عمرو أديب إعلامي مصري مثير للجدل محسوب على نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي، وما يقوم به عبر شاشة MBC مصر على مدار الأيام الماضية يطرح العديد من التساؤلات حول الرسائل التي يوجهها من النظام للشعب والأساليب التي يستخدمها، فما هي القصة؟
متى دخل أديب على خط المواجهة؟
أديب يعمل منذ أكثر من عام في مجموعة قنوات MBC السعودية مذيعاً لبرنامج الحكاية على شاشة MBC مصر، وكان أول تعليق له على مقاطع الفيديو التي يبثها المقاول والفنان المصري محمد علي يوم الجمعة 13 سبتمبر/أيلول، قبل يوم واحد من مؤتمر الشباب الذي عقده السيسي وقام فيه بالرد على اتهامات محمد علي للرئيس وأسرته بالفساد.
عمرو أديب -شأنه شأن جميع من يظهرون في القنوات المحلية المصرية المملوكة بشكل شبه كامل للنظام أو لرجال أعمال- لا يتناول أي موضوع يخص الرئيس السيسي وأسرته دون تعليمات وتنسيق مع ما يعرف في مصر باسم الأجهزة السيادية، خصوصاً وأن السيسي نفسه دائم الشكوى من الإعلام وكيف أنه لا يسانده كما ينبغي.
ضمن هذه الأجواء المغلقة تماماً، تناول أديب موضوع المقاطع التي يبثها محمد علي ونالت متابعات قياسية وخلقت حالة جدلية لم تشهد لها مصر مثيلاً منذ وصول السيسي للسلطة عام 2014، وجاء كلام أديب في تلك الحلقة هادئاً إلى حد بعيد ومعترفاً بشكل ضمني أن هناك "مخالفات وأن الدولة ستتعامل معها" كما يحدث في أي مؤسسة وأي مكان في العالم، ومنوهاً أن الرئيس سيعقد مؤتمراً للشباب في اليوم التالي (السبت 14 سبتمبر/أيلول) وأن هناك "إجراءات سيتم الإعلان عنها في الأيام القليلة القادمة".
رسائل أديب بعد مؤتمر الشباب
انعقد مؤتمر الشباب بالفعل ولم يستمع السيسي لنصيحة الأجهزة السيادية بعدم الرد على محمد علي فرد ونفى اتهامات الفساد ولكنه اعترف بأنه "يبني قصوراً رئاسية وسيواصل بناء المزيد"، لتنقلب الأمور رأساً على عقب وتزداد حالة الغليان في الشارع المصري، فالرئيس الذي يردد طوال الوقت للشعب أن مصر دولة فقيرة ويطلب من الشعب أن "يتحملوا فاتورة الإصلاح الاقتصادي" التي تسببت في إفقار أكثر من نصف الشعب، يعترف بأنه بنى قصوراً رئاسية تتكلف المليارات وأنه سيواصل بناء المزيد.
نعود إلى عمرو أديب الذي أصبح في صدارة مشهد المدافعين عن نظام السيسي، ونتوقف عند عدد من الملاحظات اللافتة، حيث بدأ أديب في النيل من سمعة محمد علي والتشهير بحياته الشخصية وبث مقاطع فيديو وصور للمقاول الفنان بصحبة فتيات ليل، وهو الخط الذي أصبح سائداً في الإعلام الرسمي والخاص الداعم للنظام.
وكرر عمرو أديب رسالة "وجود أخطاء وسيتم إصلاحها والتعامل معها" بصورة مكثفة وتركز حديثه على أن "مصر ليست السيسي" وأن هناك مسيرة إنجاز حققت الكثير وأن ما يجري هو محاولات لهدم البلد كما حدث بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011.
وركز عمرو أديب منذ الجمعة 20 سبتمبر/أيلول (تزامناً مع دعوة محمد علي للتظاهر والتي شهدت بالفعل اندلاع مظاهرات محدودة وبالطبع نادرة في ظل الدولة البوليسية التي تم إرساء قواعدها خلال السنوات الخمس الأخيرة في القاهرة وعدد من المحافظات أبرزها السويس ودمياط والإسكندرية) على رسالة التخويف الموجهة لما يعرف في مصر بالأغلبية الصامتة أو "حزب الكنبة" (مصطلح عامي مصري ظهر أثناء ثورة 25 يناير/كانون الثاني في إشارة للأغلبية الصامتة).
