الثورة في مواجهة الدولة العميقة.. الأغلبية تتجه لدعم قيس، ورجال دولة بن علي سيدعمون القروي بقوة

عربي بوست
تم النشر: 2019/09/18 الساعة 18:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/09/19 الساعة 08:17 بتوقيت غرينتش
مفاجآت قد تقع قي الجولة الثانية من الانتخابات التونسية/رويترز

مفاجآت جديدة قد تشهدها الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التونسية بسبب الصفقات المحتملة والمواقف الخفية للأحزاب والقوى الرئيسية للبلاد. 

فبعد انتهاء الدور الأول من الانتخابات بخروج مرشحي الأحزاب الكبرى، بدأت تتشكل خريطة التحالفات والتوازنات السياسية.

وفي هذا التقرير نحاول رصد مواقف الدولة العميقة والأحزاب والقوى السياسية المختلفة من المرشحَيْن اللذَيْن تأهَّلا للجولة الأخيرة والحاسمة للانتخابات، أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد الذي تصدر السباق الرئاسي، ومنافسه على كرسي قصر قرطاج رئيس حزب "قلب تونس" نبيل القروي الموجود قيد الحبس.

تجدر الإشارة إلى أن القروي يقبع في السجن منذ أن ألقت قوات الأمن التونسية القبض عليه الشهر الماضي بينما كان في سيارته بعد صدور قرار قضائي بحبسه باتهامات التهرب الضريبي وغسيل الأموال، على إثر شكوى قدمتها منظمة (أنا يقظ) المعنية بمكافحة الفساد.

وتقدمت هيئة الدفاع عن القروي بطلب لإطلاق سراحه كي يشارك في المناظرات التليفزيونية أو السماح له بإجراء لقاءات من محبسه، ولكن قوبل الطلب بالرفض، وقضت المحكمة قبل يومين من التصويت الذي جرى أمس الأحد 15 سبتمبر/أيلول ببقاء القروي في السجن.

النهضة تعلن عن موقفها الاضطراري

بعد ساعات فقط من الإعلان الرسمي عن نتائج الانتخابات الرئاسية من قبل هيئة الانتخابات، بدأت الصورة في التشكل تدريجياً، إذ ألمحت حركة النهضة على لسان رئيسها الشيخ راشد الغنوشي، إلى دعم المرشح المستقل قيس سعيد في الدور الثاني، حيث أوضح في مقابلة مع إحدى القنوات التلفزيونية المحلية أن الحركة ستختار  الانحياز إلى شقِّ الثورة، واختيار دعم مرشح نظيف اليد.

سرعة اصطفاف الحركة خلف أحد مرشحي الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، وإن كان في ظاهره انتصاراً للثورة فواقع الحال يشير إلى أنه ضرورة، وليس اختياراً، إذ تعلم كل قيادات حركة النهضة  وعلى رأسهم الغنوشي بأن السير في الاتجاه المعاكس سيعني ضرب الخزان الانتخابي للحزب، وتشتيت قواعده، التي كشف الدور الأول من رئاسيات تونس بأن جزءاً منها إنحاز لعدد من المرشحين المحسوبين على الخط الثوري، على غرار سيف الدين مخلوف والمنصف المرزوقي. 

مرشحون خاسرون يؤيدون قيس

"مفاجأة" الدور الأول من الانتخابات الرئاسية في تونس تعزَّزت بإعلان حزب التيار الديمقراطي دعمه لقيس سعيد في الدور الثاني، رغم الخيبة الكبيرة بخروج مرشحه محمد عبو  من السباق الانتخابي، يضاف إليها إعلان رئيس حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري لطفي المرايحي، الذي اكتسب شعبية كبيرة خلال الأسابيع الماضية، أنه سيقف في صفِّ أستاذ القانون الدستوري ليكون رئيساً للبلاد.

ويبدو أن صفَّ أستاذ القانون الدستوري سيتعزَّز أيضاً خلال الأيام المقبلة، بدعم عدد من حركات وأحزاب ستصطف وراء قيس سعيد لعدد من الاعتبارات، أولها أن الرجل يحسب على الصف الثوري، الذي يدعو لاستكمال أهداف الثورة ونظافة يد الرجل الذي يشهد له التونسيون ببساطته وعفويته وتواضعه وثقافته الواسعة.

قيس سعيد حصل على المركز الأول في الجولة الأولى للانتخابات/رويترز

وبالإضافة إلى الدعم السياسي الذي بدأ يتشكَّل حول قيس سعيد، يعول المرشح المستقل على مجموعة كبيرة من المتطوعين الذين دعموه في الدور الأول، وجيش من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي الذين كان لهم دور كبير في صعوده للدور الثاني، والذين بدأوا في إنشاء تنسيقيات مناطقية عبر موقع فيسبوك لدعمه، ولجزء كبير من الطلبة التونسيين الذين يُكنّون لهذا الأستاذ الجامعي المتقاعد كل الاحترام والتقدير.

الأحزاب تحسم المعركة التي خسرتها

إن التكتلات الحزبية ستكون حاسمة في ترشيح كفة أي من المرشحين، حسبما يقول المحلل السياسي محمد بوعود لـ "عربي بوست" .

