تخيَّل الكاتب الأمريكي إدجار رايس عام 1912 في روايته "طرزان"، وجود طفل ينشأ بعيداً عن البشر، ينشأ في الغابات وبصحبة مجموعة من القردة، ويصبح تلقائياً واحداً منهم، يتصرف مثلهم ويأكل من أكلهم. حققت الرواية نجاحاً كبيراً، وانطلق طرزان ليصبح من أشهر الشخصيات الخيالية.
هل كان الأمر خيالياً فقط؟ تقول بعض القصص التي تواترت إلينا، إن الأمر قابل للتحقق، وإن هناك أطفال عاشوا بالبرية، لتربيهم الحيوانات بغريزتها، وتبذل ما بوسعها لتعليمها سبل البقاء على الحياة!
نتعرف في هذا التقرير على بعض تلك القصص الغريبة.
1- مارينا تشابمان.. الفتاة التي ربَّتها القرود
مارينا تشابمان مؤلفة كتاب شهير وتعيش حالياً في برادفورد، إنجلترا. إذا لم تكن تعرف شيئاً عن حياتها في أثناء طفولتها، فستقول إنها شخص طبيعي إلى حد كبير وتعيش حياة طبيعية.
لكن كتابها، الذي هو عبارة عن سيرتها الذاتية، يذكر أن هذه المرأة اختُطفت وهي طفلة، رُبما للحصول على فدية، ولكنها هربت من الخاطفين إلى الغابة الكولومبية.
خلال وجودها في الغابة، تبنَّتها مجموعة من قرود الكابوتشين. علّمت القرودُ مارينا الصغيرة كيف تصطاد الطيور والأرانب بيديها العاريتين، حتى تتمكن من البقاء على قيد الحياة والعناية بنفسها.
وبعد خمس سنوات من حياتها مع القردة، أنقذها مجموعة من الصيادين، وجدوها وباعوها إلى بيت للدعارة.
في تلك المرحلة، لم تكن لديها قدرات لغوية بشرية، هربت من بيت الدعارة، وتمكنت من الوصول إلى مدينة برادفورد حيث عملت مربية، والتقت زوجها المستقبلي وأسست عائلة.
تقول تشابمان لصحيفة The Guardian البريطانية إنه لا شيء يشبه تلك الأيام الجميلة التي تربَّت فيها وسط عائلتها الأصلية -قاصدة بذلك مجموعة القردة- فهي تعرف أنه الآن بعد أن تجاوز عمرها ستين عاماً، لا يمكنها تسلق الأشجار ولا التأرجح بين فروعها كما كانت تفعل في تلك الأيام السابقة.
تعرف مارينا أيضاً أن حجمها ضئيل، وأنها تشبه القرود قليلاً، وأنها في بعض الأحيان لا تبدو مثل الإنسان كثيراً.
عديد من العلماء شككوا في قصة تشابمان، ومع ذلك، أظهرت دراسة علمية باستخدام الأشعة السينية لعظام ساق مارينا أنها عانت سوء تغذية حاداً عندما كانت طفلة صغيرة، على الأرجح خلال فترة بقائها مع الكابوتشين، عندما كان نظامها الغذائي حينها محدوداً للغاية.
2- طفل صغير بقي على قيد الحياة بمساعدة القطط
في عام 2008، اكتشفت الشرطة الأرجنتينية فتى يبلغ من العمر عاماً واحداً، مُحاطاً بثماني قطط برية، ولاحظت الشرطة أنه مع اقترابها من الطفل، كانت القطط تُحاول حمايته وتُصبح عدائية في الدفاع عنه.
توصلت الشرطة أن القطط كانت تُبقي الطفل على قيد الحياة خلال فصل الشتاء، عن طريق لعقه باستمرار والبقاء فوقه، مثل بطانية حية.
كما كانت تحاول أن توفر له ما يصل إلى أيديها من الطعام دون أن تأكله. وبناءً على تحريات الشرطة فقد تبين أن الصبي تاه من والده وأصبح بلا مأوى، بينما كان الأخير يجمع الكرتون لبيعه.
تقول الشرطية أليشيا لورينا ليندفيست التي اكتشفت مكان الطفل: "كنت أسير ولاحظت وجود مجموعة من القطط تجلس بالقرب من بعضها البعض، وكان من غير المعتاد أن أرى هذا المشهد، فذهبت لإلقاء نظرة فاحصة، ووجدت الصبي الذي كان يرقد في القاع وكان هناك عدد كبير من القطط فوقه تلعقه".
