انشغل الجميع بتبعات الاعتداء الذي استهدف المنشآت النفطية لشركة أرامكو السعودية وطبيعة ردود الفعل المتوقعة على الدولة المتهمة بتدبير الهجوم، وفتحت الشركة العملاقة أبوابها أمام الإعلام العالمي للوقوف على آثار العدوان وكيف تمت السيطرة عليها بسرعة قياسية.
صحيفة تيليغراف البريطانية نشرت اليوم السبت 21 سبتمبر/أيلول تقريراً من داخل منشآت أرامكو التي تم استهدافها بعنوان: "داخل منشآت النفط السعودية التي هاجمتها الطائرات بدون طيار الإيرانية".
انفجارات متتالية
سمع العاملون بشركة النفط (أرامكو) في بقيق، الواقعة شرق المملكة العربية السعودية، أول قذيفة تُضرب بعد الساعة 3:50 صباحاً.
واعتقد العاملون الليليون أنَّه انفجارٌ بسبب خللٍ ما، وهو أمر بالغ الندرة، لكنه ليس مستحيل الحدوث في أكبر معامل النفط في العالم. ولكن بعد الضربة الثانية والثالثة والرابعة، زال الشك في ما يحدث، وهو أنَّه هجومٌ مُستهدَف مُتعمد.
وجلب العاملون أقنعة الغاز، وركضوا أول شيءٍ إلى أعمدة التثبيت -وهي أهم جزءٍ في المنشأة- التي كانت تحترق.
ويقول خالد الغامدي، مدير العمليات في بقيق، "كانت الهجمات الإرهابية لا تزال مستمرةً عندما وصل الفريق الأول. تُعرف الساعة الأولى باسم الساعة الذهبية، وقد عرفوا أنَّ عليهم السيطرة على الوضع قبل أن يخرج الحريق عن أيديهم".
وفي الوقت نفسه، على بعد حوالي 240 كيلومتراً، ضربت مجموعةٌ أخرى من الصواريخ والطائرات بدون طيار منشأةً أخرى لأرامكو في خُريص. واستيقظ مديرو أرامكو في منتصف الليل على هذه الأخبار.
ضربة موجعة
ومع شروق شمس يوم السبت، كان الدمار الذي حل بالمنشأتين واضحاً. وأياً كان المسؤول عنه، فقد تمكَّن من عرقلة إنتاج المملكة من النفط، وتقليصه إلى النصف بين ليلةٍ وضحاها فقط؛ إذ انخفض إلى مليوني برميل فقط في اليوم، بدلاً من خمسة. وقفزت أسعار النفط إلى أرقام قياسية، أعلى حتى من ارتفاعها في بداية الثورة الإسلامية عام 1979، وخلال الحظر على النفط في حرب 1948.
وأوضح أحد المسؤولين في الرياض لصحيفة تيليغراف: "يُعتبر هجوم كهذا على صناعة النفط السعودية مثل طعنة سكينٍ في قلبها".
هجمات متتالية
وعانت المملكة العربية السعودية من عددٍ من الهجمات الأضيق نطاقاً بكثير وأقل في تبعاتها في الأشهر القليلة الماضية، على يد الحوثيين -بشكلٍ كامل تقريباً-، الذين تدعمهم إيران وتحاربهم المملكة في اليمن. وأعلنت قوات الحوثيين مسؤوليتها عن الهجمات الأخيرة، لكنهم قوبلوا بتشكيكٍ واسع النطاق.
عوضاً عن ذلك، أظهرت هجمات الأسبوع الماضي الحرب الخفية طويلة الأمد بين السعودية وإيران إلى العلن. وإذا صدقت المخابرات الأميركية، فهذا هو الهجوم الأول الذي تشنُّه إيران من داخلها على المملكة.
والأمر المُفاجئ هو أن توجِّه طهران وتشن هجوماً بنفسها، حتى أن نظام الدفاع السعودي المضاد للصواريخ كان موجهاً إلى الجنوب ناحية اليمن، وليس شمالاً ناحية إيران والعراق. ويُشتبه في أن تكون طهران قد أرسلت صواريخها من طريقٍ ملتف حول شمال الخليج العربي، عبر المجال الجوي العراقي، وهو ما مكنها من الإفلات من أجهزة الرادار السعودية المتقدمة.
والأنظار كلها موجهةٌ حالياً إلى السعودية، التي لا تستطيع السكوت على هذه الهجمات، لكنها أيضاً تعرف مدى وجوب تجنُّب أي مواجهات مع إيران مهما كلف الأمر.
