحساسية كبيرة تجاه الاتهامات القائلة إنه على وفاق كبير مع الرئيس الروسي، الذي أشرف على محاولة للتدخل في الانتخابات الأمريكية لانتخابه.