السوشال ميديا:
ـ مع أو ضد؟
ـ نشِط دائماً؟
ـ لا أنتمي إلى جيل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية؟
ـ غير مبالٍ باللوم الموجَّه دائماً إلى السوشيال ميديا لتدميرها لأطفالنا؟
ـ غير مبالٍ بمن يدافعون لتبرئة أنفسهم من تهمة إدمان السوشيال ميديا؟
ـ غير مبالٍ لا بهؤلاء ولا بأولئك ولي عالمي الخاص؟
بينما تجيب عن الأسئلة أعلاه، وتحدد لنفسك موقفاً من قضية التواصل الاجتماعي، سأخبرك عني:
لا أؤمن بالحملة الشعواء على عالم السوشيال ميديا، لكنني أعترف ضمناً بإمكانية إدمان تصفُّح صفحات التواصل الاجتماعي بسهولة، بحركة لا واعية ولا إرادية ولا منطقية أحياناً.
لا أوافق على فكرة أن التواصل الاجتماعي هدّام، فقط عقلية المستخدم ووعيه وثقافته ومساحة وعيه خلال "تعاطيه" مع منصات التواصل الاجتماعي هي التي تحدد إن كانت هذه الأخيرة هدّامة فوضوية، أم بنّاءة موجّهة. ليس دفاعاً عن عالم افتراضي، من غير الواقعي أساساً الاستماتة في الدفاع عنه، بل دفاعاً عن الإنسان وأنه المتحكّم الأساسي في كل ما يتداخل مع عالمه من عوالم، افتراضية كانت أو غير افتراضية.
أقتنع بأن السوشيال ميديا تؤثر بشكل لا واعٍ -وهنا تكمن خطورتها الحقيقية- في مبادئ وقيم شاملة، عند جيل جديد من الشباب الذين يكبرون وينمون بالتزامن مع نمو المساحات الافتراضية المتاحة دائماً، في كل مكان، لأي شخص وبشكل شبه مجاني، لكن من غير المنطقي مهاجمة كل تلك الجهود المتراكمة في مجال التكنولوجيا، لأن شاباً تعلّم أحد أشكال الانحراف عن طريق الفيسبوك، أو أن امرأة هجرت زوجها وأولادها لمقارنتها الدائمة بالحياة المثالية المبالغة لرفيقاتها والمعروضة على إنستغرام، أو أن مراهقاً رسب في ثانويته لإدمانه نتفليكس.
أعتقد أن لعبة السوشيال الميديا نوع من التحدي الشخصي، أمام كل فردٍ مساحة افتراضية لا محدودة لملئها كيفما شاء، وقتما شاء، متوجّهاً أيضاً إلى من يشاء، ورغم أنه يُخيَّل إليه أنه المؤثّر الوحيد في هذه المساحة، لا يخطر على ذهنه أنه يتأثر أيضاً فيها، مثل الفنان الذي يرسم لوحة ويتأثر بألوانها رغم أنها من صنعه.
أظن أن ما تلعبه السوشيال ميديا من تأثيرات سلبية هو في تعوُّدنا نمطاً سهلاً من التعامل مع الأشياء للحصول عليها. ثورة الـ "كبسة زرّ" هي ما ينقلب إلى "شر"، إذا صح التعبير.
أنا بكبسة زر أحصل على مئات المعلومات، بكبسة زر أشتري ما أريد مستفيداً من خدمة التوصيل المجاني، بكبسة الزر نفسها أحوّل الأموال وأتسلمها، أتحاور، أتعلّم، ألعب، أقرأ، أحجز بطاقاتٍ… إلخ.
نمط كبسة الزر غالباً ينتقل إلى برمجياتنا الدماغية أنه باستطاعتنا، بل من حقنا أن نحصل على كل شيء بسهولة، حتى تلك الأشياء التي تحتاج الوقت لتنضج. بكبسة الزر تلك، أريد أن أبني خبرة في العمل، أن أتعلم الحكمة في العلاقات مع الآخرين، بكبسة زر أريد أن يتغير جسدي، بكبسة زر أريد أن تتغير أفكاري وتنمو وتزدهر أحلامي، وأحقق أهدافي، بالكبسة السحرية جميعنا -أو على الأقل أغلبنا- يريد أن يبني حياة.
العالم الافتراضي يورثنا قلة الصبر، العضلة الروحية الأهم، لذا هو عالم سامٌّ.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.