– روي هودسون، مدرب المنتخب الإنجليزي السابق معلقاً على ليونيل ميسي.
منذ بزوغ نجم ميسي في فضاء عالمنا المحظوظ به، والمقارنات لا تتوقف عن الانعقاد بينه وبين الأسطورتين بيليه ومارادونا.
والحقيقة أن سؤال المقارنات هذا هو السؤال الخاطئ بكل تأكيد. أن يُقارن ميسي بأحد الأساطير القدامى أو الحاليين مهما كان اسمه (الظاهرة رونالدو مثالاً) هو أمرٌ يثير حفيظتي بشدة. لأنه يخرجنا عن سياق كرة القدم كلية ويدخلنا في سياق التاريخ، فترى النقاش يخرج عن نطاق الفنيات والإبداع الكروي إلى مقارنة بين الأزمنة؛ هل هذا الزمن الحالي أفضل أم أن الماضي كانت الدنيا فيه أجمل؟، فتجد كل يتعصب إلى زمانه، هم يحنون إلى الماضي الدافئ المليء بالخير، أيام كان هذا العالم أفضل مما هو عليه الآن حتى وإن لم يكن ذلك حقيقياً. ونحن لم نحيا في ماضيهم كي نقرر!
يدخلنا أيضاً هذا السؤال في دوامة تعصب جيلي، فتجد العجزة يقولون إن بيليه هو أفضل من لمس الكرة حتى وإن كانت كل علاقتهم به أنهم سمعوا به عن طريق المذياع أو قرأوا جريدة تصف لهم كم هو لاعبٌ فذ.
أما من هم أصغر منهم، تجدهم يقولون بأن مارادونا هو '' رب الكرة '' وأن الكرة دونه لم تكن لتساوي شيئاً وهؤلاء إنما يحبون مارادونا -مع كامل الاعتراف بأنه أحد الأعلام الكبار في تاريخ كرة القدم- لسبب يتجاوز المستطيل الأخضر ألا وهو أنهم رأوا فيه الحياة التي تمنوها لأنفسهم، إذ رأوا فيه التمرد والخروج عن النص كأمر رائق ومميز، مع شخصية متفردة عصية على التطويع ويخشى رد فعلها الجميع، الكل كان يتمنى أن يكون مكانه، أن يكون لاعباً مشهوراً يتعاطى المخدرات ويعاشر النساء ويفعل ويقول ما يحلو له بلا حساب أو رقيب ثم يسبح بحمده الجميع بعد ذلك.
هذه الحالة من "النوستالجيا" المستعصية التي تغلق الأعين عن قصد حتى لا تنسى الماضي، فيضيع عليها رؤية الحاضر الأكثر روعة، هي حالة مستعصية، تذكرني بأولائك الذين يستعيدون ذكريات أيام كانت مصر ملكية، لا يجبرهم على هذا سوى سوء الحاضر وقتامته، حتى وإن كانت أيام الملكية أشد سوءاً من الآن، إلا أنهم سيقومون باقتطاع بعض المشاهد من سياقاتها الأكبر ونشرها والترويج لها.
لكن يبدو أن رجلاً من ذلك الجيل العجوز لديه رأي صادم لزملائه، هذا الرجل هو المدير التنفيذي لنادي الميلان، أدريانو جاليانو.. يقول جالياني "ميسي هو أفضل لاعب على الإطلاق، هذا القول قادم من عجوز شاهد بيليه ومارادونا".
حتى الرجل الذي يلعب كرة قدم لا تعرف المتعة، دييجو سيميوني، صانع نهضة أتليتكو مدريد الحالية والغارق في الواقعية يقول: "لقد ملأنا مارادونا بالمشاعر، لكن في ما بين السطور، وبدون أي شك، ميسي أفضل من مارادونا".
لم أشاهد مارادونا ولا بيليه على أرض الواقع، لكنني استطعت الحصول على أشرطة تحوي أعظم مبارياتهم التي قاموا بها، وأستطيع أن أقول بالفم الملآن إن أعظم أداء قدموه طيلة مشوارهم، كان يقوم به ميسي في مبارياته ''غير الاستثنائية''. لا أدرك كيف تغيب أو تُغيب هذه الحقيقة.
على كل حال، لست أنا فقط من يقول هذا، أرسين فينجر، المدرب التاريخي لنادي الأرسنال يشاطرني نفس الرأي.. "من أفضل لاعب في العالم؟ ميسي، من أفضل لاعب في التاريخ ؟ ليونيل ميسي".