وقد بدأ عمرو أديب رسالة التخويف السبت 21 سبتمبر/أيلول بتكرار الحديث عن السياحة في مصر وكيف أنها ستتأثر بما يحدث وأمس الأحد واصل نفس الرسالة بالتركيز على البورصة وكيف أنها خسرت مليارات موجهاً حديثه للأغلبية الصامتة أيضاً.
الخدعة والأسلوب!
أديب قام أثناء حلقة أمس الأحد بالإعلان عن استضافة محمود عبدالفتاح السيسي: "معانا الفقرة اللي جايه محمود عبدالفتاح السيسي، معانا مين، محمود عبدالفتاح السيسي"، دون إضافة أي شيء عن وظيفته أو من هو.
وبمجرد إعلان أديب أصبح "محمود السيسي" تريند على تويتر وأعلنت وسائل إعلام كثيرة عن استضافة أديب "لنجل الرئيس"، والمؤكد هو أن جميع مشاهدي أديب "من الأغلبية الصامتة التي يوجه حديثه إليها" وقعوا أيضاً في الفخ.
أديب الذي يهاجم الإعلام المعارض ويتهمه بالكذب والخداع وبث الشائعات ارتكب نفس الفعل، على طريقة "وداوني بالتي كانت هي الداء"، ففي سياق الأحداث من الطبيعي جداً أن يكون الضيف المنتظر هو "محمود السيسي" نجل الرئيس، وبالتالي استخدم أديب "الخديعة" كي يثبت للأغلبية الصامتة أن الإعلام المعارض كاذب، ويظل السؤال عن مدى جدوى "خديعته" رهناً بما قد يحدث في الأيام القادمة.
من المقصود برسائل أديب؟
أديب يوجه رسالة "التخويف" وإما "السيسي أو عودة الإخوان" للأغلبية الصامتة، رغم أن "محمد علي الذي هدم جدار الخوف" لا ينتمي لتلك الطبقة من الأساس أي أن الأغلبية الصامتة المستهدفة برسالة التخويف لم تكن طرفاً في ما يحدث حتى خرج السيسي باعترافه "أنه يبني قصوراً رئاسية وسيواصل بناءها"، وهو التصريح الذي من الطبيعي جداً أن يؤدي للغليان في أوساط تلك الطبقة.
عمرو أديب قال نصاً في حلقة أمس الأحد: "الإدارة اللي كانت موجودة عندها أفكار يوتوبية.. يعني إن الناس واثقة فينا ومش لازم نقول كل حاجة" (المقصود هنا هو أن الرئيس عبدالفتاح السيسي مقتنع بأن الشعب يثق فيه ويصدقه وبالتالي ليس مضطراً لمصارحة الشعب بكل شيء)، وعلى الأرجح "كانت" (أي من الماضي) زلة لسان من عمرو أديب، لكن اللافت هنا هو إعادة التأكيد بلسان أديب على أن "ذلك سيتغير".
المتسبب فيما يحدث الآن في مصر هو فيديوهات المقاول والفنان محمد علي ورد السيسي عليه، فيما يعرف باسم "حرب الأجهزة" أي أن هناك جهات وأجهزة سيادية ضاقت ذرعاً بما يفعله السيسي وأسرته، ومن الطبيعي أن الإعلام المعارض استغل ما يحدث وشجع على الدعوات للتظاهر، ومن الطبيعي أيضاً أن تحدث تظاهرات من جانب من يدفعون ثمن كل هذا وأصبحت معيشتهم لا تطاق.
أديب، الذي يقدم برنامج الحكاية أيام الجمعة والسبت والأحد والإثنين، أعلن منفعلاً أنه سيقدم البرنامج طوال هذا الأسبوع حتى الجمعة القادمة (موعد دعوة محمد علي لتظاهرات مليونية)، قائلاً لمشاهديه: "هيقولوا إن ده معناه إننا خايفين.. لا أنا هبقى معاكم علشان محدش يخاف" (عامية مصرية تعني: سيقولون (إعلام الإخوان) أن هذا يعني أننا (النظام المصري) خائفون.. لا سأكون معكم حتى لا يخاف أحد منكم)، طارحاً نفسه كصمام الأمان، لكن السؤال: صمام الأمان للشعب (ضد من؟) أم للنظام (أيضاً ضد من؟)