3- نانوجرام شهيدي.. الفتاة التي عاشت في الغابة 38 عاماً
رُبما كانت حالة نانوجرام شهيدي واحدة من الحالات الأكثر إثارة للأطفال الذين تمت حمايتهم أو تربيتهم بواسطة الحيوانات في البرية.
اختفت في الغابة وهي في الرابعة من عمرها، ولم تظهر إلا بعد 38 عاماً في عام 2012.
كانت المجتمعات المحلية تسمع شائعات عن فتاة الغاب لسنوات، لكنهم كانوا لا يُصدقونها دائماً.
اختفت الفتاة من قريتها الصغيرة في الهند والتي تضم نحو 150 منزلاً، وتقع في أقصى الجنوب بمنطقة ميزورام الواقعة على الحدود مع ميانمار، وعُثر عليها بعد ذلك في ميانمار أيضاً، وهي تعيش عارية في مقبرة.
حينما كان يسمع القرويون عن فتاة الغاب التي تتردد منذ عقود، كانوا يرفضونها باعتبارها ثرثرة، ولم يفكروا قط في أنها قد تكون القروية المفقودة.
فبعد يوم من اختفائها، كانت هناك عاصفة ممطرة غزيرة، وافترض كثيرون أن طفلة في الرابعة من العمر لن تنجو، واشتبه البعض في أن الأشباح خطفت الفتاة، لأنهم كانوا يعتقدون أن الغابة مسكونة.
فتشت الأسرة الغابة بأكملها عدة أشهر، لكن لم يكن هناك أي أثر لشهيدي، وحينما عُثر عليها بعد 38 عاماً، لم تتذكر المرأة أي شيء من ماضيها.
منذ عودة شهيدي إلى منزلها لم تتلقَّ أي رعاية طبية أو نفسية، وهي تقضي أيامها في الانتقال من جارٍ إلى جار، واللعب مع أي شخص، صغيراً كان أو كبيراً، لا تستطيع التحدث سوى بضع كلمات.
4- روبرت مايانجا.. الصبي الذي ربَّته القرود
بدأت قصته في عام 1985، عندما وجده جنود جيش التحرير الوطني الأوغندي في الغابة، مع أسرته بالتبني، والتي كانت عبارة عن مجموعة من القرود؛ يُجهد ساقيه ليتمكن من المشي، وفمه مليء بالعشب.
كان قصيراً ذا أقدام صغيرة، ووجهه الناضج المتجعد هو فقط الذي يُظهر عمره.
تربى مايانجا بواسطة القرود حتى أصبح عمره 6 سنوات، وتعود قصته إلى أوائل الثمانينيات.
لا يُعرف عن مايانجا الكثير باستثناء مسقط رأسه المعروف باسم لوويرو في أوغندا، وتاريخ ميلاده، وأن جنود جيش المقاومة الوطني عثروا عليه في الغابة عام 1985، مع مجموعة من القرود.
يُعتقد أن والديه قُتلا في عام 1982 في أثناء الحرب، وعاش الصبي بالغابة ثلاث سنوات، حين كان عمره 3 سنوات.
وبينما كان الجنود يتجولون في الأدغال، اكتشفوا ما بدا -بلا شك- كأنه إنسان بين القرود، اضطروا إلى تفريق القرود من أجل إنقاذ الصبي، لكنه كان صراعاً شرساً، لأن القردة خاضت معركة من أجل حماية الصبي.
ووفقاً للتقارير الواردة من أولئك الذين أنقذوه، كان مايانجا يأكل في البرية الفاكهة والتوت والجذور، وتعلَّم كل سلوكيات القرود التي تبنته.
وعندما عُثر عليه، لم يتمكن من الجلوس أو الوقوف، ولكن كان يستطيع فقط أن يجلس القرفصاء ويقفز.
لم يبتسم ولا يتحدث، لكنه كان يطلق الأصوات المُعتادة في الغابة.
شخَّص الأطباء مايانجا كطفل مصاب بالتوحد؛ يعيش في عالمه الخاص، وفي الوقت الذي تم إنقاذه فيه، كان لا يستطيع أن يستجيب بسهولة للبشر، وكان يبتلع الطعام بسرعة كبيرة دون مضغه.