خطوة غريبة من جانب السعودية
وسمحت شركة أرامكو السعودية بجولةٍ صحفية في الموقعين أمس الجمعة، وهو أمر نادرٌ من حيث الشفافية بالنسبة لمملكة منعزلة لا يُعرف عنها فتح أبوابها أمام الصحفيين.
ويبدو واضحاً حرص الرياض على كسب الدعم لأي رد منسق ضد إيران. إذ شاركت بالفعل قدراً كبيراً من أدلتها مع الولايات المتحدة، وتُخطِّط لتقديمها في الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع المقبل.
وبزيارة الموقعين المدمرين، اتضح على الفور أنَّ الهجمات كانت مخططةً ومُنفذةً ببراعة، وهي غارات تفوق مهارات الحوثيين كثيراً.
وفي الخريص، نُصِّبَت الرافعات حول عمودي تثبيت محترقين، يشكلان جزءاً من وحدات فصل الغاز والنفط.
هجمات دقيقة بصورة لافتة
وفي بقيق، أُصلِحَت الفراغات المفتوحة في "فرازات ثلاثية المراحل"، تؤدي المهمة بالغة الأهمية المتمثلة في فرز السوائل إلى غاز ونفط وماء، وحالياً يتم شحن قطع الغيار على عجالة من مناطق بعيدة مثل الولايات المتحدة وأوروبا.
وأشار الخبراء الذين رأوا صور صحيفة تيليغراف للموقع، إلى أنَّ نطاق الهجمات ربما لم ينل حقه.
وقال موظفٌ سابق في أرامكو، على درايةٍ بالمنشآت، "دقة هجمات الطائرات المسيرة، وحقيقة أنَّ هذه المناطق بعينها كانت مُستهدفة، تشير إلى أنَّ المسؤولين عن الهجوم عرفوا أين يضربون لإحداث أكبر تأثير".
وقيل إنه بدا أنَّ سبعةً على الأقل من الأسطح الكروية الـ11 قد تعرضت للهجوم. "إذا تعطلت كل تلك الأوعية بالكامل، فستتوقف العمليات في بقيق تماماً".
محاولات ولي العهد لتجاوز العار
وكانت المملكة، تحت قيادة حاكمها الفعلي الأمير محمد بن سلمان، تحاول الانفتاح على العالم. وتعتبر جولة يوم الجمعة هي أوضح دليلٍ على ذلك حتى هذه اللحظة.
وبينما تجاوز محمد بن سلمان حادث الاغتيال المتوحش للصحفي المعارض جمال خاشقجي، والاعتقالات الجماعية لناشطات حقوق النساء؛ فسيكون فشله في الدفاع عن البلد بأبسط الأشكال عاراً ذا فداحةٍ أخرى للأمير الفخور.
وتستضيف الرياض العام المقبل قمة مجموعة العشرين، وسوف تحتاج المملكة إلى غرس الثقة في مقدرتها على حماية أعضاء الوفود المهمين من أي هجومٍ محتمل آخر.
يقول الغامدي، المدير في بقيق، مشيراً إلى المثبتات المحترقة: "كما ترى، الخسائر فادحة. لكننا نملك بعض أفضل الفرق في العالم. وقد أُخمِدَت النيرات في غضون سبع ساعات. وعاد الإنتاج إلى 30% من الإجمالي، في أقل من 24 ساعة".
ويعمل في منشأة بقيق حوالي 1,100 عامل من أرامكو في الأسبوع العادي، لكن إلى أن يعود الإنتاج في الشركة إلى وضعه الطبيعي -ويُقدَّر حدوث ذلك في نهاية هذا الشهر-، فالشركة تُشغِّل ستة آلاف عامل على مدار اليوم طوال الأسبوع.
وكانت أي محاولةٍ للتغطية على ما حدث ستُقوِّض الثقة في السعودية تماماً، سواءً ثقة الحلفاء أو المستثمرين أيضاً، وذلك قبل الطرح العام الدولي والمرتقب بشدة لشركة أرامكو الوطنية، إذ يوصف بأنَّه الطرح العام الدولي الأكبر في العالم.
ويقول الغامدي: "نعم، الهجوم وقع بالفعل. لكنه إذا كان قد وقع في أيّ دولةٍ أخرى، لعنى ذلك نهايتها في هذه الصناعة. علينا أن نتذكَّر أن السعودية قوية. وينبغي أن يعرف العالم ذلك".