أشاهد كرة القدم من أكثر منذ خمسة عشر عاماً، رأيت فيها رونالدو الظاهرة وزيدان وفيجو وراؤول ورونالدينيو وتوتي وغيرهم الكثير والكثير من النجوم، لكن يبقى ميسي كموهبة وتطور واستمرارية في أرض الملعب شيئاً خيالياً، أشعر مرات كثيرة أنه لا يلعب كرة القدم التي نعرفها، أو أنه يلعب رياضة أخرى قام باختراعها. لا أستطيع إحصاء عدد المرات التي جعلني فيها أمسك رأسي من هول الدهشة وكأن أحدهم ضربني بمطرقة فولاذية!
جاري لينكر، هداف كأس العالم 1986 يقول شيئاً مشابهاً لما قلته عن ميسي، فبعد أن قال إنه أفضل لاعب في التاريخ بمسافة عن ملاحقيه، أتبع قائلًا "إنه يلعب رياضة لا نعرفها".
المعضلة الحقيقية في قراءة أو مشاهدة ما يقوم به ميسي، أننا صرنا معتادين على هذا النوع من السحر، صار هذا هو الطبيعي الذي يجب أن يقوم به وإن قام بشيء أقل من ذلك فهو أمر مرفوض تماماً. هذا يبدأ من أساسيات الكرة التي ابتدعها هو وقام بتشكيلها على هواه وصولاً إلى الأشياء الخارقة التي يقوم بها.
يذكرني هذا بما قاله أحد أساطير ريال مدريد، راؤول غوانزاليس، عن ميسي: "في أحد الأيام شاهدت مباراة له، كان يركض بأقصى سرعة ممكنة، وكانت الكرة ملتصقة بقدمه.. هذا مستحيل".
هذا ليس كلاماً صادراً من مشجع برشلوني متعصب، ولكنه صادر من أسطورة الغريم التقليدي لبرشلونة.
يجبر ميسي الجميع دائماً على احترامه وتقديره، لا يهم لون القميص الذي تشجعه، فحتى أولئك الذين يقوم بإذلالهم كروياً، أشد منافسيه داخل الملعب الذين يجب عليهم إيقافه، المدافعون، لا يستطيع أحدهم أن ينكر أنه الأعظم.
يقول المدافع كابتن نادي تشيلسي جون تيري عن ميسي ''لا شك ولا ريب أن ميسي هو أفضل لاعب في التاريخ، عندما أعتزل سيكون من الرائع بالنسبة لي أن أنظر خلفي لأدرك وبكل الفخر أنه قد تم اختباري أمام الأفضل".
ليس تيري هو فقط من قال هذا، بل إن الرجل الذي وضع ميسي ندبة في مسيرته لن تمحو مهما طال الزمن، جيروم بواتنغ، قد قال تعقيباً على ما فعله ميسي به "هذا أمر طبيعي، إنه الأفضل في العالم".
أحد أعظم المدافعين في التاريخ، القيصر فرانز بيكنباور، قال أيضاً "إنه عبقري بحق، هذا الفتى يمتلك كل شيء.. يضحك.. لحسن الحظ أنني لم أقابله في مسيرتي".
أسطورة الدفاع الإيطاليّ ونادي إي سي ميلان، باولو مالديني يصف ميسي فيقول "لقد وصل إلى مرحلة مارادونا وتجاوزها، أن يقوم أحدهم بهذه الأشياء المستحيلة وبهذه السرعة.. فهذا هو الجنون".
وفي سياق قريب كأنه يرد على هؤلاء المدافعين، يقول الأسطورة البلغارية، هريستو ستويشكوف "قديماً قالوا مرة إنك تحتاج لمسدس كي تستطيع إيقافي، اليوم تحتاج إلى مدفع رشاش لإيقاف ميسي".
بعد عشرين عاماً من الآن سنجد صور "ليونيل ميسي" معلقة في المقاهي وواجهات المحلات وغرف اللاعبين الصغار وحتى ذلك الحين، سنستمع لكلمات من انفجر ميسي من بين يديه، بيب غوارديولا، الذي قال وبكلمات قصيرة وكأنه يفتح النار عليّ وعلى محاولتي للكتابة عن ليونيل ميسي "لا تكتبوا عنه، لا تحاولوا وصفه. فقط شاهدوه".
حسناً سيد غوارديولا، أنت أدرى به منّا.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.