تراجَع «النهضة» في الرئاسة فهل يخسر السيطرة على البرلمان؟ وحزب السبسي قد يختفي تماماً

عربي بوست
تم النشر: 2019/09/24 الساعة 18:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/09/25 الساعة 07:33 بتوقيت غرينتش
النهضة تواجه اختباراً صعباً في تشكيل الحكومة التونسية/رويترز

قد يكون التونسيون على موعد مع مفاجأة جديدة، عندما يعودون في السادس من أكتوبر/تشرين الأول المقبل إلى مراكز الاقتراع لاختيار ممثليهم في البرلمان عبر الانتخابات البرلمانية التونسية، بعد المفاجأة التي حدثت في الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية وأدت إلى خروج مرشحي الأحزاب الكبرى من المنافسة، بما فيهم رئيس الوزراء يوسف الشاهد. 

وبينما ينتظر التونسيون الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، والذي سيحدد هوية رئيس تونس المقبل، أيكون قيس سعيد أم المرشح السجين نبيل القروي، تتجه الأنظار إلى الانتخابات التشريعية التي يُجمع المراقبون والمحللون إلى أن نتائجها ستكون امتداداً للزلزال الذي أحدثته رئاسيات تونس في دورها الأول.

ويشير آخر استطلاع للرأي، أعدته شركة "سيغما كونساي" بتاريخ 18 سبتمبر/أيلول 2019، إلى تصدُّر حزب قلب تونس الذي يرأسه نبيل القروي، المرشح الذي تأهل إلى الدور الثاني للانتخابات الرئاسية، والذي ما زال يقبع في السجن بسبب اتهامات بغسيل الأموال.

إذ يشير الاستطلاع إلى أن 21% من الناخبين ينوون التصويت لحزب القروي، الذي يوصف بالشعبوي، تليه حركة النهضة في المركز الثاني بـ13%، ثم الحزب الحر الدستوري بـ8% وهو حزب تترأسه عبير موسى، المقربة من الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، ويضم عدداً من الشخصيات التي شغلت مناصب عليا في عهده، ويرفع الحزب شعار الفكر البورقيبي. 

استطلاعات الرأي التي تبدو واقعية ومتماشية مع توجهات الناخب والشارع التونسي خلال الأشهر الأخيرة، تؤكد تراجعاً كبيراً للأحزاب الكبرى التي شكَّلت المشهد السياسي في السنوات الخمس الماضية على الأقل، ومن بينها حركة النهضة، وحركة نداء تونس، والجبهة الشعبية، مقابل صعود لافت للحزب حديث النشأة "قلب تونس"، والحزب الحر الدستوري، وكذلك القوائم والائتلافات المستقلة.

لماذا يتوقع أن تتراجع حركة النهضة؟

يعي قيادو حركة النهضة، الحزب الذي كان القوة الأساسية والبارزة في المشهد السياسي التونسي منذ ثورة 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، أن شعبية الحركة في تراجع كبير، وأن قواعدها في نضوب وتآكُل مستمر، نتيجة السياسات والقرارات التي اتّخذتها خلال السنوات الأخيرة، سواء على المستوى الخارجي، أي في علاقتها بالأحزاب وعدد من الملفات المحلية، وكذلك على المستوى الداخلي أي داخل الحركة نفسها.

ورغم أن قواعد حركة النهضة وخزانها الانتخابي، قد عرفت دائماً بالتزامها بالانتصار للحركة ودعمها في كل الاستحقاقات الانتخابية والمحطات البارزة في تاريخ البلاد منذ الثورة، إلا أن هذا الالتزام شهد تراجعاً كبيراً بسبب ما يصفه أنصار النهضة بتراجع الحركة عن ثوابتها ومبادئها، ودخولها في مقايضات ومهادنات سياسية مع أحزاب تورَّطت قياداتها في تعذيب قواعد وقيادات النهضة في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.  

غاضبون من التحالف مع حزب السبسي

ولم يستسغ جزء كبير من أنصار النهضة دخول الحركة في تحالف مع حركة نداء تونس، تقاسمت بمقتضاه الحركتان الحكمَ منذ انتخابات 2014، خاصة أن جزءاً كبيراً من قيادات حركة نداء تونس معروفة بانتمائها لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي (الحزب الحاكم في عهد بن علي)، الذي ما زال يناصب العداء للنهضة، ويوجه لها شتى الاتهامات بالتطرف ودعم الإرهاب وتسفير الشباب التونسي إلى سوريا.

ومن بين القرارات الأخرى التي أسهمت في تراجع شعبية حركة النهضة ونفور قواعدها، موافقة الحركة على قانون المصالحة مع رجال الأعمال والسياسيين الذين تعلقت بهم قضايا فساد، والمتهمين بارتكاب جرائم في حق البلاد وشعبها في عهد بن علي، إضافة إلى موقفها السلبي من تمرير قانون تجريم التطبيع مع إسرائيل، حيث رفضت التصويت على مشروع القانون. 

تونس
انتقادات توجه لراشد الغنوشي زعيم حزب النهضة

داخلياً، وإن حافظت الحركة على صلابة بنائها وتكوينها، إلا أن البعض يزعم أن تفرُّد رئيس الحركة الشيخ راشد الغنوشي باتخاذ القرار الفصل كان له أثر بالغ في مشكلات داخلية بالحركة، وخروج عدد من أبرز قياداتها على غرار حمادي الجبالي وزبير الشهودي. 

وقد خرج عدد من قيادي الحركة في الأسابيع الماضية، ومن بينهم عبداللطيف المكي، للدعوة لضرورة محاسبة المسؤولين عن فشل النهضة في الانتخابات الرئاسية.

وقد كان لتدخل الشيخ راشد الغنوشي في تحديد رؤوساء قوائم الحركة في الانتخابات التشريعية، واستبعاد أسماء تم انتخابها من قبل قواعد الحركة محلياً للترشح لهذه الانتخابات، أثرٌ في بروز انتقادات داخل حركة النهضة ونفور قواعدها في اتجاه أحزاب مقربة من فكرها ومبادئها.

وفي هذا السياق يشير المحلل السياسي أيمن الحرباوي إلى أن "النهضة تتراجع في استطلاعات الرأي، لعدة أسباب، لعل أبرزها: تغييرها لخطها "الثوري"، وتغلغلها في قلب "السيستام" (النظام)، خوفاً ربما من مصير إخوان مصر، أو نأيا بنفسها عن الصراعات القديمة، وللتطبيع مع الدولة" .

وأضاف: "المؤتمر العاشر للحركة ألقى بظلاله أيضاً، حيث شهد ما يصفه بـ "تكريس استفراد رئيس الحركة راشد الغنوشي" بالقرار، واختيار مكتب تنفيذي وسياسي ربما قد لا يعبر بشكل دقيق عن تركيبة حركة النهضة، ولا يُمثل العدد الأكبر من منخرطيها.

وكانت الانتخابات الداخلية الأخيرة، المؤهلة لانتخاب نواب يمثلون الحركة في البرلمان القادم، القشة التي قسمت ظهر النهضة، حسب تعبيره، والتي ربما ستكلفها ثمناً غالياً في الانتخابات التشريعية القادمة، بعد اختيار نواب وصفهم البعض بـ "القريبين من خطِّ الغنوشي وتوجهاته، وانقلب بذلك على نتائج الصندوق" .

و أضاف الحرباوي قائلاً: "كل هذه الأسباب مجتمعة، بالإضافة إلى بروز حركات ثورية قريبة من التيار الإسلامي في تونس، ولكن لا تطبّع مع المنظومة القديمة الحاكمة في البلاد، كما فعلت النهضة، تجعل تراجع الحركة في الانتخابات القادمة شبه مؤكد" .

وقال: "فبعد أن كنا نتحدث عن ناخبين يفوقون المليون ناخب بمئات، لا يكاد يتجاوز عددهم اليوم الـ400 ألف" . 

ولكن وضع حزب السبسي أسوأ.. إنه على شفا الانهيار

وعانت حركة نداء تونس من التفكك وانضمام كوادرها لأحزاب أخرى، خاصة بعد وفاة الرئيس المؤسس الباجي قايد السبسي، ووجود المدير التنفيذي للحزب حافظ قايد السبسي بفرنسا، بسبب خلافاته مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد، وهو من أبناء الحركة، قبل مغادرتها وتكوينه حزب تحيا تونس.

"فحركة نداء تونس تشهد انهياراً حاداً، مماثلاً لحدة صعودها في انتخابات 2014″، حسب الحرباوي.

إذ يقول هذه الحركة التي لم يتجاوز عمرها الفترة الانتخابية الواحدة، انهارت حتى قبل وفاة زعيمها، الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، وانبثق منها اثنا عشر حزباً، لم نعرف إلى اليوم مشربها. 

ومن الأحزاب التي انبثقت عنها: حركة تحيا تونس، التي يصفها بأنها الوريث غير الشرعي للسلطة، وقلب تونس، حزب الابن العاق الذي قال إنه أوصل الباجي إلى سدة الحكم.

وقال: "إن هذين الحزبين ربما يرثان أو يقتسمان النسبة الأكبر من المصوتين للنداء في 2014" .

وعلى غرار النهضة، يتوقع المراقبون تراجع حركة نداء تونس بشكل كبير في الانتخابات، إن لم يكن أكثر.

اليسار للخلف دُر

نفس التوقعات تنطبق على الجبهة الشعبية في الانتخابات التشريعية المرتقبة، بسبب الخلافات الداخلية بين قادتها، والتي تجلَّت في تفكُّك الجبهة إلى حزبين، وترشُّح اثنين من قيادييها للانتخابات الرئاسية، وهما حمة الهمامي ومنجي الرحوي.