وأضاف: "مبدئياً ستميل الأغلبية شيئاً فشيئاً نحو قيس سعيد، بالنظر الذي ناله من قبل عدد من المرشحين الذين خرجوا من الدور الأول، مثل سيف الدين مخلوف، والمنصف المرزوقي، وقد يلتحق بهم الصافي سعيد.

وهؤلاء إذا أعطوا توجيهات لأنصارهم بالتصويت لقيس سعيد فإنه سيتمكن من التقدم بأشواط كبيرة عن نبيل القروي، الذي لم يعلن أي حزب حتى الآن مناصرته" .

وأضاف: "بالنسبة للأحزاب الكبيرة فإنّ حركة النهضة ستكون أمام خيار صعب، فإذا دعمت قيس سعيد فلن تضمن الاستقرار السياسي الذي ناضلت من أجله طيلة سنوات، وإن دعمت نبيل قروي قد تخسر طيفاً كبيراً من قواعده.

فالنهضة تعلم أنها إذا دعمت قيس سعيد فلن تضمن الاستقرار السياسي الذي ناضلت من أجله طيلة سنوات، بسبب عدم امتلاك قيس سعيد لحزب أو كتلة سياسية أو برلمانية يمكن أن تتحالف معها، لضمان الاستقرار أو التوافق السياسي.

وإن دعمت نبيل قروي قد تخسر طيفاً كبيراً من قواعدها، الذين يعتبرون الخط الثوري بوصلة حزبهم السياسية. 

ولذلك فإن عدداً كبيراً من قواعد الحركة لن يلتزموا بالتصويت للقروي الذي يعتبرونه في جناح الثورة المضادة" .

أنصار رئيس الحكومة يناصبون القروي العداء

أما أنصار رئيس الحكومة يوسف الشاهد، فإنهم لن يكونوا في صف القروي، الذي كانت حملتهم الانتخابية ترتكز في الأساس ضده.

إذ إن حملة الشاهد الانتخابية ترتكز أساساً على الحرب التي أعلنها على الفساد، حيث يعتبر أنصاره القروي ضمن أهداف هذه الحرب. 

في المقابل، فقد عملت قناة القروية التلفزيونية "نسمة" على تشويه رئيس الحكومة طيلة الحملة الانتخابية.

ولكن الدولة العميقة قد تعد مفاجأة في الخفاء

وفي الجهة الأخرى من الكفة يرى كثير من المراقبين أن ما يوصف  بالدولة العميقة ستساند بقوة مرشح ورئيس قلب تونس نبيل القروي، رغم وجوده وراء القضبان، حيث تعتبر أن الرجل يمكن التفاوض معه، وفرض تسويات وصفقات عليه، خصوصاً في وضعه الحالي، وأمام القضايا والاتهامات الموجهة له بالتهرب الضريبي وتبييض الأموال، عكس قيس سعيد، الذي لن يخضع لمعادلة التسويات أو الابتزاز، وهو الذي يناضل من أجل مشروع سياسي واجتماعي مخالف تماماً لما تتبناه الدولة العميقة.

وماذا عن موقف حزب السبسي؟

من المنتظر أن يصطف عدد من أحزاب أخرى وراء نبيل القروي، على غرار حزب البديل، الذي يمثله مرشح الرئاسيات مهدي جمعة، وحزب مشروع تونس الذي تنازل مرشحه محسن مرزوق لصالح عبدالكريم الزبيدي (الزبيدي يوصف بمرشح الدولة العميقة)، في الدور الأول.

القروي الذي يوصف بالمرشح الشعبوي احتل المركز الثاني/رويترز

ويتوقع أن يتلقى القروي تأييد حزب نداء تونس (الحزب الذي أسسه الرئيس الراحل القايد السبسي)، لأن القروي لديه علاقة قوية مع قياداته، وكان يوماً ما فاعلاً في وصوله للحكم، من خلال الدعم الإعلامي الذي قدَّمه في انتخابات 2014.

وفي حين سيختار عدد من الأحزاب الخروج للعلن ومساندة أحد المرشحين، ستنخرط أحزاب أخرى في هذا السباق، من خلال توفير دعم غير معلن، خاصة لنبيل القروي، لعدة اعتبارات، أهمها إمكانية فقدانها لأصوات وقواعد من الجناح الثوري، خصوصاً أن البلاد مقبلة على انتخابات تشريعية مفصلية الشهر المقبل.

اليسار حائر بين تأييد مرشح الثورة والمرشح الشعبوي.. ما يهمه أن يخالف الإسلاميين

وسيبقى عدد من الأحزاب مثل الجبهة الشعبية (ذات التوجهات اليسارية) بشقيها في انتظار موقف قيس سعيد من عدد من الملفات والقضايا، لتحديد مساندته من عدمها، على غرار موقفه من حركة النهضة، ومدى التزامه بمدنية الدولة ودعم الحقوق والحريات.

في انتظار تشكل التحالف السياسي وراء كل مرشح، سيكون للانتخابات التشريعية المرتقبة الشهر المقبل تأثير مباشر وكبير على نتائج الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، خصوصاً إذا حدّدت هيئة الانتخابات موعد الانتخابات الرئاسية بعد إجراء التشريعيات، رغم أن واقع الحال يشير إلى تقدم كبير ومنتظر للمرشح المستقل قيس سعيد في اتجاه قصر قرطاج.

تحميل المزيد