 وتتكون الجبهة الشعبية من تحالف 11 حزباً يسارياً، ولكنها تعاني من خلافات حادة بدأت منذ فترة، بعد تبادل الاتهامات الخطيرة بين قيادات الصف الأول في الجبهة، تكشف عمق الصراع بين مكوناتها منذ سنوات.

وسبق أن اتهم النائب المستقيل منجي الرحوي بعضَ قيادات الجبهة بـإضعافها وتخريبها.

وقال الرحوي إن هناك شخصيتين في الجبهة تعملان على تخريبها، وهما زهير حمدي (التيار الشعبي- قومي) لأنه لديه ارتباطات ويريد جرَّ الجبهة نحو تموقع إقليمي نحن نرفضه، وجيلاني الهمامي (حزب العمال- شيوعي).

واتهم المتحدث ذاته زهير حمدي بأنه يريد أن يسير بالجبهة نحو تخندقات سياسية، ونحو موقع إقليمي، وهو ما نرفضه، في إشارة إلى دعم التيار للنظام السوري.

واتهم الرحوي الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية حمة الهمامي، بأنه ارتكب ما وصفه بـ "تطهير عرقي داخل الجبهة" .

الأحزاب تضع سيناريوهات للتعامل مع الهزائم المتوقعة

تراجع الأحزاب الكبرى المتوقع في الانتخابات التشريعية المرتقبة ليس بمعزل عن نتائج الدور الأول من الانتخابات الرئاسية، الذي شهد فشل مرشحي هذه الأحزاب في المرور إلى الدور الثاني. 

وفي هذا السياق يشير عدد من المصادر إلى أن هذه الأحزاب بدأت في البحث عن تحالفات تمكنها من تكوين جبهة سياسية وازنة وفاعلة في البرلمان المقبل.

 فالأحزاب تعي توجهات الناخبين التي برزت في الانتخابات الرئاسية في دورها الأول.

توقعات بصعود حزب المرشح الشعبوي نبيل القروي/رويترز

 كما أن مواقف الشارع التونسي يمكن قياسها عبر شبكات ومواقع  التواصل الاجتماعي، وكذلك استطلاعات الرأي، التي تشير إلى أن القوائم المستقلة والائتلافية ستكون مفاجأة البرلمان المقبل، في ظل تراجع الأحزاب الكبرى وتخبطها في خلافات داخلية، ونفور عدد من قواعدها في اتجاه خيارات سياسية أخرى تمكنها من تحقيق ما فشلت فيه الأحزاب التي كانت تنتمي إليها.

قوائم غير حزبية قد تفجر مفاجأة أخرى بدورها

من بين القوائم الائتلافية التي من المنتظر أن تحقق المفاجأة "عيش تونسي"، التي تضعها استطلاعات الرأي في المركز الرابع بنسبة 7% من الأصوات، وائتلاف الكرامة (6%). كما يتوقع مراقبون أن تحقق القوائم المستقلة نتائج كبيرة ومفاجئة في هذه الانتخابات.

وفي مقارنة مع الانتخابات التشريعية لسنة 2014 تراجع عدد القوائم الحزبية المترشحة من 813 إلى 686 سنة 2019، مقابل ارتفاع عدد القوائم المستقلة من 414 في الانتخابات السابقة إلى 707 قوائم في الانتخابات المنتظرة.

وفي هذا السياق يشير المحلل السياسي علي القاسمي: "من خلال متابعة سلوك الناخب التونسي والمزاج العام لمن يحق له الانتخاب في تونس خلال الفترة الأخيرة، نلاحظ أن هناك رفضاً واضحاً للنخبة السياسية الحاكمة منذ الثورة، وأن هناك توجهاً لتغيير هذه الوجوه والأحزاب الكلاسيكية، التي فشلت في ترك لمساتها في الحياة اليومية للمواطن". 

والنتيجة برلمان أكثر تشرذماً

"لا نتحدث عن مفاجاة بالمعنى المباشر للكلمة، خاصة أن توجه الناخبين نحو كيانات وأشخاص من خارج المنظومة التقليدية قد حدث فعلياً من خلال محطتين انتخابيتين مهمتين"، حسب القاسمي.

وأضاف: "تأكد هذا المزاج لدى الناخب التونسي في الدور الأول للانتخابات الرئاسية، عبر تصدُّر قيس سعيد لنتائج التصويت بنسبة فاقت 18% من إجمالي الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم.

وأضاف: "ضمن هذا السياق يتوقع أن يتواصل هذا التوجه لدى الناخبين في الانتخابات التشريعية، خاصة مع ارتفاع عدد القوائم المستقلة في هذا الاستحقاق" .

وختم قائلاً: "هذا التوجه يمكن تفسيره ببحث الناخب التونسي عن التغيير، وتعبيراً عن سخطه إزاء منظومة فشلت في فهم تطلعاته" . 

وقال إن النتائج لا يمكن توقعها بشكل كبير، ولكن بصفة عامة قد تعطينا مجلساً معطلاً، بسبب تراجع الأحزاب التقليدية" .

تحميل